أسئلة شيعيّة في الزمن الصعب: أيّ مستقبل؟ وأيّ دور؟

مدة القراءة 5 د

تعيش بيئة حزب الله توتراً غير مسبوق. خصوصاً بعد الخلاف العلني، سياسياً وشعبياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مع التيار الوطني الحرّ. وقد تصاعد هذا التوتّر بين كلّ من حركة أمل وحزب الله من جهة، والتيار من جهة أخرى، بسبب الموقف من قرار المجلس الدستوري والدعوة إلى اجتماع مجلس الوزراء وغيرهما من الملفّات الساخنة.

في خطاب له قبل عدّة أشهر تحدّث الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن استهداف العدوّ لبيئة المقاومة وعن النقاشات التي تحصل في هذه البيئة، وممّا قاله: “لا تراهن أيّها العدو على بيئة المقاومة، البيئة الخاصة المباشرة التي كانت تقول لنا بالأمس تعالوا اقصفوا من بيوتنا. هذه البيئة لا تراهنوا عليها، قد تتألّم، قد تتأثّر. قد يكون لديها ملاحظات على أدائنا السياسي في الداخل وعلى بعض تحالفاتنا السياسية وعلى بعض سلوكيّاتنا، لكن في مسألة المقاومة هذه البيئة مخلصة وفيّة مؤمنة، لأنّ الخيار الوحيد لحمايتها، لحماية البلد، لحماية الجنوب، لحماية سيادة لبنان وأمن لبنان وأمان لبنان وسلامة لبنان، هو المقاومة وسلاح المقاومة وهؤلاء المقاومون”.

تعيش بيئة حزب الله توتراً غير مسبوق. خصوصاً بعد الخلاف العلني، سياسياً وشعبياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مع التيار الوطني الحرّ

في هذا المقطع أراد نصر الله التأكيد أنّ بيئة المقاومة لا تتخلّى عن المقاومة مهما بلغت الضغوطات، لكنّه في الوقت نفسه أكّد أنّ “هذه البيئة لديها ملاحظات على الأداء السياسي في الداخل وبعض السلوكيّات والتحالفات”. هذا الاعتراف من السيّد نصر الله يعكس بوضوح حجم النقاشات الدائرة في بيئة المقاومة اليوم، وفي البيئة الشيعية بشكل عامّ، حول مختلف القضايا الداخلية والخارجية. وقد جاءت الردود التي صدرت عن هذه البيئة على تصريحات البطريرك بشارة الراعي في عدّة محطّات، والنقاشات التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي بين فترة وأخرى، لتكشف حجم التوتّر الذي تعيشه هذه البيئة اليوم اتجاه الآخرين، وهو ما اضطرّ السيد نصر الله إلى تخصيص أحد خطاباته للأداء الإعلامي لهذه البيئة، ودعوة أبناء هذه البيئة إلى مناقشة المخالفين لهم بهدوء بعيداً عن الاستنفار والاستهداف الشخصي، وإلى اعتماد أسلوب هادئ في الحوار والنقاش مع الآخرين، وهذا ينطبق أيضاً على التعاطي مع مختلف القضايا الخلافيّة في البلد.

فمَن يواكب ما يحصل في البيئة الشيعية على الأرض بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وما يجري من نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي اللقاءات الداخلية، يكتشف حجم الاحتقان الذي تعيشه هذه البيئة، وكمّ الأسئلة عن الدور والمستقبل وكيفيّة مواجهة مختلف التحدّيات الداخلية والخارجية.

قيادة الحزب وطمأنة البيئة

عملت قيادة الحزب خلال الفترة الأخيرة على طمأنة هذه البيئة إلى أنّها ستوفّر الحاجات الأساسية من بنزين ومازوت وأدوية، ولو جزئياً. وهذا ما جرى فعليّاً في الأشهر الأخيرة، إضافة إلى تقديم المساعدات لـ”العائلات المحتاجة” وتعزيز التكافل والتضامن الاجتماعي، والدفاع عن هذه البيئة في وجه التحدّيات المختلفة. ونلحظ أيضاً مواكبة كبيرة من قيادة الحزب للمعركة الانتخابية، وتصعيد في الخطاب السياسي والإعلامي، والقيام بجولات مكثّفة في مختلف المناطق.

وقد لوحظ قيام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيّد هاشم صفي الدين بجولة ميدانية في منطقة حيّ السلم، فيما تنشط قيادات حركة أمل وتعزِّز تحرّكاتها الشعبية والحضور الميداني والإعلامي.

مَن يواكب ما يحصل في البيئة الشيعية على الأرض بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وما يجري من نقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي اللقاءات الداخلية، يكتشف حجم الاحتقان الذي تعيشه هذه البيئة

لكن هل تكفي هذه المواقف والتحرّكات والنشاطات لطمأنة هذه البيئة؟ وماذا عن مستقبل الدولة والمجتمع والعلاقة بالطوائف والبيئات الأخرى في لبنان؟ ماذا عن الأوضاع في الإقليم والعلاقة بالدول المحيطة؟ وهل تظلّ هذه البيئة في حالة مواجهة وحرب ومقاومة أم هناك خيارات أخرى يمكن اعتمادها لمعالجة المشكلات الداخلية والخارجية؟ وماذا عن الشعار الذي رفعه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله: “إنّ الدفاع عن القدس قد يتطلّب حرباً إقليمية، وهذا المشروع بدأت دوائر الحزب الإعلامية والفكرية والاستراتيجية تستعدّ له”.

أسئلة عديدة تنتشر في البيئة الشيعية. يتعلّق بعضها بسؤال حول الواقع السياسي ومواجهة الفساد والتحالفات السياسية وآفاق الوضع في المرحلة المقبلة، وبعضها الآخر يتعلّق بدور المؤسسات الشيعية اليوم، وخصوصاً المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ودار الإفتاء الجعفري، في معالجة مختلف القضايا.

من هذه الأسئلة: هل يقتصر دورهما على الردّ على بعض الخطابات والمواقف السياسية والدينية؟ أين دورهما الاجتماعي والفكري والمؤسساتي؟ أين هي الشخصيّات الشيعية السياسية أو الدينية القادرة على الحوار مع الآخرين، ومعالجة نقاط الخلاف، والتوصّل إلى رؤى مشتركة مع الشركاء في الوطن؟ أين هي الشخصيّات التي تتابع دور الإمام موسى الصدر والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين والمرجع السيد محمد حسين فضل الله والإمام الشيخ عبد الأمير قبلان وغيرهم من الشخصيّات الحوارية؟

إقرأ أيضاً: باسيل الضعيف والحزب المأزوم: زواج بالإكراه

هذه بعض الأسئلة والإشكالات والهموم التي تدور في داخل البيئة الشيعية اليوم، وهناك هموم أخرى تتّصل بالمواجهات التي تعيشها هذه البيئة، وحالة العداء المنتشرة اليوم ضدّها في بيئات أخرى، ودورها في مستقبل لبنان وحمايته، وغير ذلك من الأسئلة والهموم التي تحتاج إلى مقاربات جديدة ونقاشات حقيقية وحوارات جريئة بعيداً عن التخوين والاتّهامات المتبادلة؟

النقاشات في البيئة الشيعية اليوم كثيرة، ولو بصوت خافت أحياناً أو في غرف مغلقة، إن بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية أو بسبب الأوضاع السياسية والأمنيّة والمخاوف على المستقبل، فهل نشهد مقاربات جديدة لهذه التحدّيات والهموم أم نحن أمام انفجار داخلي قد يمهّد لحروب وصراعات جديدة تهدّد مستقبل الوطن؟

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…