حكومة الكويت تختبر “درع الفهد”

2023-11-19

حكومة الكويت تختبر “درع الفهد”


مع نهاية شهر تشرين الثاني الحالي، يتّضح الخيط الأبيض من الأسود في مسار ومصير الحكومة الكويتية، عندما تضع أوراقها السياسية على الطاولة، وتُخرج كلّ “أرانبها” دفعة واحدة، وتتعامل مع البرلمان “بلا قفّازات”، من خلال الاستجواب المُقدّم لرئيسها الشيخ أحمد النوّاف.
لطالما شكّلت الاستجوابات عموماً، واستجواب رئيس الوزراء خصوصاً، بوّابة الأزمات السياسية في الكويت، فهي أداة النائب “الغليظة” لمساءلة الحكومة، ووسيلته الوحيدة للتعبير عن قوّته السياسية: منها تبدأ المقايضات والمساومات والترضيات وإليها تنتهي المآلات ما بين وأد أو اجتياز أو نهاية حقبة وبداية أخرى.
في الحالة الراهنة، تتمتّع الحكومة بقوّة سياسية كبيرة، فهي مدعومة من غالبية نيابية موصوفة، بفعل النفوذ الكبير الذي يتمتّع به نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ أحمد الفهد، مع تأييد أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمّة لأجندته، وقدرته على استقطاب أعداد أخرى بسهولة.
هذا الدعم هو ما يعوّل عليه رئيس الحكومة الذي يتلقّى دعماً لامحدوداً من وزير دفاعه، لاجتياز العقبات ونسج علاقات إيجابية مع النواب، تقوم على التعاون والتفاهم حيناً، وعلى الترضيات و”جبر الخواطر” أحياناً كثيرة.

قطوع كبير
على هذا الأساس، اجتازت الحكومة الأسبوع الماضي “قطوعاً كبيراً” كاد يعرقل مسيرة التفاهم التي نسجتها مع مجلس الأمّة وتعمل على صيانتها يومياً ودوريّاً، وذلك على 3 محاور:
1- تمثّل في إنهائها استجواباً قبل أن يُقدّم إلى وزير العدل والإسكان، من خلال تحقيق مطالب النائب الذي هدّد بتقديمه، بسهولة ويسر.

اجتازت الحكومة الأسبوع الماضي “قطوعاً كبيراً” كاد يعرقل مسيرة التفاهم التي نسجتها مع مجلس الأمّة وتعمل على صيانتها يومياً ودوريّاً

2- نجحت بموجبه في تمرير استجوابٍ تمّ تقديمه إلى وزير التجارة، وجرت مناقشته في مجلس الأمّة الثلاثاء الماضي، وانتهى بعد 5 ساعات من النقاش دون تقديم طلب طرح ثقة بالوزير، لأنّ النائب مُقدّم الاستجواب لم ينجح في الحصول إلا على 6 أصوات لتقديم الطلب، في حين أنّ المطلوب 10 على الأقلّ. وفي كلّ الأحوال لم تكن لديه الـ25 صوتاً اللازمة لإسقاط الوزير بالتصويت.
3- إثباتها أنّ تناغمها مع الغالبية النيابية يستند إلى جدار صلب وسميك، إذ طرح عدد من النواب الأربعاء الماضي تقديم مناقشة أحد القوانين “الحسّاسة” المُتّفق على مناقشتها لاحقاً، لكنّ الطرح سقط بالتصويت، وهو ما يشير إلى قوّة التفاهم بين الحكومة والغالبية النيابية.

خيار قديم أم جديد؟
صحيح أنّ هذا “القطوع” أعطى الحكومة دفعة كبيرة للصمود، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ كلّ ما جرى شيء وما سيجري في 28 تشرين الثاني الحالي شيء آخر.
في الجلسة المقرّرة في ذلك التاريخ، ستتمّ مناقشة الاستجواب المُقدّم من النائب مهلهل المضف إلى رئيس الوزراء، الذي يُفترض أنّه يقود مرحلة “العهد الجديد” و”تصحيح المسار”، وهو ما يعني أنّه لن يتعامل مع الاستجواب على طريقة أسلافه، الذين كانت قلّة منهم تختار المواجهة فيما كانت الخيارات الأكثر استخداماً من غالبيّتهم تراوح بين كسب الوقت عبر التأجيل لمحاولة تغيير التوازنات، أو الإحالة إلى اللجنة التشريعية والقانونية النيابية للنظر فيه، وهو ما كان يعتبره كثيرون “عبثاً دستورياً” في ظلّ عدم وجود نصّ يتيح للحكومة ذلك، أو الإحالة إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستورية الاستجواب.
في جميع هذه الخيارات، كان الأمر يخضع للتصويت في المجلس، وكانت الحكومة تعبُرُ الاختبار نتيجة امتلاكها غالبية نيابية مؤيّدة لها، وهو ما كان يؤدّي عملياً إلى “وأد” الاستجوابات أو إفراغها من مضمونها، وبذلك تسقط الأداة الأقوى بيد النائب لإسقاط الحكومة بتبعية إسقاط رئيسها.
هناك خيار رابع كان يتمّ اللجوء إليه أحياناً، ويحتاج أيضاً إلى التصويت، يتمثّل في تحويل الجلسة إلى سرّية، وهو ما يخفّف الحِمل السياسي عن النواب المؤيّدين للحكومة.

يبدو المشهد مُختلفاً هذه المرّة، إذ لا يمكن لرئيس الوزراء أن يرفع لواء “تصحيح المسار” ويسلك المسار السابق نفسه، وهو ما يضعه في عين العاصفة

عين العاصفة
يبدو المشهد مُختلفاً هذه المرّة، إذ لا يمكن لرئيس الوزراء أن يرفع لواء “تصحيح المسار” ويسلك المسار السابق نفسه، وهو ما يضعه في “عين العاصفة” ويُرجّح فرضية صعوده إلى المنصة لمواجهة الاستجواب في الجلسة نفسها أو بعد 14 يوماً على أبعد تقدير، وهي مهلة تأجيل من حقّه بحكم الدستور، ومُسلّم بها نيابياً.
هذه “المخاطرة” دونها عقبات، وتحتاج إلى “ضبط إيقاع” وضمانات صلبة، لا سيما أنّ “المفاجآت” واردة، وغالباً ما كانت تتمّ “الصفقات” أو “يُسحب الغطاء” أثناء مناقشة الاستجوابات.
إذا كان النواب الموالون للوزير الفهد قد شكّلوا حتى الآن الرافعة السياسية للحكومة، فإنّ “درع الحماية” هذا سيخضع للاختبار الأصعب، لأنّ عدداً كبيراً من النواب سيُعيد حساباته ويضعها في “ميزان الجوهرجي” نظراً للتكلفة المرتفعة شعبياً للوقوف مع الحكومة، فضلاً عن قوّة النائب المضف الذي يركّز على نقاط وملاحظات غير هامشية بل جوهرية، ووعد بأن يكون استجوابه “دستورياً بمضمونه وواضحاً بحُجّته ومُنصفاً بدليله”.
انتقد “محاولة فرض واقع أنّ حماية الدستور وتفعيل الأدوات الدستورية من سؤال برلماني أو استجواب يتعارضان مع التشريع”، معتبراً ذلك “بدعة سياسية وهوى حكومياً ضالّاً وفاسداً”.
أخذ على رئيس الوزراء “تراجعه عن مضامين خطاب العهد الجديد”، و”تخبّط السياسات العامّة” لحكومته، و”عدم الردّ على الأسئلة البرلمانية”، وهذه النقطة الثالثة هي “القطرة التي أفاضت الكأس”، وتعدّ “حنثاً بالقسم الدستوري وسلوكاً أعوج وهروباً من المسؤولية لا يستقيم أن يصدر من رئيس السلطة المهيمنة على مصالح الدولة”، على حدّ ما ورد في أوراق الاستجواب.

إقرأ أيضاً: السعدون “الرمز”… بين نمور الكويت وقِططها

10 تواقيع كافية؟
يشكّل هذا الاستجواب مِفصلاً في مسار الحكومة لجهة بقائها أو رحيلها، ولا يحتاج الأمر إلى 25 نائباً لإسقاط رئيسها، بل يكفي أن ينجح النائب المُستجوِب بجمع 10 تواقيع لطرح الثقة به لدفعه إلى تقديم استقالته، إذ لم يسبق أن واجه رئيس حكومة تصويتاً على طرح الثقة، ومن المستبعد أن يدخل رئيس الوزراء الحالي بهذه المغامرة.
يعني ذلك أنّ المرحلة الأولى التي تتطلّب جمع 10 تواقيع هي الأساسية ولبّ المعركة، ويبدو بحسب المؤشّرات الحالية أنّها مهمّة ليست سهلة لكنّها واردة، خاصة أنّ عدداً لا يُستهان به من النواب يعتمد “الغموض البنّاء”، وربّما ينتظر الفرصة لإظهار ما يُضمره في اللحظة المناسبة.

مواضيع ذات صلة

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…

واشنطن وبرّي.. يحميان المطار؟

أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب…