“الحزب” أمّي… وميشال عون أبي!

مدة القراءة 3 د

في كلّ مرّة أفتح جهاز التلفزيون مساءً لأشاهد نشرات الأخبار وأسمع التقارير والتحليلات التي تضجّ وتتحدّث عن الاستحقاق الرئاسي وقرب نهاية عهد فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون الميمون، واحتمالات الفراغ في سدّة الرئاسة (علوّاه)، وعن ضرورة التوافق، ثمّ التوافق، ثمّ التوافق الذي يصمّ حزب الله آذاننا به ليل نهار، أبتسم في سرّي. أضحك وأتقهقه، مستذكراً حادثة مرّت معي أيام الصبا، أيام ما كنت تلميذاً أرعن في مدرسة “البرّ والإحسان” في الطريق الجديدة، تلك المدرسة التي خرّجت أجيالاً وزعامات كبرى في بيروت.

لقد عدت إلى البيت ذات يوم ومعي الشهادة المدرسية، وكنت راسباً بامتياز. علاماتي كانت تحاكي درجات الحرارة في أقاصي سيبيريا صيفاً. عدت يومذاك واستقبلني الوالد (رحمه الله) وكان وحيداً في المنزل من حظّي النحس، بينما أمّي (رحمها الله هي الأخرى) كانت خارج المنزل تحتسي فنجان قهوة مُرّة كمرورة “العهد القوي”، في ضيافة جارتنا أمّ محمود في الشقّة المقابلة.

ما إن دخلت حتى رأى السيّد الوالد شهادة تتأرجح بين يديّ، فانتزعها منّي… وعيونك ما تشوف إلا النور. لم يترك عصاً ولا خيزرانة ولا مشّاية بلاستيك من صنف “زنّوبا” أمّ إصبع، إلّا وجعلها تُقبّلُ أطرافي يمنة ويسرى… حتى سمع جيران المبنى صراخي، فهبّت أمي مسرعة من عند الجيران، حتى تخلّص ضناها من بين يديه. دخَلَت ورأت السيّد الوالد ينهال عليّ بضرب مبرح، يشبه ضرب عناصر النظام السوري لثائرٍ ألقوا القبض عليه. فركضت المسكينة صوبه تصرخ هي الأخرى وقالت له: “اتركو… اتركو، وعدني ما بقا يدخّن”… كلمة السرّ هذه جعلت الكفّ كفّين، والمشّاية مشّايتين، والشلّوط شلّوطين (الشلّوط هو “اللبطة” بالبيروتي العتيق)… رزق الله.

يصوّر لنا حزب الله “رئيسه” التوافقي، وكأنّه سيأتينا على حصان أبيض لينتشلنا من واحدة من بين أعظم الأزمات الاقتصادية في التاريخ

في الاستحقاق الرئاسي يتقمّض حزب الله دور أمّي، فيخبرنا زخرف القول عن جمال التوافق وروعة الرئيس التوافقي المفترَض، وليس أيّ توافق، وإنّما توافق بما يرضيه، بينما خياراته تشبه علاماتي في المدرسة وتشبه رواية أمّي عن “التدخين”.

يصوّر لنا حزب الله “رئيسه” التوافقي، وكأنّه سيأتينا على حصان أبيض لينتشلنا من واحدة من بين أعظم الأزمات الاقتصادية في التاريخ، بينما المنطق يفترض أن يتقدّم الحزب لكلّ اللبنانيين باعتذار وأن “يبَوس التوبة”، لإصراره الخاطىء وتمسّكه غير المسؤول بعون قبل 6 سنوات.

أمّا الرئيس عون فهو الآخر مثل أبي لم يكفِه الذي أوصلنا إليه من ضرب مبرح استخدم فيه لكمات وصدمات (انفجار المرفأ، انهيار المصارف، كورونا، كوليرا… لم يبقَ إلا السلاح النووي لم نرَه في عهده)، بل عرض علينا “خدمات عائلية” إضافية، موصياً إيّانا بصهره من بعده، وإن لم يكن في الرئاسة ففي الحكومة عبر ثلث معطّل (طب دبرولنا إياه بالحكومة، الصبي شاطر وبيعجبكم).

إقرأ أيضاً: مضاعفات كورونا “ما بعد العهد” أقوى

إذا ربطنا “عصفورية” التوافق بسلوك الحزب والعهد القويّ نخرج باستنتاج بسيط: حزب الله أمّي التي أرادت أن “تكحّلها فعمتها”، بينما عون تقمّص دور أبي في تلك اللحظة، فلم يشبع من ضربنا وقال مثلما قالت جهنّم التي وعدنا بها: هل من مزيد؟

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…