الحرب في أوكرانيا لم تدمّر دولة أوروبيّة وحسب، بل دمّرت كثيراً من مفهوم العقلانية السياسية، وبتنا في ورطة حرب دعائية تشكّكنا في طرح بعض المسؤولين الغربيّين والأميركيين السابقين، أو مَن هم على رأس العمل الآن.
باتت تشكّكنا في موثوقيّة ما يطرحه بعض الكتّاب الغربيين، أو مراكز الأبحاث الغربية. دعونا نناقش هنا فكرة تُطرَح في الحرب الروسية على أوكرانيا على سبيل المثال. معظم المسؤولين الغربيين، والأميركيين أيضاً، يتحدّثون الآن عن ضعف قدرات الجيش الروسي، وكيف أنّ الرئيس بوتين أخطأ التقدير عندما اعتقد أنّ العاصمة الأوكرانية كييف ستسقط في يومين، وعن ضعف الإمداد، وغير ذلك. وهنا قد يقول قائل: أين الدعاية في ذلك؟ سأجيب على هذا السؤال بسؤال.
أيّهما أهمّ، الحفاظ على دولة أوروبية من خلال الدبلوماسية العقلانية، أم الحديث عن قوّة الجيش الروسيّ؟ أولم تُدمَّر أوكرانيا حتى الآن تدميراً لا ينعكس على أوكرانيا فقط، بل على أوروبا والعالم؟
العالم اليوم بحاجة ماسّة إلى العقلانية السياسية الجادّة التي تعي خطورة الحروب. وفي حال خاضت الحرب تعي أيّ الحروب تستحقّ أن تُخاض وأيّها يجب تجنّبها
أَوَلا يواجه العالم الآن خطراً على الأمن الدولي والغذائي والاقتصادي، وكذلك الخطر العسكري، وهو خطر وقوع حرب أكبر؟ أليس كلّ ذلك أهمّ الآن من هذه الحروب الدعائية المسخة التي يشنّها الغرب، والولايات المتحدة، على روسيا وجيشها؟
المطلوب الآن حلٌّ لوقف هذه الحرب، وليس الإمعان في الحروب الدعائية. وبالنسبة إلى ضعف الجيش الروسي من عدمه، ولتبيان سخافة هذه الفكرة، دعونا نناقشها بوضوح. خذ الجيش الأميركي، مثلاً، وهو الأقوى في العالم، ما الذي فعله بالعراق؟
أسقط صدّام حسين؟ حسناً، وماذا بعد؟ الحقيقة أنّ الجيش الأقوى بالعالم سلَّم العراق على طبق من ذهب لإيران، وساهم في زرع وتكريس الطائفية هناك. أمر آخر، ماذا فعل الجيش الأميركي الأقوى بالعالم في أفغانستان، وبعد احتلال عشرين عاماً؟
كلّ ما فعله هو إعادة أفغانستان لطالبان التي باتت تنشر تخلّفها من جديد، وتقمع كلّ مكوّنات المجتمع الأفغاني، وأوّلها النساء، على الرغم من أنّ الرئيس بايدن يقول إنّه حامي الديمقراطية وحقوق الانسان!
مثال آخر هو الحرس الثوري الإيراني، ما الذي فعله بمنطقتنا؟ الإجابة واضحة: دمّر سوريا والعراق ولبنان واليمن، ويعطّل ملفّ السلام الفلسطيني، ولم يستطع إنجاز أيّ نصر حقيقي، سواء بتوطيد الاستقرار أو البناء، لأنّ قوّته المزعومة تكمن في التخريب. فالقوّة الإيرانية، المزعومة، تقوم على نشر الميليشيات الإرهابية، واستغلال ورقة الطائفية، وكلّ ذلك يحدث بمنطقتنا بسبب غياب العقلانية السياسية الغربية، والأميركية، إذ ينظر هؤلاء الغربيون للأزمات من منظار ساذج، وأبرز مثال على هذه السذاجة تفكير واشنطن برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب.
وعليه القصّة ليست ضعف الجيش الروسي، بل مقدرته على التدمير والخراب، وآثار ذلك على الاقتصاد والأمن الأوروبيّين، وهي آثار أشبه ما تكون بآثار سياسات إيران على منطقتنا وسلمها الاجتماعي، علماً أنّ إيران ليست نووية بعد، وعلينا تخيّل واقع منطقتنا حين ينطلق سباق التسلّح النووي.
إقرأ أيضاً: إيران وأعوانها بلا غطاء
لذلك العالم اليوم بحاجة ماسّة إلى العقلانية السياسية الجادّة التي تعي خطورة الحروب. وفي حال خاضت الحرب تعي أيّ الحروب تستحقّ أن تُخاض وأيّها يجب تجنّبها. وفي حال خيضت الحروب تعي بعقلانية وواقعية أهميّة اليوم التالي. هذا الأهمّ الآن، وليست الحروب الدعائية الفجّة.