بعد 20 عاماً… حرب العراق ما زالت لغزاً!

مدة القراءة 5 د

في مثل هذه الأيّام، قبل عشرين عاما، بدأت على الأرض الإستعدادات العسكرية للإجتياح الأميركي للعراق واسقاط نظام صدّام حسين تمهيدا لتسليم أحد أهمّ البلدان العربيّة على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في ايران. تُوّجت الحملة العسكرّية الأميركية بدخول الجيش الأميركي بغداد في التاسع من نيسان – ابريل من العام 2003 يوم سقوط تمثال صدّام حسين.

مع سقوط التمثال، صار العراق عراقا آخر. لا يعني ذلك أنّ في الإمكان الدفاع عن نظام الرئيس العراقي الراحل الذي أُعدم لاحقا بطريقة تنمّ عن نزعة غرائزية ذات طابع مذهبي لدى الذين خلفوه. لا تبني مثل هذه النزعة دولا حديثة ذات مؤسسات ديموقراطيّة كما كان يحلم بعض المسؤولين من “المحافظين الجدد” في إدارة بوش الإبن. هؤلاء لا يعرفون العراق والعراقيين ولا يعرفون المنطقة ولا يعرفون خصوصا أنّ ليس في الإمكان اسقاط الديموقراطيّة من فوق على بلد عانى طويلا من حروب وحصارات، بلد انتهى عمليا صيف العام 1958 مع سقوط النظام الملكي على يد عسكريين متهورين تأثروا بجمال عبد الناصر والشعارات التي اطلقها مع رفاقه العسكريين الريفيين، في معظمهم. 

كانت ايران، بين دول المنطقة، الشريك الوحيد  للإدارة الأميركية في حربها غير المفهومة على العراق في ذلك التوقيت بالذات. كيف لأميركا الذهاب إلى العراق في وقت كانت منهمكة في القضاء على نظام “طالبان” في أفغانستان في ضوء غزوتي واشنطن ونيويورك اللتين كان وراءهما تنظيم “القاعدة” الإرهابي، على رأسه أسامة بن لادن.

خلاصة الذكرى العشرين لسقوط العراق، أنّ الحدث غيّر المنطقة كلّها. لم يستفد العراق نفسه من الحرب الأميركيّة التي تعرّض لها. زادت مشاكله وزادت ازماته

لا تزال هذه حرب العراق لغزا… اللهمّ إلّا إذا كان شخص مثل (الراحل) احمد الجلبي، المعارض الشرس لصدّام حسين، كان يستطيع جرّ أميركا إلى حرب بهذا الحجم خرج منها منتصر واحد هو إيران.

بعد عشرين عاما، يتبيّن حجم الضرر الذي الحقته اميركا في عهد جورج بوش الإبن بالمنطقة. ليس صحيحا أن ليس هناك من نصح الرئيس الأميركي وقتذاك بالعودة عن قراره بشنّ الحرب. يمكن الإشارة إلى شخصين فعلا ذلك. كان أولهما الملك عبدالله الثاني الذي حذر بوش الإبن خلال اجتماع في البيت الأبيض من النتائج التي ستترتب على حرب العراق. كان ذلك في آب – أغسطس 2002. لكنّ الرئيس الأميركي لم يكن يريد الإستماع إلى لغة المنطق التي استخدمها العاهل الأردني. كان جوابه “أن الله طلب منه الذهاب إلى الحرب” للقضاء على صدّام حسين.

كان الشخص الثاني الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي عارض الحرب ولكن من دون جدوى. رحل شيراك عن عالمنا. بعد عشرين عاما على الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط البلد في الحضن الإيراني، يظهر كم كان شيراك على حقّ وكم كان يمتلك نظرة ثاقبة إلى مجريات الأمور في الشرق الأوسط. كان رجلا بعيد النظر. كان آخر رئيس حقيقي للجمهورية في فرنسا!

