قرّر الموساد أخيراً أن يفصح عما سمّاها “نتائج التحقيق في الهجمات على أهداف إسرائيلية ويهودية في بيونيس آيريس في الأرجنتين في التسعينيّات”. وادّعى أنّ “حزب الله هو المسؤول، من دون مساعدة مسؤولين أرجنتينيّين أو عملاء إيرانيّين”.
بحسب تحقيق الموساد الذي نشرته “نيويورك تايمز”، فإنّ الهجومين قادهما المسؤول في الحزب عماد مغنية، وأنّ المُنفّذين لا يزالون على قيد الحياة ويقيمون في لبنان، وأنّ أيّاً منهم لم يتمّ تقديمه للعدالة أبداً. وصدرت “إخطارات حمراء” من الإنتربول ضدّ شخصين متّهمين بالهجومين، تمّ تحديدهما في تحقيق الموساد على أنّهما من عناصر حزب الله ، وشخص ثالث مطلوب من قبل الولايات المتحدة “في حين قتل في عملية إسرائيلية وأميركية مشتركة عام 2008″، بحسب التقرير.
الهجوم الأوّل في 1992 استهدف تفجير السفارة الإسرائيلية وقتل 29 شخصاً. والهجوم الثاني في 1994 استهدف مركزاً للجالية اليهودية، وقتل 86 شخصاً، بمن فيهم المفجّر.
حدّد التحقيق أسماء المشاركين في العمليات، وتفاصيل تتّصل بجوازات السفر المزوّرة والوثائق الأخرى المستخدَمة
وبحسب تحقيق الموساد فإنّ “حزب الله نفّذ الهجمات انتقاماً للعمليات الإسرائيلية ضدّ الميليشيات الشيعية في لبنان، مستخدماً البنية التحتية السرّية التي شُيّدت على مدى سنوات في بوينس آيرس ومواقع أخرى في أميركا الجنوبية للتخطيط لهجمات”. وبحسب “نيويورك تايمز” فإنّ “حزب الله، الذي تفوّق عليه الجيش الإسرائيلي في لبنان بالمعنى التقليدي، بدأ ببناء وحدات سرّية حول العالم لتوسيع نفوذه ومهاجمة أهداف إسرائيلية أو يهودية. بدءاً من عام 1988، أرسل الحزب عملاء إلى عدّة دول في أميركا الجنوبية لاكتساب خبرة، ومكّنهم من فتح أعمال تجارية مشروعة، ومنحهم غطاء تجارياً قويّاً للتنقّل بين الدول المختلفة”.
طلال حمية.. وطائرة بنما
في 16 شباط 1992، اغتالت إسرائيل زعيم حزب الله الشيخ عباس الموسوي. بعد ذلك الهجوم، وفقاً للموساد، أرسل حزب الله الناشط البارز حسن كركي، بجواز سفر برازيلي مزوّر، إلى بوينس آيرس، حيث اشترى الشاحنة المستخدمة في هجوم السفارة. ووصل نائب قائد وحدة عمليات حزب الله طلال حميّة إلى المدينة، حيث التقى بمحمد نور الدين، وهو لبناني يبلغ من العمر 24 عاماً كان قد هاجر إلى البرازيل قبل سنوات قليلة ووافق على أن يكون الانتحاري المفجِّر. غادر حميّة الأرجنتين قبل يوم من الهجوم الذي فجّر فيه نورالدين نفسه. وغادر أيضاً جميع عناصر حزب الله الآخرين البلاد، وفقاً لتقرير الموساد، الذي وصف محادثات هاتفية بين مغنية وجماعته. في عام 2017، عرضت وزارة الخارجية الأميركية ما يصل إلى 7 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدّي إلى معرفة موقع حمية أو اعتقاله أو إدانته.
أضاف التقرير: “واصلت إسرائيل مهاجمة حزب الله في لبنان. في 2 حزيران 1994، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي معسكراً لحزب الله، وأسفر عن مقتل 50 شخصاً وإصابة 50 آخرين”. وتوعّدت إذاعات حزب الله “بردّ شامل على جميع المستويات”. وبعد شهر، في 18 تموز 1994 تمّ الهجوم على مركز الجالية اليهودية في بوينس آيرس. وبحسب تحقيق الموساد، فإنّ عناصر حزب الله المسؤولين عن تفجير المركز المجتمعي كانوا هم أنفسهم وراء إسقاط طائرة بنميّة في اليوم التالي، متسبّبين بمقتل 21 راكباً، من بينهم 12 من قادة الجالية اليهودية في بنما.
كشف التحقيق عن إخفاقات من جانب الموساد، الذي لم يكن لديه إنذار مسبق بالهجمات. وبحسب تقرير “نيويورك تايمز”، “اعترف رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق الميجور جنرال أوري ساجي، الذي أوصى باغتيال السيد الموسوي، في مقابلة أُجريت عام 2016، بأنّ إسرائيل فشلت في توقّع التهديد”. وأفادت استنتاجات الموساد أنّ مثل هذه الإخفاقات كانت “تشجيعاً كبيراً جدّاً” لحزب الله.
كشف التحقيق عن إخفاقات من جانب الموساد، الذي لم يكن لديه إنذار مسبق بالهجمات
فشل بانكوك.. والسفارة الإيرانية
في آذار 1994، خطّط الحزب أيضاً لعملية انتحارية في بانكوك، لكنّ الانتحاري تخلّى عن المهمّة. وتلقّى رئيس الموساد في ذلك الوقت، شبتاي شافيت، تحذيراً من قبل مسؤول كبير في وكالة المخابرات، من وجود خطر جدّيّ من هجوم آخر على يهود أو إسرائيليين في أميركا الجنوبية، وخاصة في الأرجنتين. وقال مسؤولون أمنيّون إسرائيليون كانوا يخدمون في ذلك الوقت إنّ شافيت يعتقد أنّ العملية نفّذتها إيران، وليس حزب الله فقط، وأمر بمراقبة السفارة الإيرانية في بوينس آيرس، التي لم تُظهر أيّ نشاط غير عاديّ.
في شأن تورّط إيران، استشهد الموساد بما خلص إليه المدّعي العامّ الأرجنتيني ألبرتو نيسمان من أنّ طهران وافقت على الهجومين، لكن من دون إضافة تفاصيل. وأشار إلى أنّ الإنتربول، “بناءً على طلب نيسمان في عام 2007، أصدر إخطارات حمراء ضدّ كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم أحمد وحيدي، وزير الداخلية الإيراني الحالي”. وأشار تقرير “نيويورك تايمز” الى أنّه “تمّ العثور على نيسمان ميتاً في عام 2015 بعدما أعلن أنّه ينوي مقاضاة رئيس الأرجنتين ووزير الخارجية لعقد صفقة غير قانونية مع إيران. وبقيت ظروف وفاته غامضة”.
أضافت “نيويورك تايمز”: “كان للاعتداءات تداعيات مهمّة في الأرجنتين، حيث حوكم بعض المسؤولين عن التحقيق بتهمة عرقلة التحقيق، وكذلك بعض كبار السياسيّين المتّهمين بالتورّط. ولطالما اتّهمت الأرجنتين وإسرائيل والولايات المتحدة مسؤولي السفارة الإيرانية في بوينس آيرس بالمساعدة المادّية والتنظيمية. ونفت طهران مراراً هذه المزاعم. ومع ذلك خلُص تحقيق الموساد إلى أنّ إيران لم تشارك في تنفيذ الهجمات أو في تقديم المساعدة”.
ولم تردّ وزارة الخارجية الأرجنتينية على طلبات “نيويورك تايمز” للتعليق على النتائج. ونقلت الصحيفة عن سيباستيان باسو، رئيس وحدة التحقيق الأرجنتينية التي تنظر في هجوم المركز المجتمعي، قوله إنّ إيران “كانت المؤلّف الفكري للعملية”، مشيراً إلى أنّ “هناك أدلّة كافية تتعلّق بكبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية تتطلّب منهم تقديم تفسيرات”.
علب الشامبو والشوكولا
“نيويورك تايمز” أوردت وصفاً تفصيليّاً لكيفية التخطيط للهجمات، بما في ذلك كيفيّة تهريب الموادّ الخاصّة بالمتفجّرات إلى الأرجنتين في زجاجات الشامبو وعلب الشوكولاتة، على متن رحلات تجارية من عدّة دول أوروبية بغطاء شركة تجارية تُستخدم لتغطية عمليات حزب الله في أميركا الجنوبية.
إقرأ أيضاً: كوماندوس إسرائيلي فجّر مخزناً لمسيّرات الحزب
حدّد التحقيق أسماء المشاركين في العمليات، وتفاصيل تتّصل بجوازات السفر المزوّرة والوثائق الأخرى المستخدَمة، وكيف قاموا بجمع معلومات استخبارية حول أمن الحدود، وإنشاء شركات لتغطية عمليّاتهم، وتحديد الأهداف التي شملت السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس.
واستند الموساد في استنتاجاته إلى معلومات من العملاء، ومن استجواب المشتبه بهم، ومن المراقبة والتنصّت. وتمّ تأكيد نتائج التقارير الداخلية في مقابلات أُجريت هذا الشهر مع خمسة من كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في الموساد.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا