ينشر “أساس”، بدءًا منذ الأمس، سلسلة مقالات وتقارير تحاول قراءة أبرز أحداث 2021، وما ستتركه من تداعيات على العام الجديد 2022.
في السادس عشر من شهر شباط من العام الجديد (2022) تأتي الذكرى السنوية لاستشهاد الأمين العامّ الثاني للحزب السيّد عباس الموسوي وزوجته وابنه حسين.
في مثل هذه الأيام يكون الأمين العامّ الحالي للحزب السيّد حسن نصر الله قد أمضى ثلاثين عاماً في قيادة الحزب.
وفي شهر حزيران من العام الجديد يكون قد مضى على تأسيس الحزب أربعون عاماً.
التطوّر السياسي الداخلي الأبرز في مسيرة حزب الله خلال 2021، هو اهتزاز التحالف والتفاهم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر
ستشكّل هذه المحطّات التاريخية مفصلاً مهمّاً في مستقبل الحزب ودوره في المرحلة المقبلة، بعدما مرّ الحزب خلال عام 2021 في أصعب الظروف الداخلية والخارجية. إذ تعرّض لضغوطات داخلية وخارجية بسبب الأوضاع الاقتصادية والماليّة والمعيشية، وزادت الضغوطات عليه من خلال وضعه على “لوائح الإرهاب” من قبل بعض الدول العربية والغربية، وفي ظل نقاشات ثيرة تسود الواقع اللبناني عامة، والشيعي خاصة، حول دور الحزب ومستقبله.
فما هي أبرز التحدّيات التي واجهها الحزب في العام الماضي؟ وكيف نجح في استيعاب الهجمات التي تعرّض لها داخلياً وخارجياً؟ وكيف سيتعاطى مع المرحلة الجديدة في العام الجديد؟ خاصة أنّ هذا العام سيشهد استحقاقين لبنانيين مهمّين، يتمثّل الأول في الانتخابات النيابية (في شهر أيار)، والثاني في الانتخابات الرئاسية (في شهر تشرين الأول)، ولا سيّما أنّ الحزب سيكون في ضوء هذين الاستحقاقين معنيّاً بتقديم رؤية جديدة لمستقبل دوره ورؤيته للبنان الجديد؟
بدايةً ما هي أبرز التحدّيات التي واجهها حزب الله في 2021؟
1- الأوضاع المعيشية والاقتصادية والماليّة والاجتماعية: عانى منها لبنان واللبنانيون، وقد انعكست سلباً على بيئة الحزب وفي كلّ المناطق التي له حضور فيها حيث شهدت أحداثاً أمنيّة وعنفية ومشاكل اجتماعية. خصوصاً خلال أزمة انقطاع البنزين والمازوت، وارتفاع أسعارهما، وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
فعلى الرغم من كلّ الجهود التي قام بها الحزب لاستيعاب هذا التدهور المعيشي والاجتماعي عبر سلسلة إجراءات اجتماعية اتّخذها، لكن ذلك لم يمنع بروز اعتراضات في البيئة الشيعية على أداء الحزب وحليفته حركة أمل. وكان القرار الأهمّ الذي اتّخذه الحزب لمواجهة هذا التدهور، إضافة إلى تقديم المساعدات الاجتماعية، هو استيراد المازوت من إيران عبر سوريا، وسعيه إلى تقديم ذلك كإنجاز سياسي واستراتيجي واقتصادي مهمّ في مواجهة الحصار الذي يتعرّض له لبنان .
