أين الفلسطينيّون من الإلهام اللّبنانيّ؟

مدة القراءة 4 د

تابع الفلسطينيون المشهد الحضاري الذي أدّاه أشقّاؤهم اللبنانيون تحت قبّة برلمانهم العريق، بانتخاب رئيس للجمهورية بعدما تعطّل هذا الاستحقاق الوطني الدستوري أكثر من سنتين.

تابعوا أيضاً خطاب رئيس الجمهورية المنتخب الجنرال جوزف عون، الذي تضمّن عرضاً وافياً وعميقاً للحالة اللبنانية، وما ينبغي أن يُعمل من أجل تعافيها من الأمراض والجراح والأوجاع التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار، فأصبح اجتماع مجلس النواب لانتخاب الرئيس أقرب إلى معجزة.

 

لا غرابة في ما حدث. هذا هو لبنان المجبول بالأزمات والصراعات والتدخّلات والحروب، إلا أنّه القادر دوماً على كسب معركة البقاء والنهوض، واستئناف الحياة والدور، بحيث يجعل ما كان خطراً على الوجود أمراً من الماضي.

لبنان والذّاكرة الفلسطينيّة

لبنان واللبنانيون لهم حضورٌ قويٌّ وعميق، ليس في الذاكرة الفلسطينية فحسب، وإنّما في الوعي والوجدان. وعلى الرغم من كلّ ما حدث في مسارات العلاقة الفلسطينية – اللبنانية، بحلوها ومرّها، إلا أنّ ما ظلّ مستقرّاً في العمق وما بقي في الحياة هو الإلهام اللبناني الذي تأثّر به الفلسطينيون وتفاعلوا معه.

حين تابع الفلسطينيون المشهد الحضاري اللبناني، مشهد برلمان ينتخب رئيساً، نهض في داخلهم سؤالٌ ذو صلة بحكاية الإلهام: ما الذي يمنع ما حدث في لبنان أن يحدث مثله في فلسطين، مع أنّ الحاجة إليه في فلسطين أشدّ إلحاحاً من حاجة اللبنانيين إليه؟

الفلسطينيون

ما حدث في لبنان خلال سنوات خلوّ منصب الرئيس، على فداحته وحتى خطره المباشر على مصير البلد، يظلّ أقلّ بكثير ممّا يحدث في فلسطين، حيث تُشنّ حرب إبادة على غزة وحرب سيطرة على الضفّة وحرب إلغاء لقضيّة مصير. كلّ ذلك من دون أن يجد الفلسطينيون ما وجده أشقّاؤهم اللبنانيون من رعاية دولية أخرجت البلد في شهور قليلة من الكارثة التي ألمّت به فوضع  قدميه على طريق التعافي والإنقاذ المصيري.

بقدر ما يصعّبه الفلسطينيون على أنفسهم، نجح اللبنانيون في إيجاده كما نجح الرئيس المنتخب في اختزاله بجملة واحدة: “حين يتوقّف الاستقواء بالخارج على الداخل”

الدعم الدولي والجهد، اللذان بذلتهما أميركا وأوروبا والعرب، ارتبطا نجاحاً أو فشلاً بالحاضنة اللبنانية التي لو لم تصل إلى توافق داخلي لما كان مجدياً لها كلّ دعم الكون ساعتئذ.

ماذا تفتقد فلسطين؟

في فلسطين لا يتوافر العنصران الأساسيّان، اللذان توافرا للبنان، وهما التوافق الداخلي وفاعلية الدعم الدولي.

على الرغم من خطورة ما يحدث في فلسطين، وهو مصيري، فلا توافق داخليّاً حتى بالحدود الدنيا، ولا تدخّل دولياً يفضي إلى النتائج التي أفضى إليها في لبنان.

الإلهام، الذي أشعل نفوس وعقول الفلسطينيين وهم يتابعون مسيرة التعافي في لبنان وهي تشقّ طريقها بنجاح، أنتج سؤالاً لم يُجَب عليه فلسطينياً على الرغم من الحاجة الملحّة إليه: لماذا لم يحدث في فلسطين ما حدث عند الأشقّاء الأقربين؟

الجواب: بقدر ما يصعّبه الفلسطينيون على أنفسهم، نجح اللبنانيون في إيجاده كما نجح الرئيس المنتخب في اختزاله بجملة واحدة: “حين يتوقّف الاستقواء بالخارج على الداخل”.

إقرأ أيضاً: يوم أفَلَت شمس الملالي.. في بحر بيروت!

حين يتمكّن الفلسطينيون من الاقتناع بهذا الجواب تبدأ مسيرة التعافي، وتتوافر الفاعلية المطلوبة والكافية لكلّ راغب في الدعم وإيجاد المخارج والحلول.

على مدى عشرين سنة والحالة الفلسطينية تتردّى من سيّئ إلى أسوأ. أمّا الانتخابات التي هي الممرّ الإجباري والوحيد لمشاركة الشعب في اختيار قيادته وبناء حياته ومؤسّساته، فقد ذهبت ضحيّة للذرائع التي استخدمت لمنع إجرائها كي يبقى القديم على قدمه ويبقى عدّاد الخسائر يعمل في كلّ الاتّجاهات.

مواضيع ذات صلة

برّي استوعب باكراً التّغيير في سوريا فاعتمد “التّوافق”

لا جدال في حقّ النوّاب، لا سيما التغييريّين، الذين اعترضوا على تدخّل “القناصل” في تحديد اسم رئيس لبنان ورفضهم المسّ بـ”السيادة”. إلّا أنّ اتّخاذ البعض…

خطاب القَسَم المكتوب “بالسّكين”..

يقف الرجل في ناصية البرلمان. الأنظار كلّها مشدودة إليه. والجميع يريد أن يسمع أوّل كلامه السياسي، بعد رحلته المستدامة مع العسكر. كان خطابه مدوّياً ومهولاً،…

التّوسّع الأميركيّ الجديد من كندا إلى غرينلاند

أثار اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة، لتصبح الولاية الثانية والخمسين، وشراء جزيرة غرينلاند من الدانمارك، علامات استفهام حول مبدأ الشراء…

تلازم التّرسيم وضبط الحدود (3/3)

إنّ مسألة تنفيذ الفقرة 10 من القرار 1701 والفقرة 4 من القرار 1680 الداعيتين إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإيجاد حلّ لمنطقة مزارع شبعا،…