منذ إصدار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز سلسلة قرارات بالإجماع في 25 تشرين الثاني الماضي ردّت خلالها دعاوى مخاصمة الدولة المقدّمة من الوزراء السابقين المدّعى عليهم في قضية انفجار المرفأ، وحدّدت الغرفة الأولى في محكمة التمييز المرجع الصالح للنظر في طلبات ردّ المحقّق العدلي، لم يطرأ أيّ تطوّر في ملفّ تحقيقات المرفأ المعلّقة منذ نحو شهر.
“يداوم” القاضي البيطار في منزله، والمدّعى عليهم يحرّكون أوراق الدعاوى مجدّداً وفقاً لِما أفتت به “الهيئة العامّة”، والحلّ السياسي عبر مجلس النواب غير مسهَّل وتعترضه عراقيل عدّة.
وفق المعلومات، لم تبادر الهيئة المذكورة إلى إبلاغ قرارها بعدم الاختصاص لمحكمة الاستئناف. وفي المقابل، لم يعلن القاضي إيليا عدم الاختصاص، ولم يرفع تقريراً بهذا المعنى إلى رئيس الغرفة الأولى في محكمة التمييز القاضي ناجي عيد ليبدأ بتّ طلب ردّ البيطار
ثمّة حلقة مفرغة، لا الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، ولا النيابة العامّة التمييزية، ولا القضاة “العالقين” في طلبات ردّ بعضهم بعضاً، ولا المحقّق العدلي، ولا أيّ مرجعية قضائية، قادرون على وضع حدّ لها. هي مهزلةٌ، المسبِّب الأوّل لها تجاوز المحقّق العدلي نصوصاً دستورية واضحة حول الصلاحيّات. واكتمل المشهد باتّهامات مباشرة للأخير بالتسييس والاستنسابية.
المفارقة أنّ مهزلة التحقيق العدلي في قضية المرفأ امتدّت إلى التحقيقات الجارية في ملفّ أحداث الطيّونة.
فبعد تقديم وكلاء الموقوفين في قضيّة أحداث الطيّونة طلب ردّ مفوّض الحكومة بالإنابة القاضي فادي عقيقي عن الملفّ، رُفِعت يده وأحيل الملفّ إلى قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان.
وإثر ذلك تقدّم وكلاء ضحايا أحداث الطيّونة-عين الرمّانة بطلب ردّ صوّان الناظر في ملفّ التحقيقات، فقام المحامي وسام المذبوح، وهو من الفريق القانوني للمدير العام للأمن العام، بتقديم طلب ردّ القاضي نسيب إيليا الناظر في طلب ردّ القاضي صوّان. وهكذا أصبحت التحقيقات والتوقيفات مجمّدة حتى إشعار آخر.
يُذكَر أنّ التحقيق في قضية انفجار المرفأ لا يزال معلّقاً منذ صدور قرار عن القاضي حبييب مزهر بكفّ يد البيطار، ثمّ اعتباره كأنّه لم يكن بموجب قرار الرئيس الأوّل لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله في 24 تشرين الثاني، الذي قضى بفصل دعوى الردّ بحقّ القاضي البيطار عن دعوى الردّ بحقّ القاضي نسيب إيليا، ثمّ صدر قرار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز الذي حدّد محكمة التمييز المرجع الصالح لطلبات ردّ المحقّق العدلي.
لكن مع ذلك، لم تُتَّخذ أيّ خطوة بعد صدور قرارات الهيئة العامّة لمحكمة التمييز لفكفكة العِقَد تمهيداً لاستئناف التحقيق.
تفيد معلومات بأنّ أحد أعضاء الغرفة 12 المؤلّفة من ثلاثة قضاة، وهي القاضية روزين حجيلي، قد رُفِض طلب ردّها المقدَّم من الوزير فنيانوس
ووفق المعلومات، لم تبادر الهيئة المذكورة إلى إبلاغ قرارها بعدم الاختصاص لمحكمة الاستئناف. وفي المقابل، لم يعلن القاضي إيليا عدم الاختصاص، ولم يرفع تقريراً بهذا المعنى إلى رئيس الغرفة الأولى في محكمة التمييز القاضي ناجي عيد ليبدأ بتّ طلب ردّ البيطار.
وفي هذا الإطار تقول مصادر قضائية: “في حال بَلَّغت أو لم تُبلِّغ الهيئة العامة قرار عدم الاختصاص لمحكمة الاستئناف، يُفترض بالقاضي إيليا أن يُعلن عدم الاختصاص بعد صدور قرار الهيئة العامّة. لكنّ المشكلة أنّ القاضي إيليا، الذي ينظر في طلب ردّ البيطار، مطلوب ردّه أصلاً، ويتعيّن على القاضي رزق الله انتداب قاضٍ آخر مكانه لرئاسة الغرفة 12، وبنتيجة المذاكرة يصدر القرار بعدم الاختصاص استناداً إلى قرار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز”.
وفي هذا السياق تفيد معلومات بأنّ أحد أعضاء الغرفة 12 المؤلّفة من ثلاثة قضاة، وهي القاضية روزين حجيلي، قد رُفِض طلب ردّها المقدَّم من الوزير فنيانوس.
وكانت الهيئة العامّة لمحكمة التمييز أصدرت أربعة قرارات برفض دعاوى مخاصمة الدولة التي تقدَّم بها رئيس الحكومة السابق حسّان دياب والوزراء السابقون نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ضدّ قرارات المحقّق العدلي طارق البيطار وقضاة محكمتيْ الاستئناف والتمييز الذين رفضوا طلبات ردّ البيطار. وأُسقِطت أيضاً صلاحيّة محكمة استئناف بيروت التي تمّ الاستناد إليها لتعليق التحقيق بموجب قرار القاضي حبيب مزهر بكفّ يد البيطار الصادر في 4 تشرين الثاني.
وفي الوقت نفسه، أصدرت الغرفة السادسة من محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندة كفوري وعضويّة المستشاريْن رولا مسلّم وفادي العريضي قرارين: الأوّل برفض طلب يوسف فنيانوس نقل الدعوى من البيطار لعدم توافر أسباب الارتياب المشروع بحياديّته، والثاني بقبول طلب نقابة المحامين في بيروت ردّ النائب العامّ التمييزي غسّان خوري عن التحقيق.
إقرأ أيضاً: سقط “لقاء الليموزين”… والبيطار مكمّل؟!
وفي سياق آخر، برزت مطالعة أعدّها مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي ردّاً على قرار الهيئة العامّة لمحكمة التمييز باعتبار الغرفة الأولى في محكمة التمييز صاحبة الاختصاص ببتّ طلبات ردّ المحقّق العدلي، رأى فيها أنّ “هذا القرار النوعيّ يفيد بأنّ الاجتهاد ذهب بعيداً في التعليل والقياس في ظلّ غموض النصّ التشريعي، علماً بأن لا اجتهاد في معرض صراحة النصّ”، ولفت إلى أنّ “هذه المنطقة الرماديّة في القانون والمتأرجحة في الاجتهاد، والمتعلّقة بعمل المحقّق العدلي وردّه، والتي أخذت منحى خطيراً، إنّما يتمّ تبديدها تشريعيّاً، أو بالاجتهاد المتواتر والمستقرّ، ما لم يعتبر المجلس العدلي نفسه، الأمر المتاح له قانوناً، بناءً على طلب النيابة العامة التمييزيّة أو عفواً، أن يقوم بتحقيق إضافي، وقد يكون تصحيحيّاً، في الدعوى بكامل هيئته أو بواسطة أيّ مندوب من أعضائه”.