أهتمّ بالجمال وتجذبني مشاهدة مسابقاته. أحبّ تلك الجلسات أمام الشاشة الصغيرة في المنزل، حيث أراقب ألبسة المتباريات في مسابقة ملكة جمال لبنان، وأتابع إجاباتهنّ على أسئلة لجنة الحكّام. أحبّ اللوحات الفنيّة التي تقدّمها المتباريات من خلال عرض الملابس الأنيقة وتلك المخصّصة للبحر.
كفرشوبا هي موطن المقاومين والمتعلّمين، وصاحبة رقم قياسي في أكبر عدد متخرّجين من حيث عدد سكّان القرية، وصاحبة تاريخ مشرّف في مقاومة الاحتلال الفرنسي ثمّ الاحتلال الإسرائيلي
الأسبوع الفائت عمّرت أمّ زهير الأرجيلة العجمي وقالت لي: “اليوم السهرة عامرة متل الأرجيلة. سنشاهد مسابقة ملكات الجمال”. أعددنا العُدّة و”الكاريستة” وتمجلسنا نشاهد المسابقة بعد انقطاع دام سنتين نتيجة الأزمة. وقد لفتتني من بينهنّ صبيّة رقيقة مميّزة بإجاباتها الذكيّة وهدوئها. الرقيقة منذ أن أطلّت أمام ناظريّ على الشاشة بدت متميّزة.
إنّها ياسمينة، وأنا بطبعي أحبّ عبق الياسمين الذي يذكّرني بحبيبتي: بيروت، أم الشرائع. بيروت، التي كانت في ما مضى موطناً للياسمين، تلك الزهرة البيضاء الصغيرة والرقيقة ذات العطر المميّز. أينما حللت وفي أيّ منزل بيروتيّ كنت تشمّ رائحة الياسمين. في أزقّة البسطا الفوقا وشوارع المصيطبة وزواريب برج أبي حيدر والطريق الجديدة، نبتة الياسمينة حاضرة مثل فرض الصلاة إن لم تكن في الحوض ففي طاسة مياه لتعطير الأجواء برائحتها.
ياسمينة الشاشة، باسمها وباسم مسقط رأسها كفرشوبا، جمعت حضارتين: فالياسمين اسمٌ أصله فارسيّ، هو الـYasaman الذي يعني The gift of god أو “هبة الله”… وياسمينة اسمٌ على مسمّى. واسم ضيعتها العرقوبيّة، كفرشوبا، مشتقّ من اللغة الآرامية، وتعني “مزرعة شوبا”، إله الهواء والريح عند الكنعانيين، حيث تقع أطلال معبد شوبا إلى اليوم في مناطق جبل الشيخ.
وكفرشوبا هي موطن المقاومين والمتعلّمين، وصاحبة رقم قياسي في أكبر عدد متخرّجين من حيث عدد سكّان القرية، وصاحبة تاريخ مشرّف في مقاومة الاحتلال الفرنسي ثمّ الاحتلال الإسرائيلي، وصاحبة رقم مشرّف يرفع الرأس في أقلّ عدد من الخونة والعملاء في الجنوب كلّه، وها هي اليوم ضيعة ملكة جمال لبنان المسلمة رقم 7 في تاريخ هذه المسابقة إن لم تخنّي الذاكرة (هانية بيضون 1953، منى سليم 1963 التي قُتلت بتفجير من تدبير الموساد في الحازمية، بتول العطار 1984، ديانا بكداش 1991، غادة الترك 1993 وجُرّدت من لقبها بعد مصافحة نظيرتها الإسرائيلية، رهف عبدالله 2010).
كفرشوبا موطن الزيتون والسنديان المعمّرين، مطالَبة اليوم بأن تفتخر بابنتها ياسمينة. كفرشوبا هي تلك الضيعة الجميلة التي تسنّى لي زيارتها بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 82، والحلول فيها ضيفاً في دار آل الخطيب، والسباحة في مياه نهر الحاصباني العذبة.
راحت ياسمينة في تلك الليلة ترفلٍ في الدَمَقس وفي الحرير أمام ناظريّ على الشاشة. جمال ياسمين جمال عربيّ نادر وطبيعي يشبه جمال “رَهَم بنت الخزرج”، ورقّة ياسمينة من رقّة “حليمة الغسّانية”، أمّا مشية ياسمينة فمتألّقة كمشية “برة بنت سعيد الأسود”: سرعوفة رشيقة، كحلاء العينين، حمراء الخدّين، مفتولة الساقين، ملساء القدمين، درماء الكعبين، ملفوفة الفخذين، لمياء الشفتين، ناعمة الأليتين، رشيقة الخصرين، حالكة الشعر، عنقها غيداء.
إقرأ أيضاً: الصراصير أقوى من الرجال!
في إجاباتها على أسئلة الحكّام، أضافت ياسمينة إلى إعجابي بجمالها وحسنها إعجاباً، خصوصاً حينما تكلّمت بأصلها عن مدينة صور التي تربّت فيها وترعرعت، ولم تنسَ طبعاً الحبيبة بيروت، فذكّرت جميع المشاهدين بأنّ هذه العاصمة “تحتضن الجميع”.
في تلك السهرة تُوّجت هذه الجميلة ملكة جمال لبنان وياسمينة بيروتيّة…
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب