لن تكون زيارة الوفد القضائي الأوروبي الثانية للبنان عاديّة. الأدقّ القول إنّها ستدخل التاريخ مع مثول أول حاكم لمصرف لبنان في تاريخ الحاكمية اليوم أمام القضاء الأوروبي من خلال القاضية الفرنسية Aude Buresi لاستجواب رياض سلامة في قضايا اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع بإشراف و”إدارة” قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبي سمرا.
تحقيقان منفصلان
الجلسة “الأوروبية” قطعت الطريق مؤقّتاً أمام محطة أساسية في تحقيق القاضي أبو سمرا الذي كان حدّد في 6 آذار جلسة لاستجواب سلامة في 15 آذار، وذلك بُعيد ادّعاء المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش في 23 شباط الماضي على سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وكلّ من يظهره التحقيق بتهمة جرائم اختلاس وتبييض أموال وتهرّب ضريبي وإثراء غير مشروع وتزوير، ثمّ إحالته الملف إلى قاضي التحقيق.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ بإمكان القاضية الفرنسية التي ستستجوب سلامة اليوم عبر القاضي أبو سمرا الادّعاء عليه استناداً إلى أقواله ومقارنتها بالوقائع الموجودة في الملف
هنا تتضارب الآراء حول علم أو عدم عِلم القاضي أبو سمرا بتحديد القاضية الفرنسية جلسة للاستماع إلى سلامة في اليوم نفسه الذي حدّده أو أنّ هذا التزامن كان مقصوداً و”مطلوباً”، مع ترجيح الفرضيّة الثانية. مع العلم أنّ التحقيق الأوروبي مُنفصل عن مسار التحقيق اللبناني مع سلامة، ويشكّل امتداداً طبيعياً للتحقيقات المفتوحة ضدّ رياض سلامة في سويسرا ولوكسمبورغ وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا، لكنّه ينطلق من “مضبطة اتّهامية” واحدة في شأن تحويل أكثر من 330 مليون دولار عبر شركة Forry المملوكة من رجا سلامة والتي بقي حسابها المصرفي مفتوحاً من عام 2001 حتى عام 2016، إلى حسابات في مصارف سويسرية.
مسار تمويهيّ
وفق معلومات “أساس” وصل الوفد القضائي الأوروبي إلى مطار بيروت يوم الإثنين، وسبقه وفد تقني مُساعِد وسط إجراءات أمنية ومسار تمويهي وسرّي في الانتقال بين المناطق. يتردّد هنا أنّ مهمّة الوفد التقني جمع المزيد من المستندات والداتا، ومنها كشوفات مصرفية لسلامة وآخرين. وسترافق وصول ومكوث سلامة خلال استجوابه في قصر عدل بيروت إجراءات أمنيّة استثنائية.
بحسب أجندة الوفد الأوروبي سيتمّ الاستماع في جلسات لاحقة لرجا سلامة وماريان الحويك وموظفين سابقين وحاليين في مصرف لبنان ومديري مصارف وشخصيات مالية وسياسية، ومن ضمنها أحد أقرباء مرجعية حكومية يقف حالياً سدّاً منيعاً أمام المسّ بـ”الحاكم”. وفق المعلومات، تسلّم أبو سمرا لائحة بأسماء المطلوب استجوابهم أوروبياً من خلال استنابة قضائية وصلته من مدّعي عام التمييز غسان عويدات.
وفيما رفض نبيل عون الخبير في سوق شركات “الوساطة المالية” والصناديق الاستثمارية مواجهة القضاة الأوروبيين لدى قدومهم إلى بيروت في كانون الثاني الماضي متذرّعاً بوجوده خارج لبنان، فإنّ “الرجل الغامض” الذي يُقال أنّه المفتاح لأسرار كثيرة لا يزال على لائحة المطلوب استجوابهم كمشتبه به وليس كشاهد كما تؤكّد معطيات “أساس”. وهو الأمر الذي سبق أن لمّح إليه قاضٍ بارز في حديثٍ إلى محطة أجنبية.
وفق معلومات “أساس” وصل الوفد القضائي الأوروبي إلى مطار بيروت يوم الإثنين، وسبقه وفد تقني مُساعِد وسط إجراءات أمنية ومسار تمويهي وسرّي في الانتقال بين المناطق
فنزويلا لبنانيّة
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ بإمكان القاضية الفرنسية التي ستستجوب سلامة اليوم عبر القاضي أبو سمرا الادّعاء عليه استناداً إلى أقواله ومقارنتها بالوقائع الموجودة في الملف. وبدا لافتاً في السياق نفسه إعلان هيئة مراقبة السوق المالية السويسرية FINMA في 27 شباط الماضي قيامها بتدقيقٍ شَمل 12 مصرفاً للتحقّق من تهم غسل الأموال المرتبطة بقضية سلامة.
الحاكم الذي جُمّدت أمواله في العديد من الدول الأوروبية ولا يستطيع التصرّف بيورو واحد منها سيتمّم “يوبيل” الـ 30 عاماً في حاكمية مصرف لبنان في تموز المقبل. الرجل بات مُحاصَراً بالكامل داخلياً وخارجياً فيما سياساته و”تعاميمه” ما زالت تُؤجّج الساحة الداخلية. يقرأ فيها البعض لجماً لِما هو أسوأ بكثير، كأن نصل إلى “فنزويلا لبنانية”.
الأوروبيّون في قصر العدل
في المحصّلة، ما تزال الطبقة السياسية تحمي “الحاكِم” الذي غذّى شرايينها المهترئة على مدى عقود بسياسات قادت البلد النائم على بلوكات نفطية نحو أسوأ الانهيارات المالية في تاريخ العالم الحديث. هي تراهن على بقائه حتى آخر لحظة من ولايته الممدّدة، وحتى ذلك تكبُر الملاحقة القانونية له أكثر فأكثر.
قاد المحامي العام المالي القاضي جان طنّوس (الذي قدّم استقالته لاحقاً من القضاء) المواجهة الأجرأ في تاريخ القضاء بوجه رياض سلامة حيث فنّد في التحقيق المالي الذي أجراه، والذي استوجب مثول سلامة أمامه، تفاصيل وملابسات توقيع مصرف لبنان في 6 نيسان 2002 عقداً مع شركة Forry للعمل كوكيل لبيع “منتجات” المصرف المالية من سندات اليوروبوندز وسندات الدين بالليرة وشهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان، وتقاضي الشركة عمولات وصلت إلى 0.375% عن كلّ العمليات المالية، كما تطرّق التحقيق إلى مسؤولية المجلس المركزي وآلية تحاويل مصرف لبنان إلى الخارج.
إقرأ أيضاً: بكركي تتلقّف “اتّفاق بكّين”: مبادرة فاتيكانيّة… للرئاسة
حوّل مدّعي عام التمييز الملفّ إلى القاضي زياد أبو حيدر طالباً الادّعاء على سلامة، لكنّ الأخير تخاذل وهرب، فانتقل الملف بعدها إلى القاضي حاموش الذي مهّد بادّعائه على سلامة لأن يحدّد القاضي أبو سمرا أول جلسة استجواب لسلامة في 15 آذار. لكنّ الأوروبيين “سَبقونا” إلى قصر عدل بيروت.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@