الودائع تلعب بـ”كبكوب الصوف”

مدة القراءة 3 د

أمّ زهير من صغار المودعين. من بين أولئك الذين ارتفع عدد حساباتهم 15 ألف حساب منذ عام 2021 إلى اليوم بدلاً من أن ينخفض. هي من أصحاب الودائع ولديها 3,000 دولار في حساب بأحد المصارف وترفض أن تسحبها بخسارة 72%. وتصرّ على أن تستردّها بالدولار “الفريش”، على الرغم من استفادتها بأكثر من عملية أجرتها على منصّة “صيرفة” أيّام رياض سلامة.

استبشرت أمّ زهير خيراً يوم حلّ وسيم منصوري حاكماً للمصرف المركزي بالوكالة، واعتبرت أنّ وديعتها المتواضعة كما باقي الودائع ستعود… لكنّها عادت بعد أشهر إلى الشعور بالإحباط، كما منصوري نفسه، نتيجة تسويف المصارف وهروب السلطة السياسية الرافضة إقرار أيّ حلّ علميّ ومنطقيّ.

تسألني أمّ زهير بين الحين والآخر: “شو أبو زهير؟ شو سامعلنا عن الودايييع؟ رح نرجع ناخدهم؟”، مصوِّرةً الأمر لي وكأنّها تملك في حسابها 5 ملايين دولار. لا أعيرها اهتماماً ولا أجيبها غالباً إلّا بكلمتين: “الودايع عم تلعب بالكبكوب… وإنت كبكوبك صغير يا أمّ زهير”.

تسألني عن معنى هذا اللغز وتطلب منّي تفسيراً لتلك الأحجية… فلا أردّ. أكمل طريقي أو أتلهّى بأيّ شيء كي أتهرّب من الإجابة لأنّني أعرف جيّداً أنّ الإجابة المفترضة لن تعجبها وستصيبها وتصيب أمثالها من من أصحاب الودائع بالإحباط.

الودائع

تطلب منّي أن أسأل زملائي وأترابي هل كانوا يملكون أيّ معلومة تطمئن قلبها وتثلج صدرها على الآلاف الثلاثة (عليه العوض ومنه العوض)، فلا أستجيب… إلّا أنّها ألحّت و”دبّقت” لتحصل على جواب، أقلّه على شرح لتلك الأحجية التي أصمَمْتُ بها أذنيها منذ بداية الأزمة…

قلت لها: “أمّ زهير. سأخبرك قصّة وأترك لك أنتِ أن تحكمي… لا تسأليني عن تفسيرات وشروحات. بتفهمي ما تفهمي مشكلتك. سأروي القصّة وصلّى الله وبارك”.

استبشرت أمّ زهير خيراً يوم حلّ وسيم منصوري حاكماً للمصرف المركزي بالوكالة، واعتبرت أنّ وديعتها المتواضعة كما باقي الودائع ستعود

ثمّ أردَفتُ: “يُحكى يا أمّ الزوز أنّ رجلاً كريماً مرضياً ليس له في الدنيا إلّا أمّه التي تعيش مع قطّتها. يهتمّ بها وبالقطّة ويقضي حوائجها. ذات يوم اضطرّ إلى السفر خارج البلاد ولم يعرف ماذا يفعل. كيف سيترك أمّه العجوز وحيدة في منزلها؟ فكّر هذا الرجل مليّاً بالحلّ، ثمّ ارتأى أن يكلّف أحد أصدقائه بتلك المهمّة. فقصد صديقه وروى له الحكاية. قال له إنّ المصروف الشهري من مأكل ومشرب لوالدتي وللقطّة قرابة 500 دولار شهرياً، وأنا سأضطرّ إلى السفر لمدّة 15 يوماً فقط. وعلى الرغم من ذلك سأترك لك 1,000 دولار بشرط أن تحسن معاملتهما وتلبّي طلبات والدتي أكرمك الله”.

سافر الرجل فغاب 15 يوماً، ثمّ عاد مسرعاً من المطار إلى منزل صديقه على الفور ليطمئنّ على “الأمانة”. دخل الدار ولم يجد إلّا صديقه وحيداً فصرخ به قائلاً: “وينهم؟”.

إقرأ أيضاً: “خماسيّة” وغولار…

ردّ الصديق: “القطّة صدمتها سيّارة وماتت”.

فقال الرجل: “يا زلمي… خبّرني الخبر بهدوء. حضّرني نفسيّاً للصدمة. قل لي مثلاً كانت عم تلعب بكبكوب الصوف وتدحرج على الشارع فلحقت به، فصدمتها سيّارة… المهمّ الآن، وين إمّي؟”.

فقال له صديقه: “كانت عم تلعب بكبكوب الصوف…”.

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

 

لمتابعة الكاتب على X:

@abo_zouheir

مواضيع ذات صلة

محمد بن سلمان فوق البروتوكول في البيت الأبيض

فرشت واشنطن السجادة الحمراء لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأقامت كل المراسم الشرفية، بما في ذلك العرض العسكري الجوي بطائرات “إف 35″،…

ترامب يكبح إسرائيل: هل استنجد نتنياهو ببوتين؟

يسهل استنتاج التحوُّل الذي طرأ على الإدارة في الولايات المتّحدة لفرض قرار واشنطن على قرار تل أبيب. ولطالما استعر جدل الباحثين خلال العقود المنصرمة بشأن…

تصويت مجلس الأمن وزيارة الأمير

ستتضح أمورٌ هامةٌ يترقبها العالم باهتمام بالغ، من خلال حدثين بارزين، الأول تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة وما بعدها، والثاني ما…

متى تستقر سورية في مواجهة المخاطر الكبرى؟

توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب. وفيما كان بنيامين نتنياهو…