لبنان… عودة الأمل وخروج من الأسر الإيرانيّ

مدة القراءة 4 د

بانتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية، خطا لبنان خطوة مهمّة في اتّجاه استعادة عافيته في ظلّ التوازن المختلف القائم في المنطقة، خصوصاً بعد خروج سوريا من السيطرة الإيرانيّة واستعادة الأكثريّة السنّية دورها الطبيعي في هذا البلد المهمّ.

 

ما لا بدّ من الإشارة إليه قبل أيّ شيء أنّ رئيس الجمهوريّة الجديد حرص في خطابه الأوّل على تأكيد “احتكار الدولة للسلاح”. مثل هذه العبارة تعطي فكرة عمّا هو آتٍ على لبنان في غياب هيمنة “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، وهي هيمنة مورست عبر ميليشيا مذهبية مسلّحة اسمها “الحزب” الذي كان يستثمر في الفراغ الرئاسي.

انتخاب خارج إرادة “الحزب”

جاء انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانيّة رغماً عن إرادة “الحزب”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، ليعطي فكرة عن تراجع المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة العربيّة. لم يستطع “الحزب” الذي يهيمن على قرار الثنائي الشيعي الحؤول دون وصول جوزف عون إلى قصر بعبدا. بكلام أوضح، خرجت رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة من الأسر الإيراني بعدما فشل “الحزب” في فرض مرشّحه كما حصل في عام 2016. كان مرشّحه وقتذاك ميشال عون الذي حوّل رئاسة الجمهورية إلى دائرة من الدوائر الرسميّة اللبنانية التي تتحكّم بها “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

حاول “الحزب” إنقاذ ماء الوجه في الساعات التي سبقت انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة. منعه من الحصول، في دورة التصويت الأولى، على أكثرية الثلثين في مجلس النواب. لكنّه ما لبث أن تراجع بعدما أجّل رئيس المجلس نبيه برّي الانتخاب ساعتين حصل خلالهما لقاء بين جوزف عون وممثّلين عن “الحزب” وحركة “أمل”. الأكيد أنّ “الحزب” سعى في هذا اللقاء إلى الحصول على ضمانات محدّدة من بينها توفير أموال عربيّة لإعادة إعمار ما تسبّب في تهديمه في جنوب لبنان، حيث الأكثرية الشيعية، وفي مناطق معيّنة في البقاع وفي الضاحية الجنوبيّة لبيروت.

يستحيل عزل الحدث اللبناني عن الحدث الإقليمي. أطلق “الحزب”، ومن خلفه إيران، رهينة اسمها رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة

تنفّذ هذه الضمانات أم لا تنفّذ؟ ليس ضروريّاً حصول ذلك. المهمّ أنّه بات على “الحزب” التعاطي مع واقع لبناني جديد في شرق أوسط مختلف. في النهاية، لم يكن ممكناً الإتيان بجوزف عون رئيساً للجمهوريّة لولا الضغوط الأميركيّة والسعودية والفرنسيّة. ليس صدفة أنّ جوزف عون زار السعودية قبل فترة قصيرة، وليس صدفة أنّ المبعوث الأميركي آموس هوكستين حرص على إغراء رئيس مجلس النوّاب نبيه بري عندما قال له إنّ التصويت النيابي الشيعي لجوزف عون سيؤدّي إلى تعاطٍ أفضل للمجتمع الدولي مع “أمل” و”الحزب”. حرص هوكستين على التأكيد لبرّي، عندما طلب منه تقديم ثلاثة أسماء كي يختار الثنائي الشيعي أحدها، أن لا مرشّح آخر غير جوزف عون. هذا ما فعله أيضاً المبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان والمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان.

لا عزل بين المحلّيّ والإقليميّ

يستحيل عزل الحدث اللبناني عن الحدث الإقليمي. أطلق “الحزب”، ومن خلفه إيران، رهينة اسمها رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة. من كان يتصوّر حدوث ذلك في يوم من الأيام؟ الواقع أنّه ما كان حلماً لبنانياً صار حقيقة مثل حقيقة خروج النظام العلوي وآل الأسد من حكم سوريا، وذلك للمرّة الأولى منذ 54 عاماً.

مع انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة ومع الخطاب الشامل الذي ألقاه، مباشرة بعد انتخابه، دخل لبنان مرحلة جديدة برعاية عربيّة ودولية

مع انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة ومع الخطاب الشامل الذي ألقاه، مباشرة بعد انتخابه، دخل لبنان مرحلة جديدة برعاية عربيّة ودولية. لم يكن ذلك ممكناً لولا الهزيمة التي لحقت بـ”الحزب” الذي قرّر شنّ حرب على إسرائيل، وبالمشروع الإيراني في المنطقة. يمكن الآن الكلام عن استعادة لبنان للأمل. المهمّ أن يتمكّن جوزف عون من تنفيذ بعض ما ورد في أوّل خطاب له رئيساً للجمهوريّة، وهو خطاب أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه خطاب شامل ومتكامل، خصوصاً عندما يتحدّث عن وجود “أزمة حكم وحكّام” في لبنان.

يبقى أنّ ما لا يمكن تجاهله الدور الإيجابي لنجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي استطاع تمرير مرحلة الفراغ الرئاسي بأقلّ خسائر ممكنة في ظروف في غاية التعقيد.

إقرأ أيضاً: ولادة الجمهورية الثالثة: نهاية زمن السلاح… والطوائف

مع وجود جوزف عون في قصر بعبدا، هناك رابح وحيد هو لبنان، لبنان العربي قبل أيّ شيء آخر، لبنان الذي حاولت إيران قطع صلته بالخليج العربي وتحويله “ساحة” لما يسمّى “جبهة الممانعة”. لم تكن “الممانعة” سوى لعبة تستهدف نشر البؤس والدمار في المنطقة وتفتيت العالم العربي والمجتمعات العربيّة دولة بعد دولة ومجتمعاً بعد مجتمع… خدمة لمشروع إيراني لا أفق له.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@khairallahkhai5

مواضيع ذات صلة

تلازم التّرسيم وضبط الحدود (3/3)

إنّ مسألة تنفيذ الفقرة 10 من القرار 1701 والفقرة 4 من القرار 1680 الداعيتين إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وإيجاد حلّ لمنطقة مزارع شبعا،…

يوم أفَلَت شمس الملالي.. في بحر بيروت!

أن تكون بيروت أقوى مرصد يتابع ويؤرّخ غروب شمس “إيران علي خامنئي”، حقيقة لن يذكرها علم الفلك، لأنّ مساحة كبرى ستُفرد لهذه الحقيقة في معاجم…

ولادة الجمهورية الثالثة: نهاية زمن السلاح… والطوائف

لم يجرؤ رئيس جمهورية، منذ اتفاق الطائف، وربّما منذ تأسيس لبنان، على التعهّد في خطاب القسم، بحصر السلاح بيد الدولة. كانت “المُقاومة” كلمة مُفتاحية في…

سقوط العقد الاجتماعيّ الإسرائيليّ

عانى اليهود في المجتمعات الغربية من الاضطهاد الديني. كانت فرنسا تمنع دخول اليهود إليها، وكذلك بريطانيا.   كانت هجرة يهود روسيا إلى أميركا هرباً من…