دولة الإمارات: قرارات استقرار مؤسّسة الدولة وازدهارها

مدة القراءة 5 د

اتّخذ الشيخ محمد بن زايد حاكم أبوظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أيام عدّة قرارات تتّصل بسببٍ وثيقٍ بالاستمرارية والاستقرار في شؤون السلطة والمواطنين في الحاضر والمستقبل. فقد عيّن الشيخ منصور بن زايد نائباً لرئيس الدولة الاتحادية بموافقة المجلس الأعلى للدولة. وبذلك فقد شارك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في لقب نائب الرئيس في الدولة الاتحادية. وعيّن الشيخ محمد بن زايد أخويه هزاع وطحنون نائبين لحاكم أبوظبي. وأخيراً وليس آخِراً عيّن ابنه خالد بن محمد بن زايد وليّاً للعهد في إمارة أبوظبي.
لهذه السياسات الجديدة سببان بارزان: السبب الأوّل تقديم عنصر الشباب وسط التحوّلات الكبرى في العلاقات بين الأجيال، وفي متطلّبات السياسات الإقليمية والعالمية، وأمّا السبب الثاني فهو الانتصار لدوافع الاستقرار والاستمرار ودعم سياسات مؤسّسة الحكم.

البداية في البحرين
كان ملك البحرين قبل زهاء العقدين هو أوّل من استخلف ابنه في دول الخليج في هذه المرحلة، ثمّ كان التحوّل السعودي، والآن التحوّل الإماراتي، وربّما العُماني. وكان حاكم قطر قد تنازل لابنه تميم. فلا يبقى على “التقليد” إلّا دولة الكويت، إذ ما أمكن للجيل الجديد الخمسينيّ والستّينيّ أن يثبت وجوده هناك حتى الآن.

في الترتيب الجديد والتراتب والانتظام، تصبح السلطات مهمّاتٍ وتكاليف وليست ميزات تفاضليّة

في دولة الإمارات تولّى الشيوخ الثلاثة مسؤولياتٍ تنفيذية مختلفة في العقدين الماضيين، في عهدَي الشيخ خليفة بن زايد، والشيخ محمد بن زايد. وكان الشيخان هزاع وطحنون في إمارة أبوظبي، وأمّا الشيخ منصور ففي الحكومة الاتحادية للإمارات. وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ خالد بن محمد بن زايد الذي كان عضواً في المجلس التنفيذي. ومع أنّهم جميعاً ما يزالون في مواقع سامية، فإنّ البارز تولّي الشيخ خالد بن محمد بن زايد لولاية العهد في إمارة أبوظبي. أمّا في الحاضر فسيتولّى المجلس التنفيذي أو حكومة إمارة أبوظبي.

هي ترتيباتٌ لها دلالات، لكنّها تمضي في مجرى التحوّل الجديد، كما سبق القول، أي من السياسات التقليدية إلى سياسة المُلْك المستقرّ المنتقل من الأب إلى الابن. وفضلاً عن العنصر الشابّ، هناك الاستقرار الذي يعِدُ به الترتيب الجديد في الانتقال السلِس إلى سياسات المؤسّسة شأن الأُسَر المالكة العريقة التي تزداد ثباتاً واستقراراً لجهة ممارسة السلطة، ولجهة السير في البرامج التنموية والتحديثية البعيدة المدى.
في الترتيب الجديد والتراتب والانتظام، تصبح السلطات مهمّاتٍ وتكاليف وليست ميزات تفاضليّة. ويعرف المواطنون حاكمهم ووليّ عهده مسبقاً، وتنتفي الاحتمالات والأمور غير المؤكّدة. وبالطبع فإنّ للمشيخة التي تذكّر بالقبيلة وأعرافها ميزاتها وفضائلها. لكنْ للمؤسّسة الملكية أو الأميرية المنتظمة ميزاتها وفضائلها أيضاً كما هو الشأن في الدول العريقة ذات الطابع المؤسّسي والهرمية المعروفة.

