القوّات تردّ “بالواسطة” على جزّيني: عبثاً نُحبّ الوطن…

مدة القراءة 6 د

سلسلة من المغالطات ومن تحوير المضامين وردت في مقال الكاتب أيمن جزّيني الأخير في موقع “أساس ميديا”:

بنى السيّد جزّيني مقاله على ما يُشبه التخيّلات التي تنتج عادةً عن الأفكار التي تسقط منها الوقائع، فحمّل رئيس حزب القوّات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع كلاماً لم يذكره وخطوات لم يلجأ إليها وتشوّهات غير موجودة ألصقها بماضيه وحاضره.

فأين يا سيّد جزيني، قرأت أنّ الدكتور جعجع الذي رفض الإذعان للاتفاق الثلاثي الذي يُسقط لبنان بيد المحتلّ السوري ويُغيّب المكوّن السنّيّ يُريد دفع المسيحيين إلى الانفصال عن المسلمين؟

وأين تلمّست يا سيّد جزّيني أنّ الدكتور جعجع الذي سلّم سلاح “القوّات” إيماناً منه ببناء الدولة الفعلية ورفض التّسليم بحكم الوصاية التي قوّضت دور كلّ المكوّنات يُريد أن يُنهي هذه الدولة؟

ومن باب احترام العقول، نتحدّاك يا سيّد جزّيني أن تأتينا بخطابٍ واحدٍ يدعو فيه الحكيم، الذي اعتُقل رفضاً لخطف “لبنان الدولة”، إلى الانفصال أو التقسيم، أو عبارة واحدة تتضمّن تحريضاً طائفياً أو لغةً انفصاليّة أو نهجاً غير وطنّي.

دعوة الدكتور جعجع للبنانيين هي وطنية بإمتياز، كي نخرج جميعاً من العزلة التي وضعنا في آتونها محور الشرّ والموت، حيث لا انعزال إلا عن مصير الهجرة

كلّا يا سيّد جزّيني، وقبل الـ”كلّا”، إقرأ جيّداً ما قاله الدكتور جعجع، من دون تحريف أو تفريغ للحقائق والوقائع، حيث أكّد أنّ لبنان الـ10452 هو ثابتة من ثوابت “القوّات” وأنّ طرح تغيير التركيبة لا علاقة له بتغيير ثابتة “لبنان الواحد والشعب اللبناني الواحد”، ولن يحصل إلا بالتشاور مع كلّ اللبنانيين المؤمنين بالدولة، الدولة يا سيّد جزّيني، تركيبة داخل الدولة لا خارجها، الدولة المعطّلة من قبل فريق الممانعة الذي خطفها نحو الشغور والإصرار على الإتيان برئيس ممانِع تكراراً لتجربة بائسة كارثية.

طرح الدكتور جعجع هو للحفاظ على هذه الدولة لجميع اللبنانيين، والأهمّ الحفاظ على كلّ اللبنانيين في هذه الدولة، وإلا ما نفع الوطن وشعبه بين الفقر والهجرة والموت المحتّم؟

مُضحكٌ مُبكٍ أن تضع قراءة الأمين العام لحزب الله للواقع اللبناني في خانة “الأمر العادي” ارتباطاً بكتابه الولائي للدين في تناولك موقف الدكتور جعجع من الدولة، وكأنّ المقاييس عندك باتت مقلوبة، حيث يُصبح الرّكون إلى السّلاح اللاشرعي “أمراً عادياً” والمناداة بالدولة والدستور وإيجاد خرق ما بإرادة وطنية جامعة لإنقاذ نفس الدولة هو “الكارثة”.. عجيب يا سيّد.

الأغرب من كلّ هذه القراءة أنّ السيّد جزّيني ارتكز على نسف الوقائع الموثّقة، فاعتبر أنّ الدكتور جعجع وافق على الاتفاق الثلاثي قبل الانقلاب عليه، وقد خجلت حتّى كتابات الأسد البعثية من فبركة ذلك. كما قال إنّه نادى بالانتخابات النيابية المبكّرة مقابل عدم المسّ بموقع رئاسة الجمهورية، وهنا أُحيله إلى مؤتمر صحافي عقده رئيس “القوّات” في 14 حزيران 2021 في معراب، ويُشكّل واحداً من مجموعة مواقف متلازمة في المضمون، حينما دعا إلى “انتخابات نيابية مبكّرة لإعادة إنتاج السلطة والإتيان برئيس جديد للجمهورية وحكومة جديدة”؛ إلّا إذا كان السيّد جزّيني يُريد أن ينتخب مجلس “أكثرية سليماني” هو بنفسه الرئيس آنذاك.

أمّا القول بأنّ “أهميّة سمير جعجع الوحيدة هي أنّ 14 آذار نقلته من سجنه إلى وجدان اللبنانيين والعرب”، هو قول ساقط جوهرياً وعابث بالتاريخ، لأنّ 14 آذار نقلت بعض مَن كان صامتاً عن النّظام السوري الذي خطف الدولة إلى القضية اللبنانية التي دافع عنها سمير جعجع منفرداً في زنزانة منفردة، حيث تحمّل تبعات رفض الانقلاب المستمرّ على الطائف وعلى العيش المشترك يا سيّد جزّيني، يا “موضوعيّاً”.

أتسأل ماذا فعل الدكتور جعجع في 7 أيار؟ ما عليك سوى أن تتواصل مع الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، حين حضر جعجع كاسراً طوق اللاشرعية على رجالات الشرعية، فما كان المطلوب منه كي ترضى، أن يفرض أمراً مسلّحاً لتعود وتخرج بمقالٍ تصفه بالعابث بالدولة، كما تفعل الآن؟ لقد احتارت معك كلّ سياقات المنطق.

طرح الدكتور جعجع هو للحفاظ على هذه الدولة لجميع اللبنانيين، والاهم الحفاظ على كلّ اللبنانيين في هذه الدولة، وإلا ما نفع الوطن وشعبه بين الفقر والهجرة والموت المحتّم؟

الأسوأ من كلّ ذلك أن تبقى بعض الأصوات تخرج لتحدّثنا عن هرطقة “التوقيت” لطرح الحلول، فماذا علينا أن ننتظر بعد؟ إلى متى سيبقى الشعب اللبناني المنكوب ذليلاً جائعاً يستعطي طبابته وعلمه وعمله وأمنه وإخراج قيده؟ إلى متى سنبقى يا سيّد جزّيني متفرّجين داخل معادلة عقيمة يستغلّها حزب الله لتنفيذ مصالح مشروعه الإقليمي؟ إلى متى سنبقى نودّع أبناءنا وإخوتنا الراحلين إلى الهجرة هرباً من جحيم الممانعة؟

إلى متى يا سيّد جزّيني علينا أن نتلطّى خلف عنوان “الطائف”، من دون أن نجرؤ على المطالبة بتنفيذه؟ إلى متى سيظلّ تخوين سمير جعجع ومَن يؤيّده من اللبنانيين الأحرار، مسلمين ومسيحيين، “شمّاعة كرأس نعامة” إن طالبوا بوقف هذا الإجرام المتمادي بحقّ لبنان ورسالته ودوره تحت مُسمّيات “التوافق الوطني” و”الحوار الطبيعي” وما شابه من تعابير موبوءة بثقافة نحر كلّ ما هو لبنانيّ؟

أمّا المزاج الإسلامي فيُخدش تماماً كالمزاج المسيحي بالفقر والعوز اللذين أوصلتنا إليهما هذه التركيبة العاطلة والمعطّلة، لا بمطالبة “القوّات” بإيجاد تركيبة لبنانية تُجمع عليها كلّ المكوّنات للخروج من هذا المصير المظلم والظالم.

دعوة الدكتور جعجع للّبنانيين هي وطنية بامتياز، كي نخرج جميعاً من العزلة التي وضعنا في أتونها محور الشرّ والموت، حيث لا انعزال إلا عن مصير الهجرة، وأمّا الكلام عن “توجّس من باسيل المنفتح على عدد من الدول العربية”، فهو مضحك حتّى في سرّ باسيل نفسه، لأنّ المقارنة أوّلاً لا تجوز بين قائد يسعى إلى دولة وطارىء يهوى السلطة، بين موقف صلب ثابت وحركة متنقّلة سرعان ما تظهر بلاهتها.

إقرأ أيضاً: حديث جعجع عن الفدرالية… خدمة “مجّانيّة” لباسيل

تختم يا سيّد جزّيني مقالك العبثي، باستذكار مقولة للبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير تقول إنّ الموارنة خُلقوا من أجل لبنان وليس العكس. وهنا نأخذ منك حقّاً أردته باطلاً، فالدكتور جعجع ناضل في كلّ الأزمنة لأجل لبنان، ولو أراد العكس، لكانَ اختار الوزارة على النّظارة في أوائل التسعينيات، والجمهورية على الفراغ عام 2016، وترشيحه كممثّل أوّل للمسيحيين على مرشّح وحدة المعارضة اليوم.

وأمام هذا الكمّ من تضليل الرأي العامّ ومن التجنّي، تُشكّل كلمة البطريرك صفير عنواناً لرسم ما أراده الدكتور سمير جعجع من طرحه “عبثاً نُحبّ الوطن إذا كنّا لا نُحبّ المواطنين السّاكنين فيه، المُقيمين على أرضه والمتغذّين من نِتاج هذه الأرض”، والسّلام على مَن يرفض البقاء أسير الإذلال.

مواضيع ذات صلة

وصيّة السّيّد للسّياديّين!

مضت على هذه الأحداث 20 سنة كاملة. لكنّها تتكرّر اليوم بأدقّ تفاصيلها، مع تبديل بسيط في بعض اللاعبين خارجياً، وبقاء الكثير من الوقائع والسياقات، وحتى…

لمَ لا يكون الطّائف هو الحلّ؟

الانقسام في لبنان سيّد المواقف كلّها. القرارات الدولية ترضي البعض وتغضب الآخرين، وكذلك الأمر في ما يتّصل بالالتحاق بالمحاور هنا وهناك. في ظلّ هذا الانقسام،…

مصباح الرياض والقاهرة

بالأمس أشرنا إلى الفرق بين المسار العربي “المسؤول” والمسارات الأخرى في المنطقة من القوى غير العربية، وعلى رأس هذه القوى إيران وقلاقلها، وإسرائيل وحروبها اللامحدودة…

دور عربيّ لتفادي “الشّريط العازل”

ليس التحرّش المستمرّ لإسرائيل بالقوّة الدولية في جنوب لبنان عملاً اعتباطياً بمقدار ما يبدو أنّه جزء من مخطّط مدروس في غاية الخطورة. يتمثّل هذا المخطّط…