يوم ضرب الزلزال فجراً قبل أيام، كنت أغطّ في نوم عميق. فجأة شعرت بالسرير يتأرجح يميناً وشمالاً. استمرّ التأرجح لهنيهات، اشتدّ فبدأت أسمع صراخ أهل الحيّ مع ولولات نسوة وبكاء أطفال. فجأة سمعت أصوات “قرقعة” مصدرها المطبخ.
قلت في نفسي: “يا لطيف… هذه هزّة أرضيّة، لكن ما هذه الأصوات يا تُرى؟”.
هرعت إلى مصدر الصوت، فإذ بأمّ زهير تضرب على “التنك”. عركت عينيّ جدياً لأتأكّد أنّني لا أحلم، وبعدما تأكّدت أنّ ما أراه حقيقيّ، قلت لها: “يا أمّ زهير… يا أمّ زهير، بتضربي على التنك وقت الخسوف… مش بالهزّات!”.
فقالت لي: “إيه شو بيعملوا بالهزّات؟”، فقلت لها: “بكبّروا يا أمّ زهير… بكبّرووووا”.
فردّت: “شفاف أو صدر؟”.
دعكم من أمّ زهير وترّهاتها… وخلّينا بالمفيد.
زلزال في تركيا وسوريا، ثمّ هزّات ارتدادية متواصلة – متقطّعة في لبنان… والدولة نائمة.
لم يخرج وزير أو مسؤول يُثلج قلب اللبنانيين بخبريّة أو “سالفة” يخبرهم فيها بأنّ الخطر زال أو مستمرّ، أو حتى يطمئنهم بكلمة من صنف “لا داعي للهلع” (يا أخي قبلانين).
لو قُدّر لرجالات دولتنا العليّة أن ينصحوا الشعب اللبناني، كلٌّ على طريقته، تُرى كيف ستكون أنواع التطمينات؟
تُرك الهواء للخبراء الجيولوجيين، الذين فرّخوا بعد الصرّافين على وسع الشاشات، اشتدّت السجالات بين هذا وذاك. أحدهم دعانا إلى “ضبّ الشنطة” والاحتفاظ بجواز السفر في الجيب، والآخر نصحنا بتعليق صافرة فوسفورية في رقابنا حتى “نصوفر” بعد انهيار المبنى، حتى تتمكّن فرق الإنقاذ سماع “صفرات الاستغاثة”. أمّا أكثر الخبراء “طنبزة”، فنصحنا بأن “ننخمد” من جديد لأنّه “ما باليد حيلة”، وقد استحى أن يقولها “زيّ ما هيّ” على الهواء مباشرة: “اقلبوا على ضهركم وناموا”.
لو قُدّر لرجالات دولتنا العليّة أن ينصحوا الشعب اللبناني، كلٌّ على طريقته، تُرى كيف ستكون أنواع التطمينات؟
فلنبدأ بتصوّر المشهد:
– لو حدّثنا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الزلزال لقال: “ما في شي… بكرا بتتعوّدوا”.
– الرئيس نجيب ميقاتي المؤمن الورع كان سيقول: “خلال الهزّات لا نغيّر الضبّاط”.
– رئيس مجلس النواب نبيه برّي، كان سيضرب بمطرقته ويصرخ: “الزلزال سيّد نفسو”.
– من حسن حظّنا أنّ الزلزال ضربنا بعد انتهاء “العهد القوي”، وإلّا لكان الرئيس عون قال: “هيدا من قوّة العهد” (جهنّم وزلزال بفرد ضرب يا جنرال؟).
– الوزير جبران باسيل كان سيثير حتماً جانب “المظلوميّة” خاصّته، فيقول: “كان بدنا نهرب… ما خلّونا”.
– ربّما السيّد حسن كان سيستغلّ الفرصة من أجل القول لبيئته الحاضنة: “الهزّة التي ستمدّ يدها إلى سلاح المقاومة سنقطعها”.
– وليد بيك جنبلاط بهدوئه المعهود: “إلى أين؟ إلى التقوقع من جديد؟… لا بدّ من الحوار لتخطّي الزلازل!”.
إقرأ أيضاً: أربع شهادات عن الزلزال
– الدكتور سمير جعجع كان سيردّد أغنية القوّات اللبنانية: “هزّت منازلنا”، رافعاً يديه في الهواء على شكل مثلّث.
– النائب سامي الجميّل بصوته السوبرانو: “هيدا الزلزال مش مقبول… مش مقبول”.
– نوّاب التغيير: “عودوا إلى الشارع…”.
– يبقى القول الأصدق دائما وأبداً، قول الرئيس الراحل رفيق الحريري: “إنّي أستودع الله هذا الوطن الحبيب”، لأنّ وطننا فعلاً ما عاد يُطاق العيش فيه: زحمة أزمات سياسية واقتصادية وفوقها كوارث طبيعية… يا الله!
ما عاد ينقصنا في لبنان إلّا النيزك… فنُكمل Collection الكوارث العالميّة كلّها… ونمضي.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@