آلينا على أنفسنا في موقع “أساس” منذ التأسيس أن لا نقارب جمعية المقاصد ورئاستها لعدّة أسباب. الأوّل منها أنّها الجمعية الرائدة في العلم والتعليم منذ أكثر من أربعة عشر عقداً، والأهمّ أنّها الجمعية المؤسّسة للاعتدال في المجتمع الإسلامي البيروتي والمناطقي أيضاً. السبب الثاني أنّه مهما شهدنا من تقلّبات وانفعالات رئيسها الجديد، فإنّ في مجلس أمنائها من الأعضاء من يمكن الاعتماد عليهم في تصويب المسار، فإذا بالعكس يحدث ويستمرّ رئيسها باعتماد صفات مرضى دراسته الجامعية وأوّلها الجلافة والعناد، وحين يهدأ يذهب إلى تجارته حاملاً الفأس لتقطيع الخشب، ظنّاً منه أنّ مجلس الأمناء عمود خشب لا بدّ من تقطيعه ليصبح سهل المنال لحامله.
ثلاث قصص
هي ثلاث قصص يمكن أن تختصر شخصية ومنطق فيصل سنّو رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.
القصة الأولى: في حفل تكريم رجل الخير منذ أن كان للخير رجال الحاج نبيه صيداني لتبرّعه بتكاليف إنشاء مبنى حديث إضافي في مدرسة أبي بكر الصدّيق، وقف رئيس الجمعية مهيناً من سبقه من رؤساء الجمعية بحضور اثنين منهم، واصفاً إيّاهم بأنّهم لم يكونوا على قدر المهمّة التي أُوكلت إليهم، متوعّداً الحاضرين بأنّ المقاصد ستخوض الانتخابات النيابية (لم تكن قد جرت بعد)، والانتخابات البلدية والمخاتير أيضاً.
يُجمع البيارتة على فظاظة فيصل سنّو الذي إن تحدّث بالحقّ كان أرعن، وإن أصاب الباطل ارتكب ظلماً. إنّه سوء التعامل مع الناس أو ربّما الطبقية التي تمنعه من الإنصات
لم يهتمّ لذهول الحضور وأكمل كلامه باعتباره الزعيم الذي لا يُشقّ له غبار شعبياً، ناسياً أو متناسياً أنّه يتحدّث في حضرة تاريخ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، متجاهلاً أنّ هذا الاسم الجامع لكلّ المسلمين لا يبحث عن خصومة، بل يسعى إلى الإجماع على الخير في أهل الأمّة والجماعة. فإذا به يفترض أنّ هناك نواباً ومخاتير ورئيس مجلس بلدي للعاصمة مخاصمين للمقاصد الجامعة، ومرشّحين آخرين يؤيّدون الخير والعلم.
عندئذٍ تبيّن أنّ الاستناد إلى “بعض” أعضاء مجلس الأمناء الذين لا “يبصمون” على بياض لم يعد مفيداً.
القصة الثانية: في أواخر نيسان عام 2020، قرّر فيصل سنّو تغيير شعار جمعية المقاصد فارتفعت الأصوات الإسلامية البيروتية معترضة على هذا القرار. إثر ذلك، خرج سنّو ببيان أكّد فيه أنّ المقاصد “ترفع هذا الشعار الذي استوحاه الآباء المؤسّسون من القرآن الكريم في جميع مدارسها ومؤسّساتها الخيرية والاجتماعية وفي جميع مكاتبها العامّة والخاصة، وعلى امتداد الوطن اللبناني”. وأوضح سنّو أنّ “التعديل الذي استُحدث على رسم الشعار يقتصر حصراً على المطبوعات الورقية المتداولة، التي تنتهي دائماً بحكم الواقع إلى سلال المهملات، وهو ما نربأ بأن يكون مصير نصّ الشعار القرآني الذي نجلّ ونقدّس”. وهو أمر كذّبته الوقائع.
توجّه كثيرون إلى دار الفتوى للقاء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يوم الخميس في 7/5/2020 بناء على موعد مسبق. وقد وجّه المفتي دعوة إلى فيصل سنّو لحضور اللقاء، فتحدّث المفتي بداية قائلاً: “بخصوص الشعار محلّ الاعتراض فهو أمر يعود للجمعية، وأنا لم تتمّ استشارتي فيه ولم أعطِ رأيي فيه”، ثمّ استأذن تاركاً القاعة لارتباطه بمواعيد. أخذ الدكتور فيصل سنّو الكلام، رافضاً أيّ نقاش، مسقطاً أدبيات الحوار وواجبات الاحترام للحاضرين، قائلاً: “جمعية المقاصد هي مؤسسة مستقلّة ولا تعمل تحت عباءة أحد ولا تخضع لآراء أحد. قرار تغيير الشعار أخذه مجلس الأمناء ولا تراجع عنه. وهناك تغييرات جذرية قادمة لا تقتصر على الشعار، ولن تلقى قبولاً، لكن سنستمرّ بالعمل على تنفيذها”.
القصة الثالثة: في ذكرى تأسيس المقاصد الـ145 قبل أيام كرّم فيصل سنّو بصفته رئيساً للجمعية عدداً من الرجال المقاصديين المؤسّسين، وخلال الحفل فاجأ الجميع عندما أعلن تكريم نفسه مقدّماً لنفسه درعاً تكريمياً على قاعدة المثل البيروتي “نيال اللي ببوس إيد حالو”. وعاد إلى التوعّد هذه المرّة بالانتخابات البلدية وحدها من غير ذكر الانتخابات النيابية. وبعد يومين أقامت جمعية آل سنّو التي كان يرأسها فيصل قبل تولّيه رئاسة المقاصد حفلاً تكريمياً له مانحةً إياه درعاً تكريمياً آخر.
ربّما يكون فيصل سنّو قد حقّق بعض الإنجازات خلال رئاسته للمقاصد، سواء في ضبط الميزانية الموضوعة أو ربّما في أشياء أخرى
فيصل المتعدّد المواهب
خاطب المولى عزّ وجلّ نبيه الكريم في القرآن الكريم في الآية رقم 159 من سورة آل عمران قائلاً:? وَلَوْ كُنْتَ فَظًّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ?.
ربّما يكون فيصل سنّو قد حقّق بعض الإنجازات خلال رئاسته للمقاصد، سواء في ضبط الميزانية الموضوعة أو ربّما في أشياء أخرى. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: “ما الثمن الذي تكبّدته المقاصد مادّياً ومجتمعياً وكرسالة إسلامية بيروتية من أجل تلك الإنجازات؟”.
بالمقابل، كانت كثيرة النقاط الجدلية الخلافية التي أحدثها فيصل منذ توليه رئاسة المقاصد عام 2018، وكان نائباً للرئيس قبل ذلك:
1- تغيير شعار المقاصد وإسقاط الرمزية الإسلامية للشعار.
2- إلغاء عطلة يوم الجمعة واعتماد السبت عطلة أسبوعية. وتبرير ذلك بالسماح للطلاب بأداء صلاة الجمعة فيما إدارة المقاصد استحدثت نوادي للنشاطات اللامنهجية كالموسيقى والرسم والرقص في وقت الصلاة.
3- إقفال عدد من المدارس المجّانية.
4- وضع اليد على مداخيل المساجد التابعة للمقاصد في بيروت، وهي مداخيل يقدّمها المصلّون المتبرّعون لتلك المساجد.
5- وضع اليد على التبرّعات التي قُدّمت لتوسعة مسجد سليم سلام، وإلغاء المشروع بذريعة أنّ للمقاصد أولويّات أخرى، فالجمعية لا تريد توسعة المسجد، مع أنّ التبرّعات مشروطة بالتوسعة لا غيرها.
6- إقفال مبنى كلّية الدراسات الإسلامية في المصيطبة عام 2018، بعيد تسلّمه الرئاسة، ونقل الإدارة إلى كلّية البنات في الباشورة، بحجّة ترميم المبنى في المصيطبة، وتُركت المكتبة مع مخطوطاتها تتعرّض لعوامل الطقس وتسرّب المياه، من دون عناية، مع أنّها جُمعت من متبرّعين بيارتة. وفي أواخر صيف 2020، نُقلت الإدارة إلى معهد عبد الهادي دبس للإعداد المهني والتقني، بحجّة ترميم كلّية البنات، مع أنّها تتضمّن إدارات أخرى للمقاصد. والآن، تستعدّ كليّة الدراسات الإسلامية للانتقال النهائي إلى معهد التمريض.
7- إسقاط اسم السيّدة عائشة عن المدرسة التي حملت اسمها في منطقة الحرج.
8- إسقاط اسم السيّدة خديجة عن المدرسة التي حملت اسمها في منطقة عائشة بكّار.
9- قمع إضراب الموظفين في مستشفى المقاصد المطالبين بحقوقهم المالية عبر التهديد والوعيد.
بعيداً عن النقاش في الإنجازات أو الإخفاقات، يُجمع البيارتة على فظاظة فيصل سنّو الذي إن تحدّث بالحقّ كان أرعن، وإن أصاب الباطل ارتكب ظلماً. إنّه سوء التعامل مع الناس أو ربّما الطبقية التي تمنعه من الإنصات، فيتقدّم عنده فعل الكلام مهملاً أذنين ومركّزاً على فمٍ واحد. يدّعي الاختصاص في إدارة الجمعية.
فيصل سنّو صاحب الطموح السياسي قد يتمكّن من قمع جمعية آل سنّو كما حصل عندما سعى إلى ترشيح نجله ليخوض انتخابات المجلس النيابي
مشرف على التفليسة
لم تكن جمعية المقاصد عندما تسلّمها فيصل سنّو، وهو كما أشرنا كان شريكاً بالمرحلة السابقة كنائب للرئيس، بحاجة إلى مشرف على التفليسة، أو إلى رئيس ينقلها من صفة الخيرية إلى صفة المؤسّسة الربحية على حساب رموز الذين أرسوها. فالعادة عند البيارتة في مقاصدهم أن يتقدّم إلى رئاسة الجمعية من يكون مقتدراً أو قادراً على سدّ عجزها المالي، أو أن يكون صاحب موهبة في التواصل مع المتبرّعين من اللبنانيين والعرب، ومن الأفراد والدول والجمعيات. أمّا من يفتقر إلى هاتين الصفتين فقد يكون مخوّلاً تبوّؤ منصب محاسب أو أمين صندوق في الجمعية، لكن من المؤكّد ليس موقع رئيسها.
فيصل سنّو صاحب الطموح السياسي قد يتمكّن من قمع جمعية آل سنّو كما حصل عندما سعى إلى ترشيح نجله ليخوض انتخابات المجلس النيابي، وقد يتمكّن من قمع الموظفين بالتهديد بالفصل أو ببلطجية مرافقي أحد المحامين، لكنه ليس بقادر على قمع البيارتة والمسلمين. فالمقاصد ليست جمعية بالنسبة لهم وحسب، بل هي أشبه بالسيّدة خديجة أمّاً للمؤمنين. إنّها جمعية أغصانها تعانق السماء وجذورها ضاربة في أعماق الأرض، باقية للهدف الذي أُسّست من أجله، وهو رعاية وتعليم الفقراء من البيارتة والمسلمين.
إقرأ أيضاً: حكايتي مع المقاصد: روح المدينة
على أهل الحكمة من ساسة وشخصيات ورجال دين أن يتحرّكوا سريعاً لوأد فتنة فيصل. فظاظته وسوء إدارته توجبان عليه الرحيل كي ننقذه من غضب البيارتة والمسلمين.
خاتمة مباركة
في الختام لا بدّ من توجيه التحية والتقدير لأمين الفتوى الشيخ الدكتور أمين الكردي على موقفه الجسور من أزمة المقاصد مع فيصل سنّو. الكلمات التي نطق بها في مسجد محمد الأمين بحضور حشد من العلماء والمفتين والمؤمنين نطقت بلسان كلّ البيارتة واللبنانيين.
وللحديث صلة..