من أخذ بوش الإبن إلى العراق؟ من جعل اميركا تخرج خاسرة من العراق ومن أفغانستان أيضا؟ لا جواب عن هذين السؤالين، لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ الولايات المتحدة أعطت دفعا جديدا للمشروع التوسّعي الإيراني الذي جعل “الجمهوريّة الإسلاميّة” تعلن في أيلول – سبتمبر من العام 2014، بعد وضع الحوثيين يدهم على العاصمة اليمنيّة، أنّها صارت تسيطر على أربع عواصم عربيّة هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء!

ما يمكن قوله، بعد عشرين سنة على بدء الحرب الأميركية على العراق، أنّ أميركا غيّرت موازين القوى في المنطقة كلّها. ليس العراق وحده الذي سقط. سقطت سوريا أيضا وسقط لبنان وتغيّرت طبيعة اليمن. كان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران على حقّ عندما حذر في العام 1981  من أيّ إختراق إيراني للحدود العراقية بقوله إنّ زوال هذه الحدود يهدّد موازين القوى في المنطقة كلّها. شدّد ميتران وقتذاك في اثناء الحرب العراقيّة – الإيرانيّة، التي استمرت ثماني سنوات بين 1980 و  1988، على أن الحدود بين العراق وإيران “ليست حدودا بين بلدين، بل هي حدود تاريخية بين حضارتين كبيرتين (الحضارة العربيّة والحضارة الفارسيّة) عمرها خمسمئة سنة”. تدخلت فرنسا بشكل مباشر، دعما للعراق في حربه مع ايران، خشية سقوط الحدود التي تفصل بين البلدين.

لعلّ خلاصة الذكرى العشرين لسقوط العراق، أنّ الحدث غيّر المنطقة كلّها. لم يستفد العراق نفسه من الحرب الأميركيّة التي تعرّض لها. زادت مشاكله وزادت ازماته. لكنّ هذا السقوط العراقي كشف ايران وكشف ادواتها في كلّ دولة من دول الشرق الأوسط حتّى في اليمن. تستطيع هذه الأدوات أن تدمّر، لكنّها لا تستطيع ان تبني. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّه بات على اميركا وأوروبا اكتشاف أنّ زوال الحدود العراقيّة – الإيرانية اطلق العنان للمشروع التوسعي الإيراني الذي بات يهدّد أوروبا. إذا كان من جديد يمكن التحدّث عنه في السنة 2023، فإنّ هذا الجديد يتمثّل في أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” باتت شريكا أساسيا في الحرب الروسيّة على أوكرانيا. جرّت روسيا إيران إلى أوكرانيا، مثلما جرت إيران، في العام 2015، روسيا إلى الحرب التي تستهدف الشعب السوري.

إقرأ أيضاً: وثائق رسميّة بريطانية: صدّام لم يكن لديه أسلحة دمار شامل

تتحمّل الإدارة الأميركيّة، إدارة بوش الإبن تحديدا، مسؤولية كبيرة في تغيير معالم الشرق الأوسط. سلّمت العراق إلى إيران. ما الذي ستفعله إدارة جو بايدن الآن بعد اكتشافها مدى التورط الإيراني في الحرب الأوكرانية؟ ما الذي ستفعله أوروبا التي تعتبر صمود أوكرانيا في وجه فلاديمير بوتين مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها؟

يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون في غاية الأهمّية بالنسبة إلى معرفة إلى أي حدّ سيذهب الغرب في التصدي لروسيا وإيران في أوكرانيا. الأكيد أن ليس مسموحا انتصار الحلف الروسي – الإيراني في أوكرانيا. لكنّ السؤال الذي سيفرض نفسه عاجلا أم آجلا: ما النتائج التي ستترتب على هزيمة الحلف الروسي- الإيراني في أوكرانيا وقت تقترب ايران من عتبة امتلاك السلاح النووي؟ 

 

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…