فريدمان: إنّه بيت الفطائر الهشّة… لا البيت الأبيض

مدة القراءة 7 د

يقترح الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان تغيير اسم البيت الأبيض إلى “بيت فطائر الوافل” الهشّة، ليعكس ذلك تردّد دونالد ترامب المتواصل عندما يتعلّق الأمر باتّخاذ إجراء فعليّ لردع هجوم الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين المتزايد على أوكرانيا، علاوة على توغّله الأخير بطائرات مسيّرة في بولندا، حليفة أميركا في حلف الناتو.

 

يكشف فريدمان الذي كان في أوكرانيا الأسبوع الماضي، لحضور مؤتمر يالطا للاستراتيجية الأوروبيّة في العاصمة كييف، وإجراء مقابلات مع مسؤولين ومحلّلين ورجال أعمال أوكرانيّين وأوروبيّين، أنّ “السؤال الذي تكرّر طرحه في كلّ محادثة خاصّة تقريباً لكن لا أحد يريد قوله علناً: “ما الذي يحدث مع رئيسكم؟ بوتين يواصل البصق في وجه ترامب، والأخير يواصل إخبار العالم أنّ السماء تمطر”.

كان الحلفاء الأوروبيّون لأميركا في حالة صدمة، بحسب فريدمان، من ردّ فعل ترامب على سرب من حوالي 20 طائرة من دون طيّار أرسلتها روسيا عبر الحدود البولنديّة، وهو ما دفع الناتو إلى إرسال طائرات مقاتلة لإسقاطها. وبينما صرّح رئيس الوزراء البولنديّ دونالد توسك أمام برلمانه بأنّ هذه الحادثة كانت “أقرب صراع مفتوح وصلنا إليه منذ الحرب العالميّة الثانية”، كتب ترامب على منصّته “تروث سوشيل”: “ما بال روسيا تنتهك المجال الجوّيّ البولندي بطائرات مسيّرة؟ بالطائرات المسيّرة؟ ها نحن ذا”!

بالنسبة لفريدمان “يبدو ترامب مدوّناً مراهقاً يُعلّق على نجم سينمائيّ فعل شيئاً مُحرجاً علناً، وليس زعيم العالم الحرّ”.

يكتب في صحيفة “نيويورك تايمز”: “مع مرور كلّ يوم، يبدو أنّ ترامب يضيف شرطاً آخر أو جدولاً زمنيّاً جديداً لفرض عقوبات اقتصاديّة على روسيا، بينما بوتين يصعّد هجماته على أوكرانيا. الصيغة الأخيرة التي نشرها ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع هي أنّ جميع دول أوروبا، التي قلّصت بشكل حادّ وارداتها من النفط الروسيّ، يجب أن تتوقّف تماماً عن شراء النفط من موسكو. ويجب على جميع دول الناتو فرض رسوم جمركيّة تراوح بين 50% و100% على الصين.

يعتقد فريدمان أنّ ترامب يبدو أخيراً أنّه فقد إدراكه لجميع الشروط المختلفة التي وضعها قبل أن يُقدم على أيّ فعل ذي معنى لمعاقبة روسيا

لحرق مصافي النّفط الرّوسيّة

يعتبر فريدمان أنّ “أيّ رئيس جادّ لن ينشر مثل هذه المطالب على وسائل التواصل الاجتماعي، بل سيُجري هو وموظّفوه اتّصالات هاتفية”. في رأيه أنّ إشارة الرئيس الأوكراني إلى أنّ هجمات الطائرات من دون طيّار الأوكرانيّة الناجحة بشكل متزايد على مصافي النفط الروسية “عقوبات”، تعني أنّه لم يعد لدى الأوكرانيّين رفاهية انتظار غودو/ترامب لفرض عقوباته الاقتصاديّة. لذا يفعلون ذلك بأنفسهم، فالعقوبات الأكثر فعّاليّة، تلك التي تعمل بشكل أسرع، كما قال فولوديمير زيلينسكي في خطابه إلى مواطنيه، هي حرائق مصافي النفط الروسية ومحطّاتها ومستودعاتها النفطيّة لأن هذا النهج “يحدّ بشكل كبير من الحرب”.

لا يعتقد فريدمان أنّ “رئيس الولايات المتّحدة يُمثّل ميزةً لبوتين”، بل يرى أنّ “ترامب ببساطة مختلف عن أيّ رئيس أميركيّ منذ الحرب العالميّة الثانية، وليس بشكل إيجابيّ.  فترامب لا يُشارك الالتزام الأساسيّ بأنّ الحلف الأطلسيّ هو أعظم تحالف في التاريخ لتوسيع مناطق الشعوب الحرّة والأسواق الحرّة وسيادة القانون والدفاع عنها… وليس سرّاً أنّه رجل تغذّيه الضغائن والمظالم، وربّما لم يسامح زيلينسكي أبداً على عدم إعطائه المعلومات القذرة عن جو بايدن التي سعى ترامب إلى الحصول عليها في ولايته الأولى، وهو طلب جنونيّ أدّى في النهاية، من خلال العديد من التقلّبات والمنعطفات، إلى أوّل محاكمة عزل لترامب”.

فريدمان

في رأيه أنّ “هناك تفسيراً آخر يتمثّل في غياب صنع سياسات حقيقية في هذه الإدارة. لا يوجد ما يشير إلى أنّ أيّاً من تصريحات ترامب السياسية التي تُنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تخضع أوّلاً لتدقيق خبراء في وزارة الخارجية أو وكالة المخابرات المركزيّة. ولا يوجد ما يشير إلى أنّ أيّ شيء تديره لجان الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أو مجلس النوّاب”.

يعتبر فريدمان أنّ “أيّ رئيس جادّ لن ينشر مثل هذه المطالب على وسائل التواصل الاجتماعي، بل سيُجري هو وموظّفوه اتّصالات هاتفية”

يشير في هذا السياق إلى “النظرة الفارغة على وجه وزير الخارجية ماركو روبيو كلّما كان بجانب ترامب. إذ تبدو وكأنّها نظرة رجل يُكافح لإخفاء حيرته. قال روبيو عن التسلّل الروسيّ بالطائرات المسيّرة إلى بولندا: “لا شكّ في ذلك: الطائرات المسيّرة أُطلقت عن قصد. السؤال هو ما إذا كانت موجّهة خصّيصاً للدخول إلى بولندا. فإذا قادتنا الأدلّة إلى ذلك، فسيكون ذلك بالطبع خطوة تصعيديّة كبيرة… لكنّ هناك عدداً من الاحتمالات الأخرى أيضاً”. غير أنّ وزير الخارجية البولنديّ رادوسواف سيكورسكي أشار بسخرية في مؤتمر يالطا: “نحن لا نؤمن بحدوث 20 خطأ في الوقت نفسه.”

الدّاما والشّطرنج والمونوبولي

يوضح فريدمان أنّه قدّم لأصدقائه الأوروبيّين والأوكرانيّين التفسير التالي: “غالباً ما نقول إنّ الصينيّين لاعبون أكثر خبرة في لعبة الأمم، فبينما نلعب نحن الداما، يلعب الصينيون الشطرنج، ويفكّرون دائماً في خطوات عديدة للأمام. الأمر مشابه إلى حدّ ما مع ترامب، فهو فقط لا يلعب الداما ولا الشطرنج، بل يلعب “مونوبولي”. لا يقيم الدول بناءً على ما إذا كانت تشاركنا قيمنا الديمقراطية أو حتّى مصالحنا. يقيمها بناءً على ما إذا كان لدينا فائض تجاريّ أو عجز تجاريّ معها، وما إذا كانت موقعاً لفندق أو ملعب غولف مستقبليّ، وبناءً على ما إذا كان قادتها سيُرضون غروره أو لا”.

يضيف: “إذا لم تُرضِ ترامب، وكان لديك فائض تجاريّ معنا، مثل الهند، فقد لا يُنقذك نظامك الديمقراطي من رسوم ترامب الجمركيّة. لكن إذا أثرت غروره وعرضت عليه فرصاً استثماريّة، كما يفعل بوتين، فقد لا يفرض أيّ تعريفات جديدة عليك حتّى لو كان اقتصادك، مثل روسيا، يحقّق فائضاً تجاريّاً مع أميركا”.

يقترح الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان تغيير اسم البيت الأبيض إلى “بيت فطائر الوافل” الهشّة

يعتقد فريدمان أنّ ترامب “يبدو أخيراً أنّه فقد إدراكه لجميع الشروط المختلفة التي وضعها قبل أن يُقدم على أيّ فعل ذي معنى لمعاقبة روسيا، وربّما لهذا السبب أطلق العنان لما في قلبه في ما يتعلّق بأوكرانيا، فكتب على موقع “تروث سوشيل”: “هذه ليست حرب ترامب. إنّها حرب بايدن وزيلينسكي”، ولم يقُل إنّها حرب بوتين، الرجل الذي بدأها بالفعل”.

إقرأ أيضاً: “سي إن إن” عن ترامب: سقط الرجل القويّ

هذه حربك سيّدي

يتوجّه فريدمان أخيراً إلى ترامب بالقول: “عذراً، سيّدي الرئيس، هذه حربك الآن، لأنّك وحدك من يملك القدرة على إمداد أوكرانيا بالموارد العسكريّة اللازمة لإرسال رسالة إلى بوتين بأنّ الوقت ليس في مصلحته، وأنّه سيضطرّ إلى قبول صفقة. للأسف، ستسمح له صفقةٌ بالاحتفاظ ببعض الأراضي في شرق أوكرانيا التي استولى عليها بالقوّة، لكنّ شرط ذلك هو أن يقبل بوتين الضمانات الأمنيّة الغربيّة لأوكرانيا، التي تهدف إلى ضمان عدم جرأة أيّ زعيم روسيّ على غزوها مرّة أخرى، بالإضافة إلى عضويّة أوكرانيا في الاتّحاد الأوروبيّ. وإذا انسحبتَ من أوكرانيا وتركتَ الدكتاتورية الروسيّة تحكمها، فسيُحكم عليك في كتب التاريخ في العقود المقبلة بناءً على أفعالك أو تقاعسك.”

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

ألبانيا: ذكاء اصطناعيّ برتبة وزير لملاحقة الفاسدين..

في أيلول، عيّنت ألبانيا نظاماً يعمل بالذكاء الاصطناعيّ في منصب وزاريّ، وهو الأوّل من نوعه في العالم. أُطلق على النظام اسم “دييلا” (وتعني “الشمس” بالألبانيّة)،…

بترايوس عن الشّرع: الشخصيّات الأقل توقّعاً قد تصبح الأكثر أهمية

“قبل بضعة أسابيع في مدينة نيويورك، جلستُ أمام أحمد الشرع، الرجل الذي اعتقلته قوّاتنا في العراق عام 2006 لنشاطه مع تنظيم القاعدة، والذي أصبح الآن…

شينكر يتوقّع “المواجهة الكبرى”

ديفيد شينكر غير متفائل حيال الوضع في لبنان. يرجّح الدبلوماسيّ الأميركيّ المتابع للسياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط منذ عام 2002 والذي أشرف على مسارها شخصيّاً…

خريف آيات الله: أيّ تغيير مقبل على إيران؟

يعتقد كريم سجادبور الباحث والمحلّل الإيراني الأميركي في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدوليّ أنّه “للمرّة الأولى منذ ما يقرب من أربعة عقود، تقف إيران على أعتاب تغيير…