في شمسطار، حيث للتراب حكاية، وللجذور انتماء، أطلقنا اسم طلال سلمان على مركز «مؤسسة عامل الصحي – الاجتماعي – التنموي»، في لحظة تحمل الكثير من الدلالات. لم تكن مجرد مناسبة رمزية، بل عهد متجدد مع قامة وطنية وإنسانية قلَّ نظيرها.
طلال سلمان لم يكن صديقاً فقط، بل رفيق درب. بيني وبينه وحدة حال، لم تفرقنا الأيام ولا التحديات. جمعنا شغف بالعدالة الاجتماعية، وإيمان عميق بأن الوطن لا يُبنى إلا بخدمة الإنسان. في مسيرتنا في مؤسسة عامل، لم يكن طلال سلمان مجرد داعم، بل كان شريكاً فعلياً.
جريدة «السفير» التي أسّسها، لم تكن مجرد منبر صحافي، بل صوتاً وطنياً صادقاً تبنّى قضايا الناس، وواكب رسالة عامل منذ انطلاقتها، من دون مقابل أو تردّد. لقد شكلت العلاقة بين «السفير» و«عامل» تحالفاً نضالياً وإنسانياً لخدمة لبنان والعالم العربي.
الرجل الذي زرع الخير بصمت
قبل أن يولد هذا المركز، كانت بصمات طلال حاضرة. في تمويله، في دعمه، في تتبعه الحثيث لكل تفاصيله. كان يسأل دائماً: «كيف يمكنني أن أساعد؟»، سواء لأبناء شمسطار أو للإخوة النازحين السوريين.
تلك طبيعته: لا يفرّق، لا يميّز، لا يتوانى. عرفناه بقلبه الكبير، ومبادراته الصامتة. لم يكن بحاجة إلى عدسات أو أضواء، بل كان يقدّم الخير بعيداً من أي استعراض. واليوم، نطلب الإذن من روحه الطيبة لنعلن، بكل فخر، أن المركز بات يحمل اسمه: «مركز الأستاذ طلال سلمان الصحي الاجتماعي التنموي» وفاءً لرجل زرع الخير، فحصد الحب.
الذاكرة لا ترحل
بالنسبة إلي، لم يغب طلال يوماً. لا تزال كلماته ترنّ في أذني، ومواقفه محفورة في وجداننا. لا نزال نراه في الجلسات، في النقاشات، في الضحك والجدّ. في شمسطار، في الخيام، في كل زاوية من مؤسستنا… هو حاضر فينا.
سنظل إلى جانب عائلته الكريمة وأحفاده الأحبةـ ومع كل الأصدقاء الذين شاركوه الإيمان بقيمة الكلمة، سنكمل المسيرة.
السفير… والقلم المقاوم
كان طلال سلمان فارس الكلمة، يواجه القهر بقلمه، والاستغلال بحقيقته، والتطبيع بصموده. وقف في وجه من سرقوا خيرات البلاد، وأفقروا الناس، وتاجروا بالوطن. وكان، رغم ذلك، صوتاً عاقلاً، جريئاً، لا يخشى المواجهة.
«السفير» لم تكن صحيفة عادية، بل كانت مدرسة، تخرّج منها صحافيون ملأوا الإعلام العربي بمهنية وجرأة. وبعد توقفها، لا تزال مقالات طلال تعود إلى الواجهة، لأنها ببساطة، كانت تكتب التاريخ وتستشرف الآتي.
إرث لا يغيب… وراية لا تنكس
في الذكرى الثانية لرحيله، نكرّم اسمه، ونطلقه في المكان الذي أحب، وبين الناس الذين أحبوه. ليس فقط لنحفظ ذاكرته، بل لننقل قيمه للأجيال القادمة. ليكون هذا المركز منارة للإنسانية، ومدرسة في الوطنية والتفاني. رسالة مؤسسة «عامل» ستستمر، ونعمل على تطوير هذا المركز ليكون نموذجاً في تقديم الخدمات الصحية، والدعم النفسي، ورعاية كبار السن، وتمكين الشباب، بالشراكة مع المجتمع المحلي والدولي.
ابن شمسطار والعالم
كنت ابن هذه الأرض، لكنك تخطّيت حدودها، حملت هموم العرب، ورفعت لواء فلسطين، وناضلت ضد الاستعمار الجديد، وضد كل من دنّس كرامة الإنسان. كنت لبنانيّاً في انتمائك، وعالميّاً في رسالتك. واليوم، اسمك محفور في تراب شمسطار، وراسخ في وجدان كل من عرفك وقرأك. وفاءً لمسيرتك، نعدك أن نبقى معاً، نتابع الحلم، ونسير في الدرب الذي أحببت.
* رئيس مؤسسة «عامل»
*نقلاً عن جريدة الأخبار
