إيران وأخذ الرهائن… من الأشخاص إلى الدول

مدة القراءة 6 د

يصعب وصف الاعتداءات الإيرانيّة على المملكة العربيّة السعوديّة انطلاقاً من الأراضي اليمنيّة بسوى خطوة تصعيدية أخرى في سياق تحويل دول المنطقة إلى رهائن لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة”. مطلوب في هذه المرحلة المعقّدة التي يمرّ فيها العالم بتعقيدات ومخاطر لا سابق لها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، اقتناع إدارة جو بايدن بأنّ عليها الاستسلام أمام النظام في إيران. هذا النظام الذي احتجز 52 دبلوماسيّاً أميركياً 444 يوماً في تشرين الثاني من العام 1979، من دون عقاب، بات يستطيع أخذ دول عربيّة رهائن. تطوّرت أساليب النظام مع مرور الزمن. انتقلت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران من سياسة احتجاز الأشخاص وجعلهم رهائن، وهي ما زالت معتمدة إلى اليوم مع الأميركيين والأوروبيين خصوصاً، إلى سياسة احتجاز الدول وتحويلها رهائن. هل إدارة بايدن مستعدّة للرضوخ لهذا الواقع؟

ثمّة ما يؤكّد هذه المخاوف في ظلّ الطريقة التي تعاطت بها إدارة بايدن مع الحوثيين، رافضة في كلّ وقت الاعتراف بما يمارسونه من إرهاب في حقّ اليمنيين أنفسهم، وفي حقّ دول الجوار التي لم تتردّد يوماً في مساعدة اليمن. هذا لا يعني تجاهل أخطاء سياسيّة كثيرة ارتُكبت منذ العام 2011 تاريخ انقلاب الإخوان المسلمين على علي عبدالله صالح.

ثمّة سوء فهم أميركي عميق لِما دار وما زال يدور في اليمن. في أساس سوء الفهم هذا، الجهل بطبيعة الحركة الحوثيّة التي باتت تسمّي نفسها “جماعة أنصار الله” بما يؤكّد عمق العلاقة بينها وبين “الحرس الثوري” الإيراني

يؤكّد انتقال إيران من احتجاز الأشخاص إلى احتجاز الدول، ما آل إليه وضع العراق الذي صار رهينة إيرانيّة بامتياز. لا مجال في العراق لانتخاب رئيس للجمهوريّة أو لتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضيّ ستّة أشهر على إجراء الانتخابات النيابيّة، نظراً إلى أنّ إيران غير راضية عن نتائج هذه الانتخابات. لم تحصل الأحزاب الموالية لها على الأكثريّة. كانت النتيجة اختراع نظريّة الثلث المعطّل، تماماً كما حصل في لبنان، من أجل أخذ العراق إلى انسداد سياسي كامل على كلّ المستويات. بالثلث المعطّل، بات العراق كلّه في أسر إيران لا أكثر. بات ورقة من أوراق “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي تفاوض “الشيطان الأكبر” مباشرة وغير مباشرة في فيينا وغير فيينا.

سينتظر العراق طويلاً انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً لبرهم صالح، مثلما انتظر لبنان طويلاً انتخاب خليفة لميشال سليمان. عطّل “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، مجلس النوّاب اللبناني سنتين ونصف سنة كي يصبح مرشّح الحزب رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة في 31 تشرين الأوّل 2016. لم يدرك الذين تحمّسوا لميشال عون، بمَن في ذلك السياسي الذي يعرفه عن ظهر قلب، أي سمير جعجع، مدى خطورة الرضوخ لـ”حزب الله” وإيصال مرشّحه إلى قصر بعبدا.

ليس ما يدعو إلى الحديث عن سوريا ودخول “الجمهوريّة الإسلاميّة” على خطّ إبقاء النظام السوري الذي ثار عليه شعبه بأكثريّته الساحقة منذ آذار 2011. استغلّ النظام الإيراني الثورة الشعبيّة في سوريا ليتغلغل أكثر في هذا البلد بوسائل شتّى، بينها إرسال ميليشيات تابعة له إليها كي يبقى بشّار الأسد في دمشق. لم يعد سرّاً أنّ إيران استطاعت تغيير طبيعة المناطق السورية وأدخلت عليها تغييرات ذات طابع ديموغرافي. من الصعوبة بمكان امتلاك بشّار الأسد أيّ هامش حرّيّة عن إيران. الأكيد أنّ لديه هامشاً للمناورة، لكنّ مثل هذا الهامش ليس كافياً كي لا تكون سوريا في عهده مجرّد ورقة إيرانية ورهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة”….

يؤكّد انتقال إيران من احتجاز الأشخاص إلى احتجاز الدول، ما آل إليه وضع العراق الذي صار رهينة إيرانيّة بامتياز

ليست الاعتداءات على السعوديّة، انطلاقاً من اليمن، سوى دليل على مدى جهل الإدارة الأميركيّة بالحوثيين ودورهم وعمق الروابط بينهم وبين النظام الإيراني. لم يراهن الحوثيون في أيّ وقت على تسوية سياسية في اليمن. يرفضون مثل هذه التسوية، حتّى لو كانت تعترف بأنّهم جزء لا يتجزّأ من النسيج اليمني. في المقابل، إنّهم يؤمنون بخرافات زرعتها فيهم إيران التي تنظر إلى اليمن بصفة كونه موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة. هذا ما لم تستطع الإدارات الأميركية استيعابه أبداً. جاءت إدارة جو بايدن لتذهب إلى أبعد من غيرها في مسايرة الحوثيين. عمليّاً، شجّعت هؤلاء، ومن خلفهم إيران، على تحويل اليمن قاعدة للصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة من دون حسيب أو رقيب. هذا سبب أكثر من كافٍ كي تتّخذ الدول العربيّة في المنطقة موقفاً حذراً من السياسة الأميركيّة.

ثمّة سوء فهم أميركي عميق لِما دار وما زال يدور في اليمن. في أساس سوء الفهم هذا، الجهل بطبيعة الحركة الحوثيّة التي باتت تسمّي نفسها “جماعة أنصار الله” بما يؤكّد عمق العلاقة بينها وبين “الحرس الثوري” الإيراني الذي يمتلك وجوداً طاغياً في صنعاء. قبل سنة تماماً، أطلقت السعوديّة مبادرة سلميّة اتّجاه اليمن. سارعت إيران عبر سفيرها في صنعاء حسن إيرلو، وهو ضابط في “الحرس الثوري” (تُوفّي لاحقاً إثر إصابته بكورونا)، إلى رفض المبادرة السعوديّة رفضاً قاطعاً. وضع إيرلو الحوثيين أمام أمر واقع هو الموقف الإيراني. أراد القول إنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في مناطق سيطرة الحوثيين. ترفض إدارة بايدن أخذ العلم بمثل هذا التطوّر مثلما ترفض الاعتراف بأنّ دول الخليج، في مقدّمها السعوديّة والإمارات، مستهدفة من إيران انطلاقاً من اليمن. هل هذا ترجمة لوقوف أميركا إلى جانب حلفائها وقت الشدّة… أم دعوة أميركيّة لإيران إلى ابتزاز هؤلاء الحلفاء؟!

إقرأ أيضاً: مؤتمر الرياض وإعادة تشكيل “الشرعيّة” اليمنيّة

يُخشى أن تكون إدارة بايدن مستعدّة للرضوخ لإيران في صفقة تتعلّق ببرنامجها النووي. معنى ذلك أنّ رئيس أميركا، الذي يعلن أنّه مستعدّ لمواجهة روسيا في حال اعتدت على أيّ دولة عضو في الحلف الأطلسي (ناتو)، غير معنيّ بما تقوم به إيران في منطقة الخليج. على العكس من ذلك نراه يشجّع على أخذ مزيد من الرهائن… إنّه يشجّع عمليّاً سياسة بدأت في العام 1979، وهي مستمرّة إلى يومنا هذا. الأكيد أنّه ليس بمثل هذه السياسة ستستطيع أميركا يوماً الحدّ من جنون فلاديمير بوتين الذي يريده بايدن خارج السلطة… أو الوقوف في وجه التحدّي الصيني!

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء…