“سي إن إن” عن ترامب: سقط الرجل القويّ

مدة القراءة 8 د

تتشكّك شبكة “سي إن إن” الأميركية في صحّة ادّعاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه لم يستطِع وقف الغارة الإسرائيليّة على مسؤولين في حركة “حماس” في حيّ سكنيّ في قطر، حيث استهلّ كبير مراسليها في البيت الأبيض ستيفن كولينسون تحليله لتداعيات هذه الغارة بالقول إنّه “على افتراض صحّة ادّعاء ترامب فقد تعرّضت صدقيّته الدوليّة لضربة مدمّرة أخرى”.

 

بحسب كولينسون، تُشكّل هذه الغارة، التي تجاهلت فيها إسرائيل تداعياتها العميقة على المصالح الأميركية الحيويّة، إحراجاً جديداً لترامب، في وقتٍ خدعه أيضاً الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، الذي ابتسم ابتسامةً عريضةً خلال قمّتهما في ألاسكا، ثمّ صعّد هجماته على المدنيّين الأوكرانيّين، ثمّ على بولندا التي أعلنت أنّها أسقطت طائراتٍ مُسيّرةً انتهكت مجالها الجوّي خلال هجومٍ روسيّ على جارتها أوكرانيا.

يستبعد محلّل شبكة “سي إن إن” أن تُلحق أحداث الشرق الأوسط ضرراً كبيراً بحظوظ ترامب السياسية في الداخل، إذ تتواصل حملته لمكافحة الجريمة وسط مخاوف من تباطؤ الاقتصاد. لكنّ هجوم إسرائيل في وضح النهار على الدوحة، تماماً مثل انتهاكات بوتين، قد يُلحق ضرراً بصورة ترامب الرجل القويّ المُتسلّط الذي يُخشى منه في الخارج. ذلك لأنّ الضربة انتهكت بشكل صارخ سيادة حليف حيويّ للولايات المتّحدة يستضيف أكبر قاعدة أميركيّة في الشرق الأوسط.

في رأي كولينسون “لم يكن هذا إهانة شخصيّة لترامب فحسب، بل يضع أهداف بنيامين نتنياهو فوق أولويّات الأمن الحاسمة للولايات المتّحدة، ويشير إلى غضب بعض مسؤولي البيت الأبيض من وقوع ذلك، بعدما التقى أحد مستشاري نتنياهو، رون ديرمر، بمبعوث ترامب ستيف ويتكوف، ولم يتطرّق إلى عمليّة من شأنها إذلال الرئيس الأميركي”.

بحسب كولينسون، تُشكّل هذه الغارة، التي تجاهلت فيها إسرائيل تداعياتها العميقة على المصالح الأميركية الحيويّة، إحراجاً جديداً لترامب

ينقل كولينسون عن السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، إدوارد جيرجيان، الذي خدم في ثماني إدارات، بدءاً من عهد الرئيس جون كينيدي وانتهاء بعهد الرئيس بيل كلينتون، قوله للشبكة إنّ “من الواضح أنّ إسرائيل لا تولي اهتماماً كبيراً لمصالح الأمن القوميّ الأميركي. إذ تحدث الهجمات في لحظة حسّاسة جدّاً من مفاوضات وقف إطلاق النار، حيث أوضح ويتكوف أنّ الرئيس يسعى إلى وقف شامل لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن وتبادل الأسرى والمضيّ قدماً لإنهاء الحرب في غزّة”.

تداعياتٌ هائلةٌ على السّياسة الخارجيّة الأميركيّة

لا يستبعد محلّل “سي إن إن” أن “تقضي تداعيات الضربة على أيّ أمل في سلام تفاوضيّ يُنهي حرب إسرائيل في غزّة، وقد تكون هناك تداعياتٌ مروّعة على الرهائن الإسرائيليّين الباقين الذين ما يزالون على قيد الحياة بعد قرابة عامين من المعاناة في الأنفاق تحت غزّة. ويُمثّل هذا أحدث دليل على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يُولي للقضاء التامّ على “حماس”، وهي مهمّةٌ قد تكون مستحيلة، أهميّةً أكبر من تلك التي يوليها لإعادة الرهائن. والنتيجة شبه المؤكّدة هي تكثيف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزّة، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيّين الفلسطينيّين وأبعد معظم حلفاء إسرائيل”.

في رأيه أنّ لهذه الضربة أيضاً تداعيات خطيرة بالنسبة للولايات المتّحدة:

– قد تُفسد العلاقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وتُثير انعدام الثقة بين إسرائيل وحليفتها الحيويّة الولايات المتّحدة.

– ستقضي على أيّ صدقيّة كان يتمتّع بها ترامب في التظاهر بأنّه وسيط بعيد بين إسرائيل و”حماس”. بعد أنّ اتّهم رئيس وزراء قطر محمّد بن عبدالرحمن آل ثاني إسرائيل بممارسة “إرهاب دولة”.

لا يستبعد محلّل “سي إن إن” أن “تقضي تداعيات الضربة على أيّ أمل في سلام تفاوضيّ يُنهي حرب إسرائيل في غزّة

– يتّهم بعض المراقبين الأميركيّين قطر بلعب دور مزدوج باستضافة قادة حماس. لكنّ الدوحة ستعتبر هجوم أقرب حليف لأميركا في الشرق الأوسط خيانةً بعد سنوات من عملها على تعزيز الأولويّات الدبلوماسية الأميركية، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في صفقات إطلاق سراح الرهائن خارج الشرق الأوسط، وصولاً إلى أفغانستان وفنزويلا.

– قد تكون هناك أيضاً عواقب وخيمة على مصالح ترامب الشخصية والسياسية في العالم العربي الأوسع، التي سعى إليها بنشاط خلال رحلته الخليجيّة الأولى في ولايته الثانية، بما في ذلك الترحيب الحارّ في قطر.

– أصبح توسيع الاتّفاقات التي تمّ التوصّل إليها في الولاية الأولى، وطبعت العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وتعدّ مفتاحاً لدفع ترامب نحو جائزة نوبل للسلام، أبعد من أيّ وقت مضى.

– سيتساءل قادة الدول الأخرى في الخليج، مركز الأعمال والترفيه المزدهر، عمّا إذا كان بإمكان إسرائيل توجيه ضربة إلى قطر من دون عقاب، تحت أنوف الحامية الأميركية، وعمّا إذا كانوا سيكونون التالين.

فاتورة كبيرة على الإسرائيليّين

يُنقل عن القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس قوله للشبكة إنّها “فاتورة كبيرة جدّاً على الإسرائيليّين لتنفيذهم هذه الضربة. لقد بقي نتنياهو في السلطة إلى الأبد وفقاً للمعايير الأميركية. ومع مرور الوقت، أصبح مرتاحاً جدّاً في فعل ما يريده بالضبط”.

يستبعد محلّل شبكة “سي إن إن” أن تُلحق أحداث الشرق الأوسط ضرراً كبيراً بحظوظ ترامب السياسية في الداخل

وفقاً لكولينسون “كان إسراع نتنياهو إلى توضيح أنّ الهجوم على الدوحة كان “عمليّة إسرائيليّة مستقلّة تماماً”، محاولة لمنح ترامب غطاء دبلوماسيّاً”. لكن تواجه الولايات المتّحدة صعوبة في إقناع العالم بعدم علمها بأيّ شيء، إذ وضعت إسرائيل 10 طائرات مقاتلة وذخائرها، ربّما طائرات إف-35 الأميركية الصنع، في مدى الهدف. وسيشتبه البعض في أنّ ترامب أعطى الضوء الأخضر، أو على الأقلّ تغاضى ضمنيّاً عن الهجمات.

في رأي محلّل “سي إن إن” أنّه “يبدو أنّ جهود البيت الأبيض للسيطرة على الأضرار تُعزّز ادّعاء ترامب بأنّه لم يستطِع فعل أيّ شيء لوقف الضربة. قالت كارولين ليفيت، المتحدّثة باسم البيت الأبيض إنّ “القصف الأحاديّ الجانب لقطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتّحدة، تعمل جاهدةً على المخاطرة معنا بشجاعة للوساطة في السلام، لا يخدم إسرائيل ولا أهداف أميركا”. كان هذا انتقاداً نادراً جدّاً من إدارة ترامب لإسرائيل. وصرّح الرئيس لاحقاً على قناة “تروث سوشيل” أنّ “هذا قرار اتّخذه رئيس الوزراء نتنياهو، وليس قراري”. وأضاف ترامب أنّه أمَر وزير الخارجية ماركو روبيو بإتمام اتّفاق تعاون دفاعيّ مع قطر”.

كيف تُعقّد طائرة ترامب الرئاسيّة الجديدة ردّه؟

يعتقد كولينسون أنّ هناك تعقيداً يحول دون أخذ تصريحات ترامب على محمل الجدّ. قبِل في وقت سابق من هذا العام طائرة بوينغ 747 من قطر لتكون طائرة رئاسيّة جديدة، مُخالفاً بذلك الأخلاقيّات الرئاسيّة. كيف يُمكن إقناع الأميركيّين بأنّه يتصرّف بناءً على تصوّره لمصالحهم الأمنيّة الحيويّة في هذه المسألة، لا على رغبته الشخصيّة في ردّ الجميل لقطر مقابل هديّتها الشخصية المتمثّلة في طائرة رئاسية بقيمة مئات الملايين من الدولارات؟

يعتقد كولينسون أنّ هناك تعقيداً يحول دون أخذ تصريحات ترامب على محمل الجدّ

بغضّ النظر عن ذلك، يرى كولينسون أنّ “صدقيّة ترامب لدى قطر ستحتاج إلى إصلاح جدّي. فالمظلّة الأمنيّة الأميركية التي يُفترض أن توفّرها قاعدة العديد الجوّية الشاسعة في الصحراء خارج الدوحة لم تمنع انتهاكاً مُهيناً للغاية لسيادة قطر من قِبل عدوٍّ تتعامل معه الولايات المتّحدة. وبالتالي، كيف يُمكن لدول الخليج الأخرى وحلفاء الولايات المتّحدة الآخرين في العالم التأكّد من أنّ ضمانات ترامب الأمنيّة ستكون أكثر صلابة ممّا كانت عليه بالنسبة لقطر؟”.

إقرأ أيضاً: فريدمان يتوسّل إلى ترامب: السلام لأميركا أولاً

يضيف أنّ الهجوم على قطر سيعزّز الاعتقاد السائد بالفعل في الشرق الأوسط بأنّ ترامب يفتقر إلى أيّ تأثير على نتنياهو. يخلص إلى القول إنّ فقدان ترامب صدقيّته أمر بالغ الأهميّة بشكل خاصّ لأنّ خطّة السلام الأميركيّة الجديدة تتصوّر إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من قبل “حماس” في غزّة مقابل وقف إطلاق النار، ثمّ أن يضمن ترامب لـ”حماس” التزام إسرائيل الاتّفاق أثناء استمرار المفاوضات. غير أنّ هجمات الدوحة تشير إلى أنّ هذا الوعد فارغ. هكذا، مرّة أخرى، أصبح دور ترامب المعلن رئيساً للسلام موضع تساؤل.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

ألبانيا: ذكاء اصطناعيّ برتبة وزير لملاحقة الفاسدين..

في أيلول، عيّنت ألبانيا نظاماً يعمل بالذكاء الاصطناعيّ في منصب وزاريّ، وهو الأوّل من نوعه في العالم. أُطلق على النظام اسم “دييلا” (وتعني “الشمس” بالألبانيّة)،…

بترايوس عن الشّرع: الشخصيّات الأقل توقّعاً قد تصبح الأكثر أهمية

“قبل بضعة أسابيع في مدينة نيويورك، جلستُ أمام أحمد الشرع، الرجل الذي اعتقلته قوّاتنا في العراق عام 2006 لنشاطه مع تنظيم القاعدة، والذي أصبح الآن…

شينكر يتوقّع “المواجهة الكبرى”

ديفيد شينكر غير متفائل حيال الوضع في لبنان. يرجّح الدبلوماسيّ الأميركيّ المتابع للسياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط منذ عام 2002 والذي أشرف على مسارها شخصيّاً…

خريف آيات الله: أيّ تغيير مقبل على إيران؟

يعتقد كريم سجادبور الباحث والمحلّل الإيراني الأميركي في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدوليّ أنّه “للمرّة الأولى منذ ما يقرب من أربعة عقود، تقف إيران على أعتاب تغيير…