تحدّيات المرحلة اليمنيّة المقبلة

2022-01-07

تحدّيات المرحلة اليمنيّة المقبلة

طرأ تطوّر على الأرض في اليمن، وذلك منذ دخول قوات لواء “العمالقة”، وهي قوات في معظمها جنوبيّة، على خط المواجهة مع الحوثيين. حصل في الأسابيع القليلة الماضية تقدّم في محافظة شبوة، خصوصاً منذ إزاحة محافظها الذي ينتمي إلى الإخوان المسلمين وحلول شخص آخر مكانه. ينتمي المحافظ الجديد لشبوة إلى المؤتمر الشعبي العام، الحزب الذي أسّسه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح. لا يزال معظم هذا الحزب موالياً لعلي عبدالله صالح، على الرغم من أنّه انتقل من هذا العالم.

لم يحصل تقدّم على حساب الحوثيين في شبوة فحسب، بل خفّ الضغط على مدينة مأرب التي سعى الحوثيون (جماعة أنصار الله)، ومن خلفهم إيران، إلى السيطرة عليها. كان الهدف الحوثيّ استكمال إقامة كيان سياسي، قابل للحياة، يمتدّ من مأرب إلى مدينة الحديدة ومينائها ذي الأهمّية الاستراتيجية الكبيرة على البحر الأحمر.

ما يمكن قوله الآن ان الوضع اليمني دخل مرحلة جديدة مختلفة. لم يتلق المشروع الإيراني ضربة قاصمة، لكن الأكيد انّه امكن وضع حدّ لتقدّمه مع دخول الحوثيين حرب استنزاف ليست معروفة النتائج

لا يمكن اعتبار ما حدث، في مجال وضع حدّ للاختراقات الحوثيّة في شبوة، حدثاً عادياً بمقدار ما أنّه تبدّل كبير في سياق إفشال المشروع الإيراني في اليمن أيضاً. أخذ المشروع الإيراني بعداً جديداً منذ استيلاء “أنصار الله” على صنعاء في 21 أيلول 2014، بتواطؤ مع الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي، ثمّ قتلهم علي عبدالله صالح في جريمة موصوفة في الرابع من كانون الأوّل 2017.

يتجاهل الذين يصرّون على تجاوز سير الأحداث والربط بينها، أنّ الحوثيين، الذين ما زالوا إلى اليوم يطلقون صواريخ ومسيّرات في اتجاه الأراضي السعوديّة، سارعوا منذ اليوم الأوّل لوضع يدهم على صنعاء إلى التوسّع في كلّ الاتجاهات. عزّزوا مواقعهم في تعز. الأهمّ من ذلك كلّه أنّهم تصرّفوا كدولة مستقلّة ذات سيادة. لذلك عقد الحوثيون اتفاقاً في شأن الرحلات الجويّة المباشرة بين طهران وصنعاء من جهة، وأجروا مناورات عسكريّة في منطقة قريبة من الحدود مع المملكة العربيّة السعوديّة من جهة أخرى.  لجأوا إلى هذا التحرّك مع حصولهم على مباركة الرئيس الانتقالي والأمم المتحدة. حضرت الأمم المتحدة، عبر جمال بنعمر مبعوث الأمين العام، الاحتفال بتوقيع “اتفاق السلم والشراكة” بين “جماعة أنصار الله” و”الشرعيّة”.

في مرحلة معيّنة، مباشرة بعد سقوط صنعاء، بلغ الحوثيون عدن التي أُخرجوا منها لاحقاً كما طُردوا من ميناء المخا، المشرف على باب المندب. تبجّحوا، قبل طردهم من المخا، بأنّه بات في استطاعتهم إغلاق باب المندب. معنى ذلك أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران أرادت التحكّم بحركة الملاحة في البحر الأحمر وفي قناة السويس. فباب المندب ممرّ إجباري لأيّ سفينة تريد دخول البحر الأحمر وبلوغ قناة السويس.

ما يمكن قوله الآن أنّ الوضع اليمني دخل مرحلة جديدة مختلفة. لم يتلقَّ المشروع الإيراني ضربة قاصمة، لكنّ الأكيد أنّه أمكن وضع حدّ لتقدّمه مع دخول الحوثيين حرب استنزاف ليست معروفة النتائج. يحدث ذلك كلّه في وقت بات واضحاً أنّ القوات التي على رأسها طارق محمّد عبدالله صالح صامدة على جبهة الحديدة وقد حالت، مع قوات أخرى بقيادة هيثم قاسم (وزير الدفاع السابق)، دون أيّ تقدّم حوثي في المنطقة الساحليّة.

في ضوء كلّ هذه المعطيات، يتبيّن بوضوح ليس بعده وضوح أنّ “الشرعيّة” التي يتحكّم بها الإخوان المسلمون، من الناحية العسكريّة، احتاجت إلى “العمالقة” كي تسترجع مواقع في شبوة وكي تحول دون سقوط مدينة مأرب. ما لعب أيضاً دوراً في تراجع الحوثيين هو سلاح الجوّ التابع للتحالف العربي الذي وجّه إلى هؤلاء ضربات محكمة استهدفت نقاطاً عسكريّة ذات طابع استراتيجي وحيوي للمجهود الحربي الإيراني.

لم يحصل تقدّم على حساب الحوثيين في شبوة فحسب، بل خفّ الضغط على مدينة مأرب التي سعى الحوثيون (جماعة انصار الله)، ومن خلفهم ايران، الى السيطرة عليها

ثمّة عوامل أخرى عدّة لعبت دورها في التراجع النسبي للحوثيين. من بين هذه العوامل إعادة نظر واشنطن في موقفها من “جماعة أنصار الله” بعد دخولهم حرم السفارة الأميركية في صنعاء واحتجاز عدد من الموظّفين المحليّين فيها. مثل هذا التصرّف غير مقبول أميركياً ويذكّر إدارة بايدن باحتجاز إيران لديبلوماسيّي السفارة الأميركية في طهران في خريف العام 1979.

في ظلّ كلّ هذه المعطيات التي تشير، بين ما تشير، إلى تغيير على الأرض، وهو تغيير في المفهومين العسكري والسياسي، ليس مستبعداً سعي إيران إلى استعادة المبادرة في اليمن. ترى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في اليمن ورقةً قويّةً غير مكلفة كثيراً. تستخدم هذه الورقة في ابتزاز دول الخليج العربي، وفي مساومات مع الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا المرتبطة بملفّها النووي. أكثر من ذلك، إنّ اليمن بات موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة، تماما كما كان اليمن الجنوبي حتّى أواخر ثمانينيّات القرن الماضي موطئ قدم للاتحاد السوفياتي في المنطقة.

يحتاج التغيير على الأرض اليمنيّة إلى تغيير سياسي مواكب له أيضاً. إذا دلّت أحداث الأسابيع الماضيّة، بما في ذلك حرب الاستنزاف بين الإخوان المسلمين والحوثيين، على شيء، فهي دلّت على حاجة إلى إعادة تشكيل “الشرعيّة”. هناك قوى جديدة برزت على أرض الواقع ولعبت دورها في منع سقوط مأرب. لا يعني ذلك أيّ تجاهل لدور التحالف العربي وسلاح الجوّ التابع له. لكنّ الثابت أنّ “الشرعيّة” لم تستطع في أيّ وقت المساهمة في لعب دورها، وذلك منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، بل قبل ذلك بكثير. الدليل على ذلك أنّ عبد ربّه منصور صرف بعد تولّيه الرئاسة لمرحلة انتقالية (حُدّدت مدّتها بعامين) كلّ وقته في تصفية حسابات مع علي عبدالله صالح والتحريض عليه. لم تكن لديه يد لا في تحرير عدن ولا ميناء المخا من الحوثيين. على العكس من ذلك، اعتقد أنّ في استطاعته استخدام “جماعة أنصار الله” قبل أن تضعه هذه الجماعة في الإقامة الجبريّة، مباشرة بعد توقيع “اتفاق السلم والشراكة” في صنعاء. تبيّن أنّ الحوثيين، وهم أداة إيران، استخدموا الرئيس الانتقالي الذي لم يتمكّن من استخدامهم يوماً…

إقرأ أيضاً: شهلائي.. سليماني اليمن: هل هو إيرلو؟

ستكون المرحلة المقبلة في اليمن مرحلة تحدّيات عسكريّة وسياسيّة في الوقت ذاته. ويصلح التساؤل: هل يمكن البناء سياسياً على ما تحقّق وما قد يتحقّق عسكرياً… أم أفق المرحلة الجديدة هي حرب استنزاف ستستمرّ طويلاً؟  

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…