مسؤوليّة الطيّب عن “ضرب الزوجات”!

مدة القراءة 5 د

لن تكون أزمة “إباحة ضرب الزوجات”، الأزمة الأخيرة التي تُثار حول شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، ذاك الرجل الذي تسعى فرق وتيارات إلى إعادة تفصيله على مقاس أفكارها وتوجّهاتها. فعندما يُصدر رأياً يتوافق مع ما يعتقده بعضهم يصبح “البروفيسور التقدّمي التنويري”، وحينما يلتزم بحدود النصوص التي لا يملك تبديلها لا هو ولا غيره، يحوّله البعض الآخر إلى “الرجعيّ المتشدّد”.

رفعه التقدّميّون إلى سابع سماء عندما حسم بعض المسائل الفقهية المتعلّقة بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم وإخراج أموال الزكاة على فقراء المسيحيين، قاطعاً بذلك الطريق على المتنطّعين المتمسّكين بتلابيب فقه إنكار وجود الآخر، وخسف هؤلاء به الأرض عندما قاوم حظر “الطلاق الشفوي” ودعوات “تنقية التراث”.

هناك من يرفع الشيخ إلى مرتبة القداسة ويضع أفكاره وآراءه في مقام أعلى من النقد، وهناك من لم يملّ التطاول عليه ونسف أُسس المؤسسة التي يرأسها، ولكلّ فريق فيما يرمي أدوات وجمهور يهلّل ويكبّر.

شدّد الطيب في برنامجه “حديث شيخ الأزهر”، على أنّ لوليّ الأمر أن يُقيد المباح إذا رأى أنّ هذا المباح في بعض تطبيقاته يتسبّب عليه بضرر

لا يوجد أحد فوق النقد: “كلٌ يُؤخذ من كلامه ويُردّ عليه إلا صاحب هذا القبر”، كما أشار الإمام مالك إلى قبر نبيّنا محمد (ص)، لكنّنا في الواقع نُحمّل الطيّب أكثر ممّا يحتمل، ونلجأ في الكثير من الأمور الحياتية، التي تنظّمها نصوص الدساتير والقوانين المدنية، إلى المؤسسة الإسلامية السنّيّة التي مهما تطوّرت واجتهدت في تأويل وتفسير واستنباط النصوص المحتملة الدلالة للوصول إلى أحكام تناسب الواقع، لا يمكن أن تُبدّل أو تغيّر النصوص الصريحة الدلالة القطعيّة الثبوت.

 

عمرو أديب

مسألة “ضرب الزوج لزوجته” التي أثارها الإعلامي عمرو أديب في برنامجه منذ أيام، وأشار إلى أنّ شيخ الأزهر أكّد “إباحتها وفق شروط”، ومنح مساحة للباحث إسلام البحيري لمهاجمة الطيب معتبراً أنّ “كلامه ضدّ الدستور.. ويخلق دولة الغابة”… كان الشيخ قد حسمها قبل عامين، وقال إنّه على الرغم من أنّ الإسلام أباح للزوج أن يضرب زوجته الناشز، إلا أنّ وليّ الأمر من حقّه أن يعدل عن هذا المباح ويقيّده.

وشدّد الطيب في برنامجه “حديث شيخ الأزهر”، على أنّ لوليّ الأمر أن يُقيد المباح إذا رأى أنّ هذا المباح في بعض تطبيقاته يتسبّب عليه بضرر، مشيراً إلى أن لا ضرر أكبر ممّا تتأذّى منه الزوجات الآن، فاللجوء إلى الضرب يسبّب أذى نفسيّاً ينعكس سلباً على الأسرة.
وضرب الطيب أمثلة لتقييد “المُباح”، كرفع سنّ زواج الفتيات من 16 إلى 18 سنة، مطالباً أن يتمّ نفس الشيء في قضية الضرب، “لا للزوجة الناشز فقط، لكن بشكل مطلق، إذ إنّ الضرب الآن إهانة للإنسان، وأصبح يسبّب له عِقَداً لا تفارقه حتى يذهب إلى قبره”.

