إيران وإسرائيل: الانفجار القادم

مدة القراءة 6 د

لم تنتهِ حرب الـ 12 يوماً بنتيجة حاسمة. ادّعت كلٌّ من إيران وإسرائيل تحقيق النصر. لكنّ الوقائع العسكرية والسياسية تُظهر أنّ أيّاً من الطرفين لم يخرج بانتصار حقيقي، وأنّ ما جرى كان أقرب إلى هدنة مؤقّتة منه إلى نهايةٍ للصراع. فالمواجهة أُجّلت ولم تُنهَ، والحديث عن احتمال تجدّدها في المستقبل القريب يزداد يوماً بعد يوم.

 

 

عندما بادرت إسرائيل إلى شنّ الحرب على إيران، رسمت ثلاثة أهداف رئيسية لها تتجاوز إضعاف البنية التحتيّة النوويّة:

  • أوّلاً: جرّ الولايات المتّحدة إلى معركة عسكرية مباشرة مع إيران.
  • ثانياً: إسقاط النظام الإيراني أو إضعافه إلى الحدّ الأقصى.
  • ثالثاً: فتح الأجواء الإيرانية أمام إسرائيل بحيث تتمكّن من ضرب أهدافها متى شاءت بلا رادع.

لكنّ الحصيلة جاءت أقلّ بكثير من التوقّعات. صحيح أنّ الولايات المتّحدة تدخّلت وشاركت في قصف البرنامج النووي، إلّا أنّ الضربة لم تحقّق هدفها الحاسم: أبقت البرنامج النووي في حالة غموض ودفعت طهران إلى وقف المفاوضات مع الغرب.

الإصرار الإيراني الحالي لا يغيّر من حقيقة أنّ طهران خرجت من المواجهة في وضع أسوأ ممّا كانت عليه قبل اندلاعها

انتصارات لم تتحقّق

دخلت تل أبيب هذه الحرب وهي في موقع قوّة واضح، إذ أطلقت عمليّة عسكريّة بدت منسّقة وفعّالة، وساعدها في ذلك عنصر المفاجأة والتفوّق الجوّي والتقنيّ وشبكات الاستخبارات والتخريب داخل الأراضي الإيرانية، والدعم الأميركي النشط والمساعدة اللوجستية من دول فتحت مجالها الجوّي للطائرات الإسرائيلية. وقد بدت العمليّة منسّقة وفعّالة عسكريّاً، إذ دمّر سلاح الجوّ الإسرائيلي بعض الدفاعات الإيرانية وحقّق تقدّماً تكتيكيّاً، لكنّ ذلك لم يمنع الصواريخ الإيرانية من السقوط في العمق الإسرائيلي، فيما أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أنّ طهران نجحت في نقل جزء من مخزونها النووي قبل الضربة، وأنّ المنشآت الحسّاسة لم تُصَب بأضرار جوهريّة.

يؤكّد غياب أيّ تسرّب إشعاعي في الغلاف الجوّي أنّ مخازن اليورانيوم لم تُدمّر، وهذا يشير إلى أنّ المنشآت الحسّاسة لم تُمسّ بشكل جوهري، وأنّ الضربة الأميركية أخفقت في تحقيق غايتها الأساسية، إذ خلصت تقارير الاستخبارات الأميركية إلى أنّ المكوّنات الرئيسة للبرنامج النووي الإيراني بقيت سليمة. أمّا داخليّاً فقد صمد النظام السياسي في طهران على الرغم من الجروح البليغة التي تلقّاها، وأعلن وقف التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّيّة، ومواصلة تخصيب اليورانيوم بلا قيود.

لكنّ الإصرار الإيراني الحالي لا يغيّر من حقيقة أنّ طهران أيضاً خرجت من المواجهة في وضع أسوأ ممّا كانت عليه قبل اندلاعها. الضربات الإسرائيلية الجوّية والعسكرية والاستخباريّة فضحت عوراتها الأمنيّة وكشفت محدوديّة قدراتها العسكرية وأظهرت محدودية إمكاناتها وفضحت مبالغاتها في ادّعاء القوّة الإقليمية. وتوّجت الضربة سلسلة انتكاسات متتالية تعرّضت لها هي وحلفائها، عندما تركت “الحزب” يواجه وحيداً محنته العسكرية، ووقفت موقف المتفرّج عندما انهار نظام بشّار الأسد في سوريا أمام أنظارها. وتبخّرت الدعاية عن قوّتها العسكرية في أيّام معدودة. أمّا صواريخها التي حالت دون إطالة الحرب فلم تمنع اندلاعها أصلاً. وقد تكون سبباً رئيساً في تجدّدها، مثلها مثل القنابل النووية الإسرائيلية المخزّنة في دايمونا التي لم تحُل دون سقوط الصواريخ على غوش دان وحيفا وتل أبيب.

حرب الـ 12 يوماً لم تنهِ التوتّر بين الجانبين بل أجّلت الانفجار المقبل. بقيت الجذور الأساسية للأزمة بلا حلّ، وتالياً ليس اندلاع جولة جديدة من القتال سوى مسألة وقت

الحرب مسألة وقت..

حرب الـ 12 يوماً لم تنهِ التوتّر بين الجانبين بل أجّلت الانفجار المقبل. بقيت الجذور الأساسية للأزمة بلا حلّ، وتالياً ليس اندلاع جولة جديدة من القتال سوى مسألة وقت.

الاستنفار على أشدّه، وكذلك المناورات العسكرية والتسلّح لدى الطرفين. المفاوضات مع الجانب الأميركي في خبر كان. وعادت لغة الإنذارات العسكرية والمطالب القصوى تتصدّر المشهد. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائمة مطالب مباشرة لطهران، محذّراً من أنّ عدم الامتثال لها يعني دفع ثمن عسكري باهظ. وتضمّنت هذه المطالب التخلّي الكامل عن تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، أي إنهاء النشاط الذي طالما شكّل جوهر البرنامج النووي الإيراني، ووقف تطوير الصواريخ البالستية الإيرانية أو حصر مداها ضمن الحدود المتوافِقة مع الاتّفاقات الدولية (أقلّ من 300 ميل)، ووقف دعم ما تسمّيه إسرائيل “الإرهاب”.

هدّد رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بشنّ هجوم جديد على إيران. وجزم المسؤول السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) العقيد جاك نيريا أنّه “ما من شكّ في أنّ جولة حربية أخرى ستتمّ بين إسرائيل وإيران”، داعياً إلى توجيه ضربة استباقية لطهران وهي في وضعها الحالي، حيث إنّ قسماً كبيراً من قدراتها العسكريّة مشلول.

في المقابل اتّهم المرشد الأعلى علي خامنئي الولايات المتّحدة بأنّها تسعى إلى “إخضاع طهران”، وحذّر: “من يهدّدوننا لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتّحدة لا يرون إلّا المظاهر في رأيي… القضيّة مستعصية على الحلّ”.

اعتبر مستشاره العسكري اللواء يحيى رحيم صفوي قبل أيّام أنّ “إيران ليست في مرحلة وقف لإطلاق النار، بل في مرحلة حرب”، مشيراً إلى أنّ أيّ تهدئة قد تنهار في أيّ وقت، لا سيما في ظلّ غياب أيّ بروتوكولات أو اتّفاقات مع الولايات المتّحدة أو إسرائيل.

إقرأ أيضاً: بوتين مع الحرب… ولا يريد لقاء زيلينسكي!

التّصعيد يسبق المفاوضات

تخلّت إسرائيل عن عقيدتها القتالية السابقة. لم تعُد تنتظر 7 أكتوبر جديدة حتّى تبادر إلى الهجوم. تفضّل الحصول على ضوء أخضر من إدارة الرئيس دونالد ترامب قبل توجيه الضربة حتّى تضمن المشاركة الأميركية فيها، وإذا لم يكن لها ما تريد فلن تتردّد في تنفيذها بمفردها، ذلك أنّها تسعى إلى منع إيران من تعزيز دفاعاتها وترسانتها الصاروخية أو تجاوز العتبة النووية، وتعتقد أنّها قادرة على التحكّم بالجدول الزمني للحرب، بحيث تحدّد أهدافها وتوقف هجماتها عند تحقيقها، متوقّعةً أن يقابلها الطرف الآخر بوقف مماثل لإطلاق النار عندما تدعو حاجتها إلى ذلك.

إذا لم يعُد المفاوض الإيراني والمفاوض الأميركي إلى طاولة المفاوضات في أسرع وقت، تشي المؤشّرات المتسارعة حاليّاً، من الغارات الإسرائيلية في العمق اليمنيّ إلى المناورات البحريّة الإيرانية في خليج عُمان، بأنّ المنطقة تسير نحو المزيد من التصعيد، مع احتمال اندلاع جولات متقطّعة من المواجهة العسكرية، من دون استبعاد هجمات استباقية أو حتّى حرب شاملة.

مواضيع ذات صلة

نهاية نظام الإقطاع السّياسيّ

لم يتبقَّ من “نظام أبوات” الطوائف في لبنان، سوى أشباح زعامات تصارع عند عتبة الشيخوخة. حالة اليتم الصامتة التي تسيّج واقع الطائفة الشيعيّة بشكل أوضح…

بن سلمان إلى واشنطن: النووي الإيراني ورسم التّوازنات

قبل أيّام من وصول وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان إلى واشنطن، تتّجه الأنظار إلى البيت الأبيض حيث يُنتظر أن تشكّل الزيارة محطّة مفصليّة…

دستور فلسطينيّ بنكهة فرنسيّة

اتّفق الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس مع نظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرون خلال اللقاء الذي جمعهما في باريس في 11 تشرين الثاني، على تشكيل لجنة مشتركة تعمل…

لقاءات لوجاندر اللّبنانيّة: التّرسيم والميكانيزم

تأتي زيارة مستشارة الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، آن كلير لوجاندر، لبيروت تعبيراً طبيعيّاً عن الحضور الفرنسيّ الدائم. زيارتها مكمّلة وغير متعارضة مع زيارات الموفد الرئاسيّ…