ما هو الخطأ القاتل الذي يمكن أن ترتكبه دمشق في التعامل مع الرياض الآن؟
ما هو التصرّف الذي إذا أقدم عليه الرئيس السوري مع وليّ العهد السعودي يمكن أن تصل علاقتهما إلى طريق مسدود؟
ببساطة تتعلّق كلّ القضيّة أو المسألة بمدى فهم الرئيس السوري لطبيعة القيادة السعودية الحاليّة وقانون الفعل وردّ الفعل الذي يتحكّم في عقل ونفسيّة وأسلوب إدارة وليّ العهد السعودي.
يقول مصدر خليجي مطّلع: “أنا أعرف كلّاً من وليّ العهد السعودي والرئيس السوري، فكلّ منهما يختلف تماماً في الأسلوب والطباع وطريقة الإدارة”.
يضيف الرجل: “الرئيس السوري يميل إلى التنظير البعثيّ ووليّ العهد السعودي يميل إلى “الواقعية النجدّية”، والرئيس السوري رهين مصالح روسيّة وإيرانية أنقذته وأنقذت نظامه السياسي من الاحتضار، ووليّ العهد السعودي ليس مديناً لأحد. باختصار الرئيس بشّار في موقف ضعف، والأمير محمد في موقف قوّة”.
يتابع الرجل قائلاً: “لكن يجمعهما الآن أنّ كلّاً منهما يريد إحراز نجاح. قدّر البنك الدولي أنّ سوريا بحاجة إلى 100 مليار دولار دفعة أولى لإسكان الدفعة الأولى من الـ9 ملايين لاجئ ونازح، وبحاجة إلى 700 مليار دولار لتعويض الخسائر المباشرة وغير المباشرة للحرب الدموية الأهلية، ولذلك الرئيس السوري بحاجة إلى إعادة تأهيل ورفع عقوبات”.
في المقابل وليّ العهد السعودي الذي يريد أن يكون الشرق الأوسط “أوروبا الجديدة”، وبوصفه زعيماً براغماتياً له مشروع رؤية 2030 في الداخل والخارج، وبوصفه رئيس الدورة الـ32 في القمّة العربية، يسعى إلى “تحويل الحروب الإقليمية إلى إيقاف إطلاق النار، وتحويل حالات إيقاف الإطلاق إلى هدنة، وتحويل الهدنة إلى اتفاقات، وتحويل الاتفاقات إلى تسويات ملزمة تجعل المنطقة مستقرّة آمنة ومتفرّغة للتنمية المستدامة”.
يقول مصدر خليجي مطّلع: “أنا أعرف كلّاً من وليّ العهد السعودي والرئيس السوري، فكلّ منهما يختلف تماماً في الأسلوب والطباع وطريقة الإدارة”
بين التنظير.. والبراغماتية
عقل الرئيس بشّار عقل تنظيري كما جاء في كلماته في كلّ القمم العربية بدءاً من قمّة الكويت إلى آخر قمّة في جدّة.
فيما عقل الأمير محمد عقل براغماتي يعتمد على الأرقام والإحصاءات لا على العبارات المؤدلجة مثل تلك التي يستخدمها الرئيس بشّار.
بشار ابن الرئيس حافظ الأسد الذي عُرِفت عنه القدرة على المناورة وامتلاكه الذكاء السياسي واليد الأمنيّة الثقيلة.
الأمير محمد هو ابن الملك سلمان بن عبد العزيز، صاحب الخبرة العميقة في إدارة البشر والموارد منذ عام 1951. وهو رجل مباشر حازم، لا يناور، ولا يحبّ الكذب ويكره اللفّ والدوران.
الرئيس بشّار قاموسه سياسيّ يتضمّن العموميّات، ويبدو وكأنّه يحاضر في رجال الحزب الحاكم، بينما الأمير محمد هو رجل عمليّ علميّ لديه ذاكرة، ما شاء الله، حافظة تعتمد على الإحصاءات والأرقام والمواعيد المستهدَفة.
التعارف.. و120 خطوة
لذلك يمكن القول إنّه حينما دخل الرئيس السوري عند الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 19 أيار 2023 البهو الرئيسي في قاعة احتفالات فندق “الريتز كارلتون” في جدّة، وبعدما سار 120 خطوة والتقى وليّ العهد السعودي الذي صافحه فبادر بشار إلى احتضانه وطبع قبلتين على وجنتيه، فإنّ هذا اللقاء كان الأوّل بين قيادي سوري وآخر سعودي على هذا المستوى منذ 12 عاماً من القطيعة الشخصية.
بعدئذٍ سار معه وليّ العهد بوصفه رئيس الدولة المضيفة إلى حيث تؤخذ الصور التذكارية، فبقيا هناك 45 ثانية ثمّ دعاه إلى دخول القاعة كما ينصّ البروتوكول.
في اليوم ذاته تمّ أوّل لقاء رسمي بين الوفدين في قاعة اجتماعات واتّخذ شكل جلسة لا شكل طاولة مفاوضات.
في هذه الجلسة حدث أوّل تعارف بين الرئيس بشار والأمير محمد.
ضمّت الجلسة أكثر من 30 مسؤولاً من الطرفين.
من الجانب السوري كان وزير الخارجية فيصل المقداد الذي تحمّل مسؤولية الحوار في شروط إعادة العلاقات وعودة سوريا إلى الجامعة، خاصة في ذلك اللقاء التشاوري المطوّل في العاصمة الأردنية.
وفي الوفد السوري كانت الدكتورة بثينة شعبان واحدة من أهمّ المقرّبين من عقل الرئيس السوري، ومجموعة من الدبلوماسيين والأمنيين ذوي العلاقة بالملف العربي.
لم يأتِ الأمير محمد في كلمته الافتتاحية على مطالبة سوريا بتعهّدات، لكن اكتفى بالقول: “نسعد بحضور فخامة الرئيس السوري بعدما وافقت الجامعة على إعادتها إلى عضويّتها في الجامعة”، وتمنّى أن يكون ذلك “بداية استعادة سوريا لمكانها بما فيه مصلحة الشعب السوري وازدهاره”.
من جهته، لم يأتِ الرئيس السوري في كلمته على التعهّد بعودة اللاجئين أو رؤية سوريّة لعلاقات عربية – عربية جديدة.
لم يسعَ الأمير محمد إلى أن تبدو عودة سوريا عودة المنهزم المفروض عليه شروط أو عودة المنتصر الذي أثبت للجميع أنّه كان على حقّ.
هتافات الوفد السوري في قمّة جدّة
لقد حاول الوفد الإعلامي السوري في القمّة (أكبر الوفود الإعلاميّة عدداً) أن يعطي هذا الانطباع، بمعنى “هلّا عرفتم قيمة سوريا والرئيس بشار”.
حينما قيل في قاعة الإعلاميين إنّ الرئيس السوري سيلقي كلمته قام الوفد الإعلامي السوري بتظاهرة هتاف وتصفيق قبل كلمته وبعدها.
لا تهمّ كلّ هذه الأمور عند الرياض. المهمّ عند وليّ العهد السعودي هو مدى التزام الرئيس السوري بالتزاماته التي وعد بها وزير خارجيّته في لقاء عمّان التشاوري.
بمعنى…..
1- برنامج إعادة اللاجئين والنازحين.
2- إيقاف صناعة وتصدير الكبتاغون إلى السعودية عبر الأردن ولبنان.
3- التعاون مع السعوديّة في الملفّ اللبناني.
4- التعاون في الملفّ الأمنيّ الخاصّ بمواجهة الإرهاب.
لا مشكلة عند الرياض أن تقول لها أيّ شيء مهما كان صعباً أو خطيراً، المهمّ ألّا تقول ما لا تفعل أو تفعل ما لا تقول.
لذلك لم يكن صعباً على الرياض أن تفهم ما قاله اللواء علي المملوك الرجل الأمنيّ المهمّ في لقاء أمني أثناء زيارته الرياض من أنّ “العلاقة مع طهران هي علاقة حياة أو موت”.
والكلام نفسه كرّره بشّار في جدّة حينما قال إنّ طهران كانت تقف معه لمدّة 12 عاماً حينما تركه العالم والعرب.
وكما سبق أن ذكرنا وحذّرنا فإنّ من أهمّ قواعد التعامل مع وليّ العهد السعودي مبدأ الانضباط والالتزام بما اتُّفق عليه في المحتوى والأسلوب والجدول الزمني.
إقرأ أيضاً: لبنان والعرب: الأمل الذي لا شفاء منه!
وأخطر ما يمكن أن يعيق العلاقة مع الرياض هو اكتشاف وليّ العهد أنّ الطرف الآخر يتذاكى أو يحاول الخداع أو التملّص من الوعد والعهد والاتفاق.
إذا حدث ذلك يتجمّد الحوار فوراً وتتحوّل حركة واتجاه العلاقة من رغبة في التحالف إلى رغبة في العداء.
هذا ما يجب أن تفهمه دمشق جيّداً، وهذا ما يتعيّن على الرئيس السوري الالتزام به حرفيّاً.
أهمّ ما يجب أن يدركه تماماً الرئيس السوري، الذي ابتعد عن التعامل مع أيّ قيادة سعودية لمدة 12 عاماً، أنّ السعودية الآن مغايرة تماماً لما عرفه والده أو عرفه هو شخصياً. إنّها قيادة تعتبر أنّ الخطأ الأوّل هو الأخير.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@