هيلاري كلينتون: شخصنة ترامب للسياسة الخارجية.. خطرة

مدة القراءة 6 د

حذّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مرشّحة الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 2016 هيلاري رودهام كلينتون الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب من خطر المبالغة في إضفاء طابع شخصيّ على السياسة الخارجيّة، وقالت في مقال مشترك في صحيفة “نيويورك تايمز” مع عميدة كلّية الشؤون الدولية والعامّة بجامعة كولومبيا كيرين يارهي – ميلو: “عندما يسمح القادة للعواطف أو الكيمياء الشخصيّة بتحديد سياستهم، يحلّ التقلّب محلّ الصدقيّة مع كلّ من الخصوم والحلفاء على حدّ سواء”.

 

اعتبرت كلينتون ويارهي- ميلو أنّه “عندما تصبح الكيمياء بين القادة بديلاً عن استراتيجية متماسكة، تصبح العلاقات الدولية أكثر تقلّباً وأقلّ قابليّة للتنبّؤ… فهذا النوع من الدبلوماسية الشخصيّة قد يكون مؤثّراً، لكنّه قد يكون وهماً أيضاً”. وتعرضان أمثلة من إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية جرى فيها استخدام الدبلوماسيّة الشخصيّة لتقويم نوايا الخصوم وعزيمتهم، وحتّى حالات نجاح بعضها كشفت عن حدود التفاهم الشخصيّ:

– غادر الرئيس جون كينيدي اجتماعه في فيينا مع نيكيتا خروتشوف عام 1961 وهو مرتجف، معتقداً أنّه قد هُزم. فسّر السوفييت قلقه على أنّه ضعف، فواصلوا الضغط عليه بقوّة أكبر في برلين، ثمّ في كوبا.

– زعم الرئيس جورج بوش أنّه نظر في عينيّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، ورأى روحه، وهو تقويم إيجابيّ تلاشى مع إحكام روسيا قبضتها على جيرانها وسحقها للمعارضة.

روزفلت أساء فهم ستالين

– الرئيس فرانكلين د. روزفلت، السياسيّ المخضرم، أساء فهم جوزف ستالين في يالطا، ووثق بضماناته الشخصيّة بينما انزلقت أوروبا الشرقية خلف الستار الحديديّ.

– استثمر الرئيس جيمي كارتر طاقة شخصيّة استثنائيّة ورأسمالاً سياسيّاً في كامب ديفيد، فكانت النتيجة سلاماً دائماً بين إسرائيل ومصر. كان كارتر يأمل أن تتمكّن الصيغة نفسها من حلّ القضيّة الفلسطينية. لكنّ ذلك لم يحدث. ظلّ الشرق الأوسط الكبير مضطرباً.

اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وزميلتها أنّ المؤسّسات ليست مهمّة فقط لأنّها توفّر الاستمراريّة عبر الإدارات

– بعد أكثر من عشرين عاماً، بذل الرئيس بيل كلينتون جهوداً حثيثة لبناء علاقة شخصيّة بين الزعيمين الفلسطيني والإسرائيلي ياسر عرفات وإيهود باراك في كامب ديفيد عام 2000. إلّا أنّ القمّة فشلت في النهاية بعدما تراجع عرفات عن الوعود الشخصيّة التي قدّمها لكلينتون بتوقيعه على الاتّفاق.

– لم ينجح التقارب بين رونالد ريغان والزعيم السوفيتيّ ميخائيل غورباتشوف، الذي كان واضحاً منذ لقائهما الأوّل في جنيف، في جعل ضبط الأسلحة النوويّة أمراً ممكناً لو لم تكن معاهدات ضبط الأسلحة التي وُضعت في تلك الحقبة مدعومةً بأنظمة تحقُّق ومصالح المشتركة، وليس فقط بالتوافق الشخصيّ. فقد كان ريغان، في نهاية المطاف، هو من قال: “ثق لكن تحقّق”.

أشارت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وزميلتها في جامعة كولومبيا إلى “نهج آخر شخصيّ أيضاً لكن مختلف في الدبلوماسية الخارجية الأميركية. فعلى سبيل المثال، بدلاً من الظهور بمظهر الودود أو الجدير بالثقة، حاول ريتشارد نيكسون تسليح عدم القدرة على التنبّؤ، مستفيداً من مفهوم توماس شيلينغ “عقلانية اللاعقلانية”، أو ما عُرف لاحقاً بـ”نظريّة الرجل المجنون”. فإذا اعتقد الخصوم أنّه متقلّب بما يكفي لفعل أيّ شيء، حتّى لو كان شنّ ضربات نوويّة، فقد يُفكّرون مرّتين قبل معارضته”.

أضافتا: في تشرين الأوّل 1969، اختبر نيكسون هذه النظريّة بإعلان حالة تأهّب نوويّ عالمي. تمّ وضع القاذفات الأميركية بهدوء في حالة استعداد متزايد، وتمّ تسريب إشارات بطرق تهدف إلى زعزعة موسكو وهانوي. لكنّ هذه الحيلة جاءت بنتائج عكسيّة: لم يتحرّك السوفييت تقريباً، وشعر الحلفاء بالقلق من استخدام الموقف النوويّ الأميركيّ كحيلة نفسيّة.

استثمر ترامب بشكل كبير في علاقته الشخصيّة مع بوتين، لكنّ ذلك لم يساعد في إنهاء الحرب في أوكرانيا

رأت كلينتون ويارهي- ميلو أنّ “إضفاء ترامب طابعه الخاص من التقلّب وعدم اليقين على السياسة الخارجية الأميركيّة، بحيث لا يستطيع حلفاؤنا ولا خصومنا الجزم ما إذا كان مدحه للطغاة لعبةً مدروسةً من التعاطف التكتيكيّ أم قناعةً حقيقيّة، يزيد من خطر سوء التقدير الخطِر أصلاً”.

ماذا فعلت كيمياء ترامب؟

تساءلتا: هل يرى ترامب أنّ الكيمياء الشخصيّة مع القادة الأجانب تساعد استراتيجيته أم هي بديل عن وجود استراتيجية؟ بكلماته الخاصّة، قال إنّه “وقع في حبّ” كيم جونغ أون، ملوّحاً برسائلهما كدليل على التقدّم، حتّى في الوقت الذي وسّعت فيه كوريا الشمالية ترسانتها النوويّة. ساعدت علاقته مع قادة الخليج في تمهيد الطريق لاتّفاقات أبراهام، إنجازه الدبلوماسيّ البارز، التي قدّمت أملاً في إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

كتبتا: تبدو تلك الآمال بعيدة الآن، خصوصاً أنّ علاقة ترامب الشخصيّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تكن كافية لكبح الهجوم الإسرائيلي الأخير على قادة “حماس” في قطر، الذي أغضب القادة العرب. واستثمر ترامب بشكل كبير في علاقته الشخصيّة مع بوتين، لكنّ ذلك لم يساعد في إنهاء الحرب في أوكرانيا أو منع الطائرات المسيّرة الروسيّة من دخول بولندا، الحليف في الناتو.

علاقة ترامب الشخصيّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تكن كافية لكبح الهجوم الإسرائيلي الأخير

أقرّت كلينتون ويارهي-ميلو أنّه يمكن للتفاعل بين القادة أن يكسر الجمود الذي لا تستطيع البيروقراطيّات تحقيقه، لكنّهما حذّرتا من أنّ “الإفراط في شخصنة السياسة الخارجية يُنذر بتشويه الحكم وتضخيم التقلّبات”. أشارتا إلى وجود مؤسّسات أميركيّة لمنع هذا النوع من سوء التقدير. وزارة الخارجية، ومجتمع الاستخبارات، وحتّى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليسوا قيوداً على المصالح الأميركية، بل هم الركيزة التي تضمنها. إذ ربط هاري ترومان القوّة الأميركية بحلف شمال الأطلسي لضمان استمرار الدفاع عبر الأطلسي في عهد أيّ إدارة. وبنى جورج بوش الأب تحالف حرب الخليج من أجل سيادة القانون والتعدّدية، بينما اعتمد جو بايدن على حكمة مسؤولي استخباراته لكشف نوايا روسيا في غزو أوكرانيا بشكل استباقيّ.

إقرأ أيضاً: فريدمان: إنّه بيت الفطائر الهشّة… لا البيت الأبيض

اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وزميلتها أنّ المؤسّسات ليست مهمّة فقط لأنّها توفّر الاستمراريّة عبر الإدارات، بل لأنّها تضمّ أفراداً ذوي خبرة عميقة وذاكرة طويلة، أشخاصاً قضوا حياتهم المهنيّة في دراسة الخصوم والحلفاء وأنماط السياسة الدولية. وجودهم في هذه المؤسّسات له سبب وجيه. دورهم هو اختبار الافتراضات، وبلورة وجهات نظر، وضمان أن تكون القرارات مبنيّة على مصالح الأمن القوميّ بدلاً من العاطفة وحدها.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

“بوليتيكو”: اقتصاد ترامب سعوديّ التّوجّه؟

يرى الصحافيّ الأميركيّ المتخصّص في تغطية أخبار وول ستريت والاقتصاد والتنظيم الماليّ، سام سوتون، أنّ هناك أوجه تشابه متزايدة بين الاقتصاد الأميركيّ في عهد دونالد…

التّحالف الأميركيّ – السّعوديّ… ضمانة الشّرق الأوسط

يرى جيسون د. غرينبلات، مبعوثُ البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط في إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى، أنّ الزيارة المرتقبة لوليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن…

فريدمان: مرحباً بكم في عصرنا الجديد

“في أيّ عصرٍ نعيش اليوم؟”، يتساءل الكاتب والمحلّل السياسيّ الأميركيّ توماس فريدمان، محاولاً تفسير التحوّل التاريخيّ السريع الذي يشهده العالم اليوم، معتبراً “أنّنا نعيش عصرَ…

ألبانيا: ذكاء اصطناعيّ برتبة وزير لملاحقة الفاسدين..

في أيلول، عيّنت ألبانيا نظاماً يعمل بالذكاء الاصطناعيّ في منصب وزاريّ، وهو الأوّل من نوعه في العالم. أُطلق على النظام اسم “دييلا” (وتعني “الشمس” بالألبانيّة)،…