سيكون إجراء الانتخابات النيابية، إن حصلت، محلّ امتحان صعب للبنان بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة. إذ لن تكفي حكماً الميزانيّات المُقَرّة لتغطية مستلزمات العملية الانتخابية في لبنان والخارج من ألفها إلى يائها بالنظر إلى تدهور قيمة الليرة مقابل سعر صرف الدولار. وهو ما يوجب على الدولة التسديد بالدولار وليس بالليرة، بدل كلفة طباعة اللوائح الانتخابية مثلاً أو تغطية نفقات سفر البعثات إلى الخارج للإشراف على سير العملية الانتخابية في بلاد الاغتراب. ويجري التحايل على الواقع بـ”تلبيس الطرابيش” و”الشحادة المقنّعة” من خلال استعطاف الجهات الدولية أو المتموّلين اللبنانيين في بلاد الاغتراب.
يمكن تعداد المشاكل الأساسية وفق الآتي:
1- 1500 أو صيرفة: أقرّ مجلس النواب اعتمادات ماليّة بقيمة 320 مليار ليرة لبنانية لتغطية نفقات الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في شهر أيار المقبل، لكنّ العقدة تكمن في إلزامية تحويل المبلغ المرصود إلى دولار نتيجة رفض معظم القطاعات قبول التسديد بالليرة اللبنانية، فيما يرفض حاكم مصرف لبنان تحويل المبلغ إلى دولار على سعر صرف 1,500 ليرة، ويطالب بتحويله على سعر منصّة صيرفة.
2- طبع لوائح الانتخاب: وفق قانون الانتخاب يتوجّب على وزارة الداخلية طباعة ما يقارب 4 ملايين و700 ألف لائحة، وتشترط المطابع الدفع بالدولار وليس بالليرة. بينما يجري الإعداد للانتخابات بسرعة فائقة بالنظر إلى ضيق الوقت.
3- التيار الكهربائي: سيكون صعباً توفيره داخل أقلام الاقتراع بالمعدّل المطلوب، أي 12 ساعة يومياً حدّاً أدنى. وما فاقم المشكلة أنّ البلديّات رفضت المساهمة لضعف إمكاناتها وارتفاع كلفة بدل المازوت. ويتمّ العمل على توفير مولّدات محمولة لكلّ مراكز الاقتراع والفرز مع المحروقات، بقيمة 10 ملايين دولار أميركي.
4- تردّد الموظفين: هناك مسألة أخرى جوهرية تتعلّق بتردّد الموظّفين والأساتذة ممّن تنتدبهم وزارة الداخلية عادة للعمل يوم الانتخابات كمندوبي صناديق وللقيام بغير ذلك من المهامّ. والسبب تدنّي قيمة البدل المادّي بالليرة اللبنانية. لذلك يرفض القضاة المشاركة في لجان القيد للسبب عينه. وقد أُجرِيَت اتصالات بجمعية المصارف من أجل المساهمة في تمويل العملية الانتخابية.
وفق قانون الانتخاب يتوجّب على وزارة الداخلية طباعة ما يقارب 4 ملايين و700 ألف لائحة، وتشترط المطابع الدفع بالدولار وليس بالليرة. بينما يجري الإعداد للانتخابات بسرعة فائقة بالنظر إلى ضيق الوقت
اقتراع المغتربين
أمّا لناحية اقتراع المغتربين فالتحايل على الواقع سيّد الموقف. إذ طلب وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب من البعثات الدبلوماسية استنفار علاقاتها والمَوْنة على المغتربين اللبنانيين للمساهمة في ضمان سير العملية الانتخابية. فالمبلغ المتواضع الذي أُقرّ، بالكاد يكفي لتغطية النفقات الضرورية. ومقارنة مع الدورة الماضية في العام 2018 يُتوقّع ارتفاع نسب اقتراع اللبنانيين في بلاد الاغتراب. وعددهم 225 ألفاً و114 ناخباً، موزّعين على 59 دولة.
تنصّ المادّة 117 من قانون الانتخاب على أن “يعيّن السفير أو القنصل بالتنسيق مع الوزارة، بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين، هيئة كلّ قلم، على أن لا تقلّ عن رئيس وكاتب من بين الموظفين العاملين في السفارة أو القنصلية، أو من المتعاقدين عند الضرورة، شرط أن يكونوا لبنانيين وتطبّق عليهم كافّة القوانين اللبنانية ذات الصلة، على أن تُحدّد صلاحيّات كلّ منهم”. تُوزّع أقلام الاقتراع تبعاً لتوزّع المغتربين على لوائح الشطب الخاصّة بالدوائر الانتخابية. فإذا زاد عدد الناخبين في دائرة واحدة على 200 ناخب يتمّ تخصيص قلم اقتراع لهذه الدائرة. وبالنظر إلى عدد الدول وأعداد مراكز الاقتراع التي تمّ اعتمادها والبالغة 208، تضمّ 600 قلم، في 59 دولة، يتوجّب توافر مئات الموظفين للقيام بالمهامّ المطلوبة، وستُضطرّ الخارجية إلى إرسال بعثات دبلوماسية من لبنان (25 دبلوماسياً) لرئاسة مراكز الاقتراع، وقد لُحِظت تكاليف سفرها من ضمن الموازنة المُقرّة.
لا يكفي المبلغ المُقَرّ لاقتراع المغتربين والبالغ زهاء 3 ملايين دولار (60 مليار ليرة على سعر 20 ألفاً وفق منصة صيرفة) لتغطية كامل النفقات المطلوبة، خصوصاً أنّ مجلس النواب تأخّر في إقرار الميزانية مقارنة مع المهل المتبقّية الضيّقة.
يؤكّد المغتربون على مسألة أخرى هي التأكّد من ورود أسمائهم في مراكز الاقتراع. فالمغترب الذي يقطع مسافات طويلة للاقتراع قد يُحرم من حقّه نتيجة عدم ورود اسمه في المركز
الجهات الدولية ترفض التمويل
ضعف الميزانية وضيق المهل دفع وزارة الخارجية والمغتربين إلى اتّخاذ خطوات سريعة والتحايل على الواقع من خلال مناشدة المغتربين السعي مع الجهات الدولية إلى المساعدة في سدّ الاحتياجات. لكن كان الجواب أنّ العمل الانتخابي هو عمل سيادي لا يجوز تمويله. وتكمن الكلفة الكبرى في نفقات نقل الصناديق والمراقبة الإلكترونية اللذين لا تمويل واضحاً لهما ولا خطة من أجل إنجازهما. وقد رفضت الجهات المانحة تغطية بدل نفقات نقل صناديق الاقتراع ودفعها مباشرة إلى شركة النقل DHL.
اتّخذ وزير الخارجية والمغتربين خطوة أخرى لتقليص النفقات قدر الإمكان، تمثّلت في تعميم أصدره إلى البعثات الدبلوماسية طلب خلاله الاستعانة بعلاقاتها مع الجمعيات اللبنانية والأديرة الدينية والأندية من أجل أن تجعل مقارّها مجّاناً مراكز اقتراع في يوم الانتخاب، وتسعى الخارجية إلى الاستعانة بمتطوّعين للعمل في مراكز الاقتراع.
تؤكّد مصادر وزارة الخارجية لـ”أساس” أنّ استعداداتها جارية بشكل طبيعي، وقطعت شوطاً على سكّة التنظيم، لكنّها تشكو من تأخّر إقرار الموازنة مقارنة مع المهل المتبقّية للعملية الانتخابية، ومن حجم المبالغ التي أُقرّت وبالكاد تكفي لتغطية النفقات الضرورية، الأمر الذي اضطرّ الوزير إلى إصدار تعاميم للبعثات الخارجية بأن تستعين على قضاء حوائجها بعلاقاتها في الخارج من خلال المغتربين اللبنانيين.
هذا الإجراء وإن كان هدفه تسيير الأمور والتحايل على الواقع لضيق الحال، فإنّه كان عرضة للانتقاد بسبب الخشية أن تصبح العملية الانتخابية مرتهَنة وموضع تشكُّك، ولا سيّما لناحية آليّة نقل صناديق الاقتراع ومراقبتها والتحقّق من نزاهتها تلافياً لما جرى المرّة الماضية حين اضطرّ الموظف إلى اصطحاب صندوقة الاقتراع إلى منزله.
إقرأ أيضاً: هذه لائحة الثورة الموحّدة في بيروت الثانية
يؤكّد المغتربون على مسألة أخرى هي التأكّد من ورود أسمائهم في مراكز الاقتراع. فالمغترب الذي يقطع مسافات طويلة للاقتراع قد يُحرم من حقّه نتيجة عدم ورود اسمه في المركز.
ويتحدّث معنيون بالشأن الانتخابي لـ”أساس” عن هواجس تحيط العملية الانتخابية في بلاد الاغتراب بالنظر إلى عدّة عوامل، أهمّها مراقبة صناديق الاقتراع بعد انتهاء العملية الانتخابية ونقلها إلى لبنان.