انفرد مبعوث الرئاسة الفرنسية في 27 آب 2020، من موقعه كوزير للخارجية آنذاك، بإطلاق تحذيرٍ غير مسبوق من احتمال مواجهة لبنان “خطر الزوال”. كان مضى على انفجار مرفأ بيروت أكثر من أسبوعين وعلى استقالة حكومة حسان دياب 17 يوماً حين أطلق جان إيف لودريان خارطة طريق مشوبة بتهديد: “المجتمع الدولي لن يوقّع شيكاً على بياض، إذا لم تطبّق السلطات الإصلاحات. ويجب أن يفعلوا ذلك بسرعة”.
مضى على التوقّع الفرنسي بـ “الزوال” نحو عامين. شُكّلت حكومة نجيب ميقاتي ثمّ تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال مع نهاية ولاية ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022. زار ماكرون لبنان مرّتين و”داخ” مستشاره باتريك دوريل، وقبله خليّة الأزمة الفرنسية، من تعقيدات الزواريب اللبنانية، وضَغَط لودريان مع مسؤولين أوروبيين قبل سنتين لفرض عقوبات على قادة لبنانيين ولم يفلحوا إلى أن وجدت فرنسا نفسها حاضنة، بشكل مستتر، لترشيح سليمان فرنجية وسط شبه مراقبة أميركية-سعودية، مُستدرجةً خصومة كبيرة مع القوى المسيحية لن تنتهي إلّا بتراجع باريس عن تغطية وصول رئيس تيار المردة إلى قصر بعبدا.
يؤكّد مصدر مطّلع لـ “أساس” وصول أصداء إلى مرجعيات كبرى في لبنان قبل وصول المبعوث الفرنسي إلى بيروت تفيد بليونة فرنسية تسمح بتجاوز مطبّ ترشيح فرنجية بوصفه “الحلّ الواقعي” باتّجاه مرشّح آخر
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس” إنّ “أهميّة زيارة لودريان المنقطع عن زيارة لبنان منذ نحو ثلاث سنوات تكمن في شموليّتها لناحية مروحة اللقاءات التي سيقوم بها مع القوى السياسية والدبلوماسية والتي بدأها أمس بلقاء الرئيس نبيه برّي في ضوء الأرقام “السلبية” التي أفرزتها جلسة 14 حزيران بين فرنجية والمرشّح جهاد أزعور. ويمكن التسليم، على الرغم من عدم نشر السفارة الفرنسية جدول المواعيد، بأنّ هذه الزيارة هي الأوسع في محطّاتها منذ دخول باريس على خطّ الأزمة اللبنانية عقب انفجار 4 آب، لكن لا يمكن لأحد أن يضمن تأثيرها على حلحلة العقدة الرئاسية، خصوصاً إذا لم تنطلق من أمر عمليات خارجي بحسم وجهة الانتخاب الذي يصعب فصله عن الطرف الثاني للأزمة أي رئاسة الحكومة”.
يُشار هنا إلى ما نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية أمس عن مهمّة لودريان التي وصفتها بـ “المستحيلة” ووضعتها ضمن “الإطار الاستكشافي والتحفيز على الحوار بين المكوّنات اللبنانية”، مستبعدة دخوله في لعبة الأسماء والترشيحات، ومؤكدة أنّ ملفّ لبنان نوقش بشكل “موجز جدّاً” ضمن اللقاء الذي جَمَع ماكرون ووليّ العهد السعودي في باريس. وفيما نشرت الصحيفة، نقلاً عن دبلوماسي فرنسي، أنّ قادة لبنان أتعبوا باريس، فإنّ دبلوماسيّاً أوروبياً أقرّ أخيراً في مجلس خاصّ أنّ “الحزب قد يكون الطرف اللبناني الأكثر وضوحاً معنا”.
في المقابل، يؤكّد المصدر “وصول أصداء إلى مرجعيات كبرى في لبنان قبل وصول المبعوث الفرنسي إلى بيروت تفيد بليونة فرنسية تسمح بتجاوز مطبّ ترشيح فرنجية بوصفه “الحلّ الواقعي” باتّجاه مرشّح آخر.
إقرأ أيضاً: باسيل يلوّح بملفّات تطال قائد الجيش و”مكتب” القائد لا يردّ!
يفترض كُثر في هذا السياق أنّ “الرائحة” الفرنسية المستجدّة قد تكون صدرت من “مطبخ” لقاء وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس إيمانويل ماكرون، لكن لا تأكيدات أو معلومات حاسمة مرتبطة بهذا اللقاء باستثناء المعطيات التي سيضعها الموفد الفرنسي على طاولة لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين ومع سفراء الدول الخمس المعنيّة بالأزمة الرئاسية، إضافة إلى السفير الإيراني في لبنان مُجتبى أماني والقائم بالأعمال السوري علي دغمان.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@