يبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) من العمر سبعة وثمانين عاماً. وفي شهر أيار المقبل تحتفل إسرائيل بذكرى ولادتها الخامسة والسبعين. وهذا يعني أنّ رئيس السلطة الفلسطينية كان يبلغ من العمر 12 عاماً عندما وقعت مأساة الهجرة الفلسطينية وقيام إسرائيل. المأساة مستمرّة، وكذلك إسرائيل.
يعكس استمرار المأساة الفلسطينية الكوارث الإنسانية في غزّة والمعاناة الدائمة في القدس وبقيّة الضفة الغربية. ويعكس استمرار إسرائيل اقتصاداً قويّاً (196 مليار دولار احتياطي البنك المركزي) يقوم على التقنيّة الحديثة. إذ إنّ إسرائيل تخصّص 5 في المئة من دخلها القومي للأبحاث والدراسات، وهي أعلى نسبة في العالم.
يبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) من العمر سبعة وثمانين عاماً. وفي شهر أيار المقبل تحتفل إسرائيل بذكرى ولادتها الخامسة والسبعين
من سنوات إسرائيل الخمس والسبعين، هناك 15 عاماً برئاسة بنيامين نتانياهو. وهو مستمرّ اليوم على رأس السلطة. نجح نتانياهو، وهو خريج جامعة “إم.إي.تي” الأميركية، في أمرين:
– الأوّل: توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
– والثاني: توسيع علاقات المصالحة مع دول عربية.
صحيح أنّ الأمرين متناقضان. إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ ذلك يترجم برنامج حزب الليكود الحاكم وفلسفته. وبعد اتفاق أوسلو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات، لم تعد السلطة تملك حقّاً بإدانة أيّ محاولة للاتصال والتفاهم مع إسرائيل. وربّما هذا هو أسوأ ما أسفر عنه هذا الاتفاق الذي لم تسمح له إسرائيل بأن يرى النور.
يعيش أبو مازن على قاعدة “خبزنا كفاف يومنا”. فبعدما توقّفت معظم المساعدات العربية والدولية (والأميركية أيضاً)، وجد نفسه في وضع المضطرّ إلى تمويل إدارة الضفّة الغربية من حصّة الضفّة من الضرائب والرسوم التي يدفعها الفلسطينيون للسلطة الإسرائيلية المحتلّة في الدرجة الأولى. وفلسطينيّو الضفّة هم مجموعة من أربع مجموعات فلسطينية لكلّ منها ظروفها الخاصة التي تتحكّم في حياتها.
– المجموعة الثانية في غزّة.
– والمجموعة الثالثة في القدس.
– والمجموعة الرابعة في إسرائيل ذاتها.
تضاف إليها مجموعات اللاجئين في العديد من الدول الأخرى، بما فيها الأردن وسوريا ولبنان.
تمكّن نتانياهو، زعيم الليكود العلماني، من التحالف مع الحريديم المتديّنين بتطرّف على قاعدة تبادل المصالح: هم يؤمّنون له الأكثرية في الكنيست، وهو يؤمّن لهم مشاريع التهويد والتوسّع الاستيطاني في الضفّة الغربية
انقسام الإسرائيليين
بدورهم ينقسم الإسرائيليون إلى مجموعات في داخل إسرائيل وخارجها. أهمّ هذه المجموعات هي تلك التي يتمحور حولها الصراع الحالي ببعدَيْه اليهودي والإسرائيلي:
– مجموعة الحريديم التي تتألّف من المتديّنين المتشدّدين الذين يشكّلون 13 في المئة من الإسرائيليين، ولا يمارسون عملاً سوى دراسة التوراة وقراءة النصوص الدينية. فهم لا يخدمون بالجيش ولا يعملون في المؤسّسات العامّة، ويعيشون على عائدات الدولة ومساعداتها.
– أمّا المدنيون الآخرون فهم الذين يؤدّون الخدمة العسكرية ويدفعون الضرائب.
المجموعة الأولى تقف الآن مع نتانياهو، والمجموعة الثانية تعارضه على خلفيّة تعديل قانون القضاء. التعديل يسحب من مجلس القضاء الأعلى حقّ الطعن بقرارات الحكومة أو مجلس النواب (لا يوجد دستور لإسرائيل). وهو الحقّ الذي يشكّل القاعدة الأساس للديمقراطية في إسرائيل.
تمكّن نتانياهو، زعيم الليكود العلماني، من التحالف مع الحريديم المتديّنين بتطرّف على قاعدة تبادل المصالح: هم يؤمّنون له الأكثرية في الكنيست، وهو يؤمّن لهم مشاريع التهويد والتوسّع الاستيطاني في الضفّة الغربية.
إقرأ أيضاً: دور مسيحيّي لبنان بين باكستان وبنغلادش
تؤكّد هذه الوقائع أنّ المجتمع الفلسطيني مجتمعات، وأنّ المجتمع الإسرائيلي مجتمعات أيضاً، وأنّ أيّ محاولة للتعامل مع “تسوية” الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لن تصل إلى أيّ نتيجة إذا لم تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار.
هكذا حوّلت الصراعات الداخلية والبينيّة فلسطين إلى فلسطينات، وإسرائيل إلى إسرائيلات، الأمر الذي يجعل الأرض المقدّسة مجموعة من البراكين السياسية والدينية المتفجّرة.
