التيار البرتقالي والعين الفارغة

مدة القراءة 3 د


قال الكاتب المصري أنيس منصور: “ليست المشكلة هي مشكلة العيون الفارغة، لأن العيون ستبقى فارغة وآخر شيء سيقفله الانسان عند الموت عيناه، فهو فارغ العين الى الموت”.

فيما مواطنته المبدعة نوال السعداوي في مجموعتها القصصية “كانت هي الأضعف” كتبت تحت عنوان “نُظِر ويُحْفَظ”: “تساءل بينه وبين نفسه لماذا سرق مدحت بك عبد الحميد، وكان يملك عربتين وعمارة وليس له إلا ولدان، لعله مرض أعوذ بالله، أو لعله العين الفارغة التي لا يملؤها إلا التراب”.

لا يمكن تفسير التظاهرة البرتقالية أمام مصرف لبنان يوم الخميس الفائت، إلا “بالعين الفارغة”، التي يبدو أن التيار يعاني منها. لقد عبّر الكثيرون من كوادر التيار الوطني الحر عن انزعاجهم من الثوار وحراكهم في الساحات منذ 17 تشرين الأول، متهمين الثوار أنهم سطوا على الشارع والساحات ومدّعين أنّ شعارات الثورة هي شعارات ومطالب التيار.

إقرأ أيضاً: لبنان لن يتحمّل 3 سنوات أخرى مع ميشال عون

على خلفية هذا الشعور، كانت التظاهرة العونية أمام القصر الجمهوري ببعبدا في 3 تشرين الثاني 2019 كرد على الثورة والثوار، أن التيار قادر على حشد الناس والتظاهر وفقاً لقاعدة “ما حدا أحسن من حدا”. مفاعيل تظاهرة القصر الجمهوري ودموع زوجة الوزير السابق جبران باسيل شانتال تأثراً بكلام والدها الرئيس ميشال عون تبددت مع استقالة الحكومة وخروج باسيل من الطاولة الحكومية كأحد الجالسين عليها وإن بقي متربعاً تحتها..!

لقد تظاهر البرتقاليون أمام مصرف لبنان لالتقاط الصورة، السيلفي منها وغير السيلفي، لوضعها في الألبوم

لم يتمكن باسيل وتياره من رؤية الناس وهي تسيطر على الشارع لا بل تلاحق نوابهم الى المطاعم والحانات منغّصة عليهم حياتهم اليومية. لقد استكثروا على الناس صراخها والمطالبة بحقوقها لقد استكثروا على الموجوع أن يقول إنه موجوع، وعن الجائع إن يقول إن معدته فارغة، وعن الوالد أن يشكو ضيق حاله وعجزه عن تعليم أولاده. كما لم يتمكن من استيعاب أن تتحوّل جل الديب وجونية والذوق والأشرفية وزحلة إلى ساحات ثورية تطالب بإسقاطه وإسقاط العهد. كما لم يكتفِ وتياره بالسلطة ومكتسباتها، فبقيت عيونهم تنظر إلى الشارع وناسه بعين فارغة متحسرة.

لقد تظاهر البرتقاليون أمام مصرف لبنان، وقياداتهم تعلم أنّه لا يمكن الاستغناء حالياً عن رياض سلامة كما تعلم حق العلم أن قرار تغيير رياض سلامة لا يمكنه أن يحصل في الشارع ولا بالباصات المستأجرة، بل يحتاج لقرار سياسي جامع حيث لا قدرة لطرف واحد على تحمل مسؤولية هكذا قرار.

لقد تظاهر البرتقاليون أمام مصرف لبنان لالتقاط الصورة، السيلفي منها وغير السيلفي، لوضعها في الألبوم كما كل الصور السابقة للذكرى. لقد تظاهروا لا لشيء فقط لملء العين الفارغة التي لا تشبع، لكن كما قيل إنه لا يمكن ملؤها إلا بالتراب.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل غيت

لم تبقَ مؤسسة إسرائيلية إلا وظهر أن الفساد ينخرها من أساسها إلى رأسها، ومثلما تسمي إسرائيل حروبها كما تسمي الأسرة مواليدها، فهي كذلك تسمّي الفضائح….

الشّرع في واشنطن: بين الأمل والمخاطر

حين يدخل الرئيس السوريّ الجديد أحمد الشرع إلى المكتب البيضاويّ اليوم الإثنين، لن يحمل معه زيارةً رسميّةً وحسب، بل رمزيّةَ عودةِ بلدٍ مزّقته الحرب إلى…

انتخابات عراقيّة في ظلّ تراجع إيرانيّ…

قبل أيّام  من الانتخابات النيابيّة العراقيّة، لا بدّ من تسجيل أنّها الانتخابات الأولى التي تجري في ظلّ تراجع إيرانيّ في المنطقة. لا يمكن لمثل هذا…

نيويورك تنتخب يسارها: مسلمٌ يتحدّى التّرامبيّة

انتخب الأميركيّون عام 2009 باراك أوباما أوّل رئيسٍ من أصولٍ إفريقيّة لولايتين متتاليتين. لم يكن الأمر نزوةً، بل هو تحوّل حقيقيّ في مزاج أميركا أبقى…