إذاً يرى رأس المؤسسة الدينية أنّ مسألة تجريم ضرب الزوج لزوجته، من المسائل التي تخصّ سلطات الدولة المدنية التي سبق لها في عصور سابقة أن جرّمت الرقّ، وملك اليمين، وطوّرت الحدود التعزيرية بما يتناسب مع المتغيّرات المجتمعية ويحقّق مقاصد العقاب والردع والإصلاح.

الأجهزة والسلطات

نظريّاً لا تُفرّق القوانين في جرائم الاعتداء على المرأة بين زوج وغريب، لكنّ المشكلة في التطبيق، فالأجهزة والسلطات المناط بها إنفاذ القانون عادةً ما تتلكّأ عندما يُطرح عليها مثل تلك الوقائع بدعوى أنّها مشاكل أسرية مآلها الحلول داخل إطار العائلة.

كثيراً ما تذهب الزوجة المعتدى عليها إلى جهات إنفاذ القانون لتشكو زوجها فتفاجأ بأنّ الجهة الرسمية تَنصُب جلسة صُلح عرفية بحضور الأهل الذين يقنعونها بدورهم بالتنازل عن بلاغها حتى “لا تحبس زوجها وأبا أولادها”. ثمّ ينتهي الأمر بتطييب خاطر تلك المسكينة وعودتها إلى بيتها مهضومة الحقّ. الأمر الذي يشجّع الزوج على معاودة ضربها مجدّداً. وفي المرّات التالية لا تفكّر تلك المرأة في الرجوع إلى جهات الشكوى الرسمية، فالنتيجة معروفة سلفاً.

فإذا أردنا الحفاظ على حقوق الزوجة وحفظ كرامتها بصفتها مواطنة، فعلينا إجبار أجهزة الدولة المناط بها التعامل مع البلاغات الأسرية والتحقيق فيها على التفاعل بجدّيّة مع أيّ شكوى تصل إليها، حتّى لا تيأس صاحبات الحقوق.

إقرأ أيضاً: أحمد الطيب (2/2): المشيخة والإمامة

أمّا الزوج الذي وصل به الحال إلى أن يعتدي على زوجته بأيّ حجّة، فلديه الطريق الأسلم والأكرم: “الطلاق”. وهو حلّ، وإن كان الله يبغضه، فإنّه يبغض أكثر التعدّي على الطرف الأضعف “بدنيّاً” في العلاقة الزوجية. وإن لم يبادر الزوج الأرعن الذي يستعرض قوّته على قرينته فلها أن “تخلعه”. هذا أكرم لها ولأولادها ولا تخشى في ذلك نظرة مجتمع أو مسؤولية تربية الأولاد. لأنّ البديل في حال استمرارها مع الزوج المعتدي قد يكون فقدانها حياتها، سواء بالموت ضرباً أو بالحياة قهراً وكمداً من الإهانات المتراكمة.

 

* نقلاً عن الشروق المصريّة

مواضيع ذات صلة

وصيّة السّيّد للسّياديّين!

مضت على هذه الأحداث 20 سنة كاملة. لكنّها تتكرّر اليوم بأدقّ تفاصيلها، مع تبديل بسيط في بعض اللاعبين خارجياً، وبقاء الكثير من الوقائع والسياقات، وحتى…

لمَ لا يكون الطّائف هو الحلّ؟

الانقسام في لبنان سيّد المواقف كلّها. القرارات الدولية ترضي البعض وتغضب الآخرين، وكذلك الأمر في ما يتّصل بالالتحاق بالمحاور هنا وهناك. في ظلّ هذا الانقسام،…

مصباح الرياض والقاهرة

بالأمس أشرنا إلى الفرق بين المسار العربي “المسؤول” والمسارات الأخرى في المنطقة من القوى غير العربية، وعلى رأس هذه القوى إيران وقلاقلها، وإسرائيل وحروبها اللامحدودة…

دور عربيّ لتفادي “الشّريط العازل”

ليس التحرّش المستمرّ لإسرائيل بالقوّة الدولية في جنوب لبنان عملاً اعتباطياً بمقدار ما يبدو أنّه جزء من مخطّط مدروس في غاية الخطورة. يتمثّل هذا المخطّط…