الصراصير أقوى من الرجال!

مدة القراءة 3 د

استيقظت فجر أمس على صوت أمّ زهير تكيل لي سيلاً من الهمزِ واللمزِ والعتب، آتيةً على ذكر الوزير جبران باسيل، لكن لم أعرف سبب شملي مع الصهر (سندة الظهر)، أو حتى جملة واحدة ممّا كالته من شتم وسباب من “كعب الدست”.

كنت أغطّ في نوم عميق… عميق. لم أفهم ما علاقة جبران باسيل بالموضوع ولا فحوى الكلمات التي كانت تخرج من فيها، وما الفكرة التي تريد أن توصلها إليّ، لكنّ الكلام كان يخرج من ثغرها معجوناً وممزوجاً بخليط من الغضب والرعب والإرباك (يعني ملبّكة وليس الـAirbag الخاصّ بالسيارة).

بعد جهدٍ وعركٍ للعيون، فهمت أخيراً أنّها نهضت لتغبّ الماء قليلاً، بعد عطشٍ أصابها في الليل الدامس ذي السواد الحالك الغِربيب، لكنّ في طريق عودتها من المطبخ إلى غرفة النوم، وقعت ضحية كمينٍ نصبه لها صرصور طيّار مظلّيّ في منتصف الطريق، تحديداً عند مسرب الكوريدور المؤدّي من صدر المنزل إلى عمقه، فعلقت أمّ زهير عند محور الكولا، فيما كنت أنا أغفو في غرفة النوم عند الجهة القريبة من محور قصقص – الشيّاح.

هذا الصرصور الحقير لقّنني درساً قاسياً في فهم النساء، فأحرجني وأشعرني بالخزي والعار والخجل، ليس أنا فحسب، بل أحرج سائر صنوف الرجال

راحت تصرخ لي لكي أغطّيها بشبكة نيران ورشقات رصاص حتى تتمكّن من عبور خط “بارلي?” بسلام إلى الضفة المقابلة، لكنّ سِنَةً تمكّنت منّي، ولم أستطع سماع صرخات الاستغاثة، خصوصاً أنّ باب الغرفة كان موصداً بإحكام. أوصدته أنا قبل النوم بعدما انقطع “الاشتراك” عند منتصف الليل (المغضوب ولا مرّة نسي أن يقطع الكهرباء بعد الـ12)، وأنعَمَت شركة كهرباء لبنان علينا بساعتين إضافيّتين فجراً. ربّما لهذا السبب كالت أمّ زهير السُباب للوزير باسيل، لأنّه أمدّنا بالكهرباء، وللمفارقة أنّه حينما تُقطع يتناوله الجميع بالكلام، لكنّ أمّ زهير كسرت القاعدة وتناولته بإسفاف لوصله التيار في ذاك الوقت على يد وزيره المَشلَخ وليد فيّاض.

أوصَدْتُ الباب من أجل الاستفادة من الرياح الصرصر الناشرات المبشّرات الصادرة من مكيّف هواء من صنف “حاد” أو “Sharp”، وذي اثنتي عشرة وحدة حرارية بريطانية تُسمّى عند الفرنجة اختزالاً: BTU، وحصرها قدر المستطاع داخل الغرفة إلى حين بلوغنا الصبح… إذا تنفّس.

لا أدري هل كانت أمّ زهير قد نسيت “على وهلتها” أنّها قريبة من المطبخ المطلّ على الشرفة، حيث ترسانة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية من صنف Baygon  وPifPaf، ناهيك عن البراميل المتفجّرة وقاذفات اللهب من صنف Bic وClipper. ربّما تردّدت أمّ زهير بفتح جبهة والناس نيامُ، أو أنّها أرادت اختبار قدراتي القتالية بواسطة السلاح الأبيض من صنف مشّاية “زنوبا” إم إصبع!

فهمت منها لاحقاً بعدما هدأ روعها أنّها تمكّنت أخيراً من العبور عند أذان الفجر، بعدما خفّت حدّة المعارك ولاذ الصرصور الحقير بالفرار صوب الأراضي السورية، على نهج شاكر العبسي خلال معارك نهر البارد.

في صباح اليوم التالي عاقبتني أمّ زهير أيّما عقاب، فقد سحبت منّي هاتفي الذكيّ ومنعتني من الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي لمدّة أسبوع عقاباً على ما اقترفته من خطأ مشين… والويل لعاقبة المكذّبين!

إقرأ أيضاً: عون “نَفَخو”… وكَرَج الإصلاح

هذا الصرصور الحقير لقّنني درساً قاسياً في فهم النساء، فأحرجني وأشعرني بالخزي والعار والخجل، ليس أنا فحسب، بل أحرج سائر صنوف الرجال، إذ اكتشفت أنّ النساء يخفن من الصرصور، ولمّا كنّا نخاف من النساء، فهذا يعني par transitivité أنّ الصراصير أقوى من الرجال…

هل يعقل أن نخاف مَن يخفنَ هذا الصرصور، فنكوننّ بذلك من الجاهلين؟

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…