الدولة الوطنية والنهضة الثانية
تمثّل قرارات الملك سلمان والشيخ محمد بن زايد مرحلةً جديدةً في حياة الدولة الوطنية أو في نهضتها الثانية، حيث تتولّى الأجيال الجديدة السلطة، فلا تعود سياسات الدولة مربوطة بعهد الحاكم، بل تمثّل تقدّماً إلى الأمام في عهدٍ مستمرٍّ، واضح السياسات بالداخل وتجاه الخارج. هي حقبة تاريخية جديدة يشهدها الخليج العربي الذي يقود السياسات العربية في المرحلة الجديدة.
تأتي هذه الاستبصارات السياسية الإيجابية في شهر رمضان المبارك، كاشفةً عن الاعتبارات التي تدعم هذه الخيارات والمتمثّلة في خطواتٍ جديدةٍ للاستمرار والاستقرار والازدهار وصنع الجديد والمتقدّم. هو تطوّر تقتضيه المرحلة، وتقضيه الحكمة، ويوجّه الحاضر، ويسهم في صناعة المستقبل.
وإذا كانت سياساتُ الاستقرار المؤسّسي تُطِلُّ على منطقة الخليج بحقبةٍ جديدةٍ للاستقرار والتنمية والازدهار، فإنّ هذه المنطقة الرائدة في سياساتها التجديدية ستكون لها تأثيراتها على المحيط في المشرق العربي، بل وستكون لها تأثيراتها على العلاقات الدولية للمنطقة.
لقد مرّت المنطقة بحقبةٍ شديدة الاضطراب، ثمّ ها هي تتبلور فيها سياسات للتصالح ومبادرات لصون المصالح وتنميتها واستعادة القوام والثقة، وصنع الجديد والمتقدّم في شتّى النواحي والمناحي. هي سياسات الاستقرار والتوازن والمرحلة الطويلة التي لا يخالطها خلافٌ ولا مجهولٌ ولا تردّد.

إقرأ أيضاً: زمن محمّد بن زايد

بالأمس قرّرت دول الخليج خفض إنتاجها من النفط حتى آخر عام 2023 حرصاً على “استقرار السوق”. وهناك اتصالاتٌ زاخرةٌ من أجل عقد مؤتمر القمّة العربي بالسعودية في شهر أيار الذي يُنتظر أن يكونَ مهمّاً لجهتَيْ المصالحات والمستجدّات الإيجابية في ما يتعلّق بوحدة الصف والتركيز على القضايا الكبرى.
إنّ الاستقرار والانتظام بمنطقة الخليج يشيران إلى انتظامٍ جديدٍ على المستوى العربي بعد المخاض الطويل، وإلى رؤيةٍ أخرى للعلاقات المتوازنة مع العالم.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

ماذا يعني فوز ترامب للمنطقة؟

واشنطن   ماذا يعني فوز ترامب بمقعد رئاسة الولايات المتحدة باكتساح بالنسبة للعرب والشرق الأوسط؟ ماذا يعني انتصار الرجل الساحق بمقعد الرئاسة والحصول على أغلبية…

تفادياً للنّدم… لا بديل من الاستسلام للبنان!

تفادياً للندم عندما لا يعود ينفع الندم، من الأفضل للمسؤولين اللبنانيين وزعماء الأحزاب، كلّ الأحزاب والقوى السياسيّة، امتلاك شجاعة الاعتراف بأن لا مجال في المرحلة…

قبضة ترامب على المؤسّسات… هل تدفع الديمقراطيّين إلى الشّارع؟

فاجأ دونالد ترامب العالم والأميركيين بفوزه الكاسح على المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس. لكن خارج الهموم المعيشية يبقى الانقسام كبيراً في المجتمع الأميركي حول عدد من…

أسئلة إيرانيّة وجوديّة بعد الضّربة الإسرائيليّة وانتخاب ترامب

خمسة أسئلة حاسمة، فرضتها الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، لم تكن مطروحة بهذه الحدّة من قبل. وهي ليست أسئلة تتعلّق بالتكتيكات والمناورات بقدر تعلّقها بجوهر…