2- انفجار مرفأ بيروت: التحقيقات في هذه القضية شهدت مؤشّرات إلى إمكانية قيام المحقّق العدلي طارق البيطار بتوجيه الاتّهام إلى الحزب بسبب “مسؤولية ما” قد يتحمّلها الحزب أو بعض مسؤوليه عن وقوع الانفجار. الأمر الذي دفع قيادة الحزب إلى شنّ أكبر هجوم على القاضي البيطار بتهمة الاستنسابية والخضوع لضغوط داخلية وخارجية، والمطالبة بتغييره. وقد أدّى هذا الخلاف إلى تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي عمل الحزب كثيراً للمساعدة في تشكيلها، فتعطّلت أعمال المجلس، لكنّ الوزراء لم يستقيلوا. وكان التطوّر الأخطر هو الصدام الذي حصل خلال مسيرة نظّمها الحزب وحركة أمل في منطقة الطيّونة احتجاجاً على عدم إقالة البيطار، والذي تحوّل إلى صدام مسلّح مع مؤيّدي حزب القوات اللبنانية. وبنتيجة ذلك اتّهم الحزب القوات اللبنانية بالإعداد لارتكاب “مجزرة” ضدّ مؤيّدي الحزب وحركة أمل. وشنّ حملةً قاسيةً على القوات ورئيسها الدكتور سمير جعجع، ولا تزال تداعيات هذا الملفّ تتفاعل داخلياً وخارجياً.
على الصعيد الخارجي، فقد تزيادت الضغوط والحملات الخليجية والغربية على حزب الله بسبب دوره العسكري في اليمن وبعض الدول العربية
3- التحدّيات الأمنيّة والداخليّة: واجه الحزب أيضاً تحدّيَيْن أمنيَّيْن كبيرين:
– الأولى في خلدةّ: حيث وقعت الاشتباكات بين عناصر من عشائر العرب وبين مؤيّديه. وقد سقط عدد من الضحايا من عناصر الحزب في كمين خلال تشييع مسؤول للحزب قتله بعض عناصر العشائر ردّاً على أحداث سابقة أوقعت ضحية من العشائر. وكان هناك خوف كبير أن تؤدّي هذه الاشتباكات والأحداث إلى فتنة مذهبية كبيرة، لكنّ الحزب وحركة أمل نجحا في امتصاص ردود الفعل، بعد إحالة الملفّ إلى القضاء العسكري، وسعيا إلى إجراء مصالحة لإنهاء الملفّ.
– شويّا: في بلدة شويّا (قضاء حاصبيا)، اعترض بعض أبناء البلدة عناصر من المقاومة الإسلامية كانوا عائدين من تنفيذ قصف استهدف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا ردّاً على قصف إسرائيلي طال الأراضي اللبنانية. وكاد الصدام أن يقع بين الفريقين ويؤدّي إلى صراع داخلي كبير. لكن تمّ تدارك الأمر عبر اتصالات سريعة. وتكشف كلّ هذه التطوّرات حجم التحدّيات الداخلية التي يواجهها الحزب من قبل بيئات مختلفة.
4- اهتزاز تحالف مار مخايل: التطوّر السياسي الداخلي الأبرز في مسيرة حزب الله خلال 2021، هو اهتزاز التحالف والتفاهم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل. إذ برزت خلافات عديدة حول ملفّات داخلية وخارجية. وجرى العمل على استيعاب كلّ هذه الخلافات، وتمّ التوافق على تشكيل لجنة ثنائية لتعديل التفاهم أو وضع رؤية جديدة تجمع الطرفين. إلا أنّ اللجنة لم تحقّق أيّ تقدّم والخلافات تزايدت. وإن كانت الجهود لا تزال مستمرّة لمعالجة الخلافات وتطوير آليّات التعاون مستقبلاً، وخصوصاً في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين.
5- حياد بكركي: تزامن كلّ ذلك مع حملة قاسية شنّها البطريرك الماروني مار بشارة الراعي ضدّ حزب الله وضدّ أدائه داخلياً وخارجياً. وقد دعا الراعي إلى اعتماد “الحياد الإيجابي الناشط”، وإلى “عقد مؤتمر دولي حول لبنان”.
حرص الحزب على عدم الدخول في سجالات مباشرة مع البطريرك. لكنّ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان تولّيا الردّ على الراعي. وإن كانت قد خفّت السجالات في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، إلا أنّ هذه الموضوعات ستبقى محور نقاش داخلي. وقد جرت محاولة لإحياء لجنة الحوار الثنائية بين البطريركية المارونية وحزب الله، غير أنّها لم تؤدِّ إلى نتائج عمليّة.
6- رحيل الإمام قبلان: وفي هذا العام رحل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، وانتهت ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية في المجلس، وسيشكّل استحقاق ملء الفراغ في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تحدّياً مستقبليّاً أمام حزب الله وحركة أمل، والواقع الشيعي عامّة.
7- الضغوط الخليجية: أما على الصعيد الخارجي، فقد تزيادت الضغوط والحملات الخليجية والغربية على حزب الله بسبب دوره العسكري في اليمن وبعض الدول العربية. وتطوّرت إلى إجراءات مقاطعة وتضييق على لبنان قامت بها بعض دول الخليج العربي، وزادت الحملات على دور ونفوذ الحزب وإيران في لبنان، وكلّ ذلك سيشكّل ملفّاً ساخناً في المرحلة المقبلة.
لكن كيف سيواجه الحزب المرحلة المقبلة في العام الجديد والتحدّيات والاستحقاقات الكثيرة في هذا العام، وخصوصاً الانتخابات النيابية والرئاسية؟
1- الانتخابات النيابية: بدأ حزب الله الإعداد لها منذ العام الماضي، وهو يعمل على إعادة ترتيب التحالفات مع مختلف القوى التي تعاون معها في العام 2018 من أجل الحفاظ على الأكثرية النيابية وحماية دوره وموقعه. ويأتي أوّلاً همّ الحفاظ على التحالف مع حركة أمل والتيار الوطني الحر وقوى 8 آذار. وإن كان الحزب يواجه قوى جديدة ناشئة من حراك 17 تشرين في العام 2019، ومجموعات المجتمع المدني. وستشكّل المعركة الانتخابية المقبلة تحدّياً مهمّاً أمام الحزب وحلفائه في ظلّ الرهان الكبير لدى قوى خارجية وداخلية على تغيير خريطة التحالفات واستعادة تحالف قوى 14 آذار دوره في المرحلة المقبلة.
2- الانتخابات الرئاسية: يقف الحزب حائراً بين حليفين يفترضان أنّ من حقّهما الحصول على دعمه في الانتخابات الرئاسية. الأوّل هو ممثّل الكلتة المسيحية الأكبر في مجلس النواب، وحليفه في “تفاهم مار مخايل” جبران باسيل. والثاني هو حليفه “العميق” سليمان فرنجية، الذي اعتبر أنّه “تنازل” في 2016 عن الرئاسة وأنّه بات الأحقّ بها اليوم. أو البحث عن خيارات اخرى تتناسب مع تحديات المرحلة المقبلة الأمنية والاقتصادية والخارجية.
3- مكافحة الفساد: بموازاة ذلك سيكون الحزب معنيّاً بتقييم تجربته الداخلية ودوره في مؤسسات الدولة في ظلّ عدم نجاح حملة مكافحة الفساد التي كانت عنواناً للمعركة الانتخابية في العام 2018، وفي ظلّ السؤال الكبير عن مستقبل لبنان وكيانه بسبب الدعوات إلى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الموسّعة والفيدرالية وتغيير النظام التي يطرحها العديد من الجهات الداخلية.
إقرأ أيضاً: أسئلة شيعيّة في الزمن الصعب: أيّ مستقبل؟ وأيّ دور؟
ويبقى السؤال الأهمّ: هل يمكن أن نشهد رؤية جديدة للحزب داخلياً وخارجياً في ضوء التطوّرات والمتغيّرات الكثيرة؟ أو ولادة جديدة لحزب الله في ذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيسه في حزيران من العام 1982؟