ترتفع حماوة الإستحقاق الرئاسي. لكن ما يجري حتّى اللحظة يُنبىء بتداخل بين ساعٍ إلى ترشيح نفسه، وآخر يجهد لتبنيه من هذا التكتل أو ذاك. حراك تلاحقه قوى عديدة لم تتفق بعد على إسم مرشح ولاعلى برنامج عمل واحد. والإجتماعات العديدة التي عقدت في هذا السياق وأبلغها دلالة كان في مجلس النواب، تأتي بمواجهة زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي يحوز عملياً كُتلة أصلب سياسياً، حتّى مع تحييد “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل وكتلته.
في الشكل يضمن سليمان فرنجية عدد الأصوات التي ستجعله يدخل قصر بعبدا على الرغم من محاذير عدم انتخابه من الكتلتين المسيحيّتين الكبريَيْن. وحزب الله يجهد في تأمين الأصوات له، على خطّ موازْ مع محاولة إقناع باسيل. فيما يبدو الفريق الآخر، خصم حزب الله، متخبّطاً ومتعثّراً وعاجزاً في البحث والاتفاق على اسم.
محاولات “المعارضة”
كيف يبدو مشهد القوى المقابلة لحزب الله؟
كان اجتماع عدد من نواب المعارضة في مجلس النواب في الأسبوع الماضي لافتاً من حيث هويّة المشاركين فيه من أجل التوافق على مرشّح للرئاسة. وقد غاب عن الاجتماع عدد من النواب التغييريين، لغياب التوافق حتّى على جدول الأعمال.
قد يكون جنبلاط فاجأ البعض ولم يفاجئ البعض الآخر في تصريحه الأخير ولقائه مسؤولين من حزب الله، لكنّه لم يستفزّ حلفاءه الذين قرأوا في خطوته “إمساكاً للعصا من النصف وليس استدارة”
لعلّ أكثر التوصيفات دقّةً لهذه المجموعة الجديدة من النواب أنّهم بحاجة إلى تفكير عميق للاتفاق على أيّ تفصيل، فكيف بالحري الاتفاق على الرئاسة، سواء من حيث اسم مرشّح أو برنامجه الانتخابي أو مواصفاته أو حتّى إمكانية تعطيل جلسة انتخاب رئيس محسوب على حزب الله.
تكشف أوساط الاجتماع أنّه لم يكن يتعلّق برئاسة الجمهورية بل بإمكانية التوافق على قوانين تشريعية لتشكيل جبهة واحدة في مجلس النواب. أمّا الرئاسة فيقول النواب الجدد إنّهم بصدد عقد اجتماع آخر للبحث في شأنها. لكنّ الأكيد أنّ مجلس النواب سيتحوّل إلى هيئة ناخبة خلال شهرين، وبالتالي فإنّ الاجتماع لبحث “التشريع” دونه “الانتخاب” الذي يسبقه في الأولوية وفي الواقع.
وتلفت أوساط مواكبة للاجتماع إلى حساباتٍ مختلفة يحملّها كلّ من المجتمعين. فميشال معوّض يحاول فرض اسمه مرشّحاً رئاسياً. ونعمت إفرام يريد تسويق اسمه داخل مجموعة من النواب قد تحمل اسمه رئيساً توافقيّاً لاحقاً. وسامي الجميل لا مكان له سوى بين هؤلاء. وأشرف ريفي يفضّل أن يكون مع معوّض في توازن قوى شمالي بينهما على أن يكون أضعف في ميزان أيّ تحالف مع سمير جعجع، والتغييريون يبحثون عن “حلفاء” في معركة الرئاسة، لئلا يصيبهم ما أصابهم في انتخابات نائب رئيس مجلس النواب واللجان النيابية.
رياشي على خطّ “التجميع”
غير أنّ هذه الأجندات المختلفة تبقى طبيعية، بحسب المصادر المطّلعة، قبل حصول أيّ اتّفاق. وفي المعلومات أنّ نائب القوات ملحم الرياشي، بصدد لقاءات مع بولا يعقوبيان وملحم خلف بعد مارك ضو لخلق نقاش حقيقي حول مرشّح للرئاسة يتّفق عليه المعارضون لمرشح حزب الله، تحت عنوان: هل نريد رئيساً يفتتح حلّ الأزمة اللبنانية أم نريد رئيساً يدير الأزمة؟
في ما يتعلّق بالخلافات التي برزت داخل اجتماع المعارضة في مجلس النواب، والتي تمثّلت في عدم حضور يعقوبيان لـ”عدم نضوج الهدف من اللقاء”، يسعى العاملون على خطّ تقريب وجهات النظر بين القوات والحزب التقدمي الإشتراكي ونواب المجتمع المدني إلى حلّها.
قد يكون جنبلاط فاجأ البعض ولم يفاجئ البعض الآخر في تصريحه الأخير ولقائه مسؤولين من حزب الله، لكنّه لم يستفزّ حلفاءه الذين قرأوا في خطوته “إمساكاً للعصا من النصف وليس استدارة”. فبحسب حلفائه، وبحسب كلامه للتلفزيون الأردني، لم يخرج من دوره السيادي، بل يحاول أن يعود إلى الوسط فيميل مع الرياح من دون أن يذهب إلى حزب الله. فهو قال بالحرف: أنّ “أيّ رئيس سيأتي يجب عليه أن يضع برنامج في كيفية الحوار مع حزب الله ووضع أولوية لاحقاً كيف تستطيع الدولة أن تستوعب سلاح الحزب ضمن الهيكلية الدفاعية للدولة اللبنانية، هذا هو برنامج الرئيس الى جانب النقاط الأخرى التي تحدثت عنها الاقتصادية الاجتماعية…”. وهذه نقطة لم ينتبه إليها كثيرون ممن اعتقدوا أنّ جنبلاط “استدار هذه المرّة”.
إقرأ أيضاً: السعودية تفتح ملف الرئاسة.. هل استعجل جنبلاط؟
من جهة أخرى، تنتظر محاولات التوافق بين المعارضة المقبلة على اجتماعات مكثّفة حراكاً عربياً وخليجياً جدّيّاً باتجاه لبنان لأنّ غياب هذا الحراك سيجعل طريق فرنجية إلى الرئاسة سهلة.
وفي المعلومات أنّ جهات خليجية وعربية بصدد القيام بخطوة تجاه القوى السنّيّة في لبنان. فهل يكون ذلك لتصويب الاتّجاه الرئاسي صوب فرنجية؟ أو تكريساً لتسوية مع حزب الله؟ الجواب في الأيام المقبلة رهن بالتطوّرات الإقليمية وبقدرة القوى اللبنانية على التوافق.