أن تكون بيروت أقوى مرصد يتابع ويؤرّخ غروب شمس “إيران علي خامنئي”، حقيقة لن يذكرها علم الفلك، لأنّ مساحة كبرى ستُفرد لهذه الحقيقة في معاجم العلوم السياسية المعاصرة.
حقيقةٌ قيل وكُتب عنها الكثير قبل عقود، لكنّ طهران التي لا تقرأ سوى مطالعات الاستكبار وكتب الاستقواء أبت استشراف ما ينتظرها من خيبات، وتحديداً من بيروت العاصمة العربية الحرّة الديمقراطية الغنيّة بتنوّعها، بيروت المذنبة طوال عقود مطليّة بألوان الحقد الأعمى لأنّها لا تشبه طهران الملالي بشيء!
جاء الردّ راقياً وأنيقاً كعادته من بيروت. لم يفقد الوقع على الرغم من تأخّره، فأجمل لحظات سياسية تصنعها العواصم الحرّة إهداء العالم صوراً مدوّية تختزل نضالها الفكري قبل السياسي.
بقدر ما كانت ساعات انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون ثقيلة على حواسّ ملحقات طهران في لبنان بقدر ما شكّلت هذه الساعات نفسها رئة صافية تنفّس من خلالها كلّ اللبنانيين معنويات مرتفعة مفعمة بالولاء والانتماء إلى دولتهم، وتنفّست من خلالها بيروت تحديداً نسمة الانتصار الساحرة التي أعادتها قبلة للعالم الذي عايش فرحتها وتبسّم غير آبه لآخر مسرحية استقواء إيرانية رديئة.
ابتسامة السّفير الإيرانيّ
صفراء كانت ابتسامات سفير طهران خلال جلسة انتخاب الرئيس اللبناني، فدعاة الخراب مهما اصطنعوا ابتسامات المكر والنفاق على وجوههم لا يرتاحون في مناخ حرّ ينتصر لفكرة مشرقة ومتقدّمة بعد تعب.
عشق نظام طهران للقهر السريع وللخراب التلقائي وللتدمير العبثي حُوسب في قلب بيروت، وقُهر بسبب سلاح واحد ووحيد تمسّك به اللبنانيون، ألا وهو سلاح الإيمان والحلم بدولة قويّة تنهي حقبة الظلام التي لا هدف لها سوى هدم الأفكار وإطفاء أيّ ضوء يسطع فوقها وحولها.
ساعات انتخاب جوزف عون رئيساً مثّلت لمحور إيران هذياناً لا يحمل هذه المرّة لذّة السكر بمشاهد تشويه وتمزيق أيّ نموذج عربي ملهم لا ينسجم ورؤيتها الدموية للمنطقة، فهرعت تقاوم المسمار الأخير الذي دقّته بيروت في نعش تسلّطها بعدما فات الأوان.
صفراء كانت ابتسامات سفير طهران خلال جلسة انتخاب الرئيس اللبناني، فدعاة الخراب مهما اصطنعوا ابتسامات المكر والنفاق على وجوههم
في بيروت جاء أخيراً أوان الورد والدولة معاً لكتابة فصل تحرّر نريده صارخاً وبريئاً من ثقل أيّ قيد فكري أو سياسي يبقي مقعدنا ثابتاً مع العالم الحرّ المتقدّم بعد عقود نفينا المُرّة إلى غياهب الظلمة والتخلّف التي لا تشبهنا ولن تشبهنا يوماً.
قدر بيروت أنّها تفي بالوعود، ومعها وفي هوائها الطلق النظيف الحرّ سنبقى نحلم ونرسم سقوفاً عالية وعالية جداً من التوق لحرّية تهدينا لحظات مشرقة حلوة في كلّ المواسم. وقدر إيران بصيغتها الملاليّة الحالية أن تتباكى زوراً على الدماء العربية المهدورة في بورصة براغماتيّتها الشرّيرة قبل أن تبكي دماً على خيباتها.
إقرأ أيضاً: لبنان… عودة الأمل وخروج من الأسر الإيرانيّ
هذا ليس تشفّياً، لكنّه الثمن المنطقي عن المجزرة الصامتة التي نجت منها بيروت بأعجوبة إيمانها بالعقل والمبدأ والدولة.