التحولات في لعبة الأمم.. حرب أوكرانيا لعبة أطفال

مدة القراءة 5 د

تدور لعبة الأمم حول ثلاثة محاور متداخلة. المحور الأوّل هو أوكرانيا في أوروبا. والمحور الثاني هو أفغانستان في آسيا. أمّا المحور الثالث فهو تايوان في بحر الصين. السؤال الذي تطرحه هذه اللعبة في الوقت الحاضر هو: لماذا صمد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وجه القوات الروسية التي اقتحمت بلاده، وسارع الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى الهرب من البلاد وطلب اللجوء السياسي فور بدء هجوم طالبان على كابول؟

ترتبط محاولة الإجابة على هذا السؤال بمحاولة الإجابة على سؤال آخر، وهو: لماذا تزعّمت الولايات المتحدة حركة استنهاض دول حلف شمال الأطلسي دعماً لأوكرانيا سياسياً وعسكرياً وماليّاً وإعلامياً، بينما سارعت إلى الانسحاب من كابول انسحاب المنهزم؟ وهل تتحمّل انسحاباً انهزامياً ثانياً من تايوان؟

حاول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير خارجيّته أن يلعب على حبال الخلافات الصينية – السوفياتية. ونجح في مدّ جسر من التعاون بين واشنطن وبكين للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية

ولماذا استرجعت الصين من بريطانيا مقاطعة هونغ كونغ من دون ضربة كفّ، فيما يهدّد استرجاع تايوان من هيمنة واشنطن بنشوب حرب صينية – أميركية تضع العالم كلّه في كفّ العفريت النووي؟

وهل تقبل الصين، التي أعلنت عن نفسها وبواقعيّة دولة كبرى اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً، أن تبقى ذراعها ملويّة في تايوان التي تعتبرها جزءاً من الوطن الأمّ؟

عض الأصابع في الشرق الأقصى

تستمرّ لعبة عضّ الأصابع بين بكين وواشنطن، وهدف كلّ منهما الهيمنة على منطقة الشرق الأقصى. فإذا خرجت الولايات المتحدة مذلولة من تايوان كما خرجت في الستينيّات من القرن العشرين مهزومة من فيتنام (أو كما خرجت أخيراً من أفغانستان)، فإنّ معنى ذلك أنّ دول المنطقة بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية والفليبين وماليزيا وجنوباً حتى أستراليا، سوف تفقد الثقة بالحليف الأميركي الاستراتيجي، وسوف تضطرّ إلى إعادة النظر في علاقاتها الدولية على أساس التعامل مع الواقع الجديد.. أو مع السيّد الجديد: الصين!!

هناك مسألة كوريا الشمالية المتمرّدة منذ الخمسينيّات من القرن العشرين (الحرب الكورية) على الهيمنة الأميركية، والتي أصبحت الآن قوّة نووية – صاروخية بعيدة المدى يُحسب لها ألف حساب. فأيّ انتكاسة أو تراجع أو هزيمة تلحق بالولايات المتحدة في المنطقة لا بدّ أن يترتّب على ذلك انطلاق المارد الكوري الشمالي من القمقم الذي يكاد يختنق فيه. ولا يبدو أنّ المناورات العسكرية الأميركية مع كوريا الجنوبية قادرة على تغيير هذا الواقع أو حتى على ليّ ذراع كوريا الشمالية.

الصين فوق حقل ألغام

من أجل ذلك ترفع الولايات المتحدة الصوت عالياً عبر تايوان وتترجم ذلك، إلى جانب الاستعراضات السياسية والزيارات الرسمية الاستفزازية للصين، بتعزيز التحالف العسكري (على شاكلة حلف شمال الأطلسي) بين دول المنطقة، وبحشد المزيد من القوات البحريّة والجويّة.

كانت الصين تتحدّث عن “طريق الحرير”. أصبحت الآن مضطرّة إلى السير فوق طريق مزروع بالألغام القابلة للانفجار برّاً وبحراً، وأوّل لغم يمكن أن ينفجر في طريق العلاقات الصينية – الأميركية هو: تايوان.

تستمرّ لعبة عضّ الأصابع بين بكين وواشنطن، وهدف كلّ منهما الهيمنة على منطقة الشرق الأقصى

تتداخل وقائع اليوم بذكريات الأمس. وهي ذكريات مؤلمة ومشحونة بالكراهية. فاليابان احتلّت كلّاً من كوريا والفليبين، حتى قبل الحرب العالمية الثانية. ولا يجمعها اليوم بهما سوى الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى التي تفرض وتستند إلى قاعدة تحالف الثلاثة. ولكنّه تحالف إكراهيّ وليس تحالفاً اختيارياً. احتلّت اليابان أيضاً أجزاء واسعة من الصين وأقامت فيها دولة – مملكة تابعة لها.

يزيد الأمر تعقيداً استمرار الصراع الياباني – الروسي على الجزر اليابانيّة التي احتلّتها روسيا في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. تقول طوكيو إنّ الاحتلال جرى حتى بعد استسلام اليابان.

واشنطن توظف “الخوف” من بكين

تلقي هذه الصور المشوّشة للعلاقات بين دول شرق آسيا الضوء على تشابك هذه العلاقات غير الودّيّة بين دول المنطقة، والتي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الثقة للتحالف تحت المظلّة الأميركية. ومن هنا الرهان الصيني. غير أنّ هذا الرهان لا يبدو ورقة رابحة بيد بكين لأنّ كلّ هذه الدول يجمعها عامل مشترك أساسيّ، وهو عدم الثقة بالصين والخوف من طموحاتها “الحريريّة”.

توظّف الولايات المتّحدة هذا “الخوف المشترك” في صراعها مع الصين الذي تحوّل من تنافس اقتصادي إلى تنافس سياسي، وتحاول أن تجعل من هذا الخوف قاعدة وأساساً لتحالف عسكري إقليمي يمتدّ حتى أستراليا جنوباً ويكون شبيهاً بحلف شمال الأطلسي.

تدفع هذه التطوّرات بالعلاقات بين بكين وموسكو إلى مزيد من التفاهم على قاعدة المصالح المشتركة في مواجهة العدوّ المشترك.

إقرأ أيضاً: العالم يتغير والالكترونيات تتحكم

حاول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير خارجيّته هنري كيسنجر أن يلعب على حبال الخلافات الصينية – السوفياتية. ونجح في مدّ جسر من التعاون بين واشنطن وبكين للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. يومذاك اعتُبر هذا النجاح أوّل انقلاب جوهري في لعبة الأمم في ظلّ الحرب الباردة. صحيح أنّ الصين في ذلك الوقت كانت أقلّ تقدّماً علميّاً وعسكرياً وأقلّ قوّة اقتصادياً وسياسياً، إلا أنّها كانت رقماً صعباً في المعادلة الدولية. الآن هي رقم أصعب وأهمّ. مع ذلك تدير الإدارة الأميركية ظهرها للصين لمصلحة تايوان، ليس حبّاً بالتايوانيّين، لكن رغبةً في ابتزاز بكين. حتى الآن لم تؤدِّ هذه الدبلوماسية إلا إلى دفع بكين وموسكو نحو المزيد من التعاون. حتى إذا بلغ هذا التعاون مستوى التحالف فإنّ لعبة الأمم تدخل مرحلة متقدّمة من المواجهة بين المعسكرَيْن. لا أحد يتمنّى ذلك أو يرغب فيه. ولكن إذا حدث فإنّ الحرب في أوكرانيا ستبدو على خطورتها لعبة أطفال.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…