سقط “لقاء الليموزين”… والبيطار مكمّل؟!

مدة القراءة 7 د

نعى الرئيس نجيب ميقاتي من بعبدا أمس “محاولات” التفتيش عن مخرجٍ لاستئناف قريب لجلسات مجلس الوزراء المتوقّفة منذ 12 تشرين الأول الماضي. “مش ماشي الحال في الحكومة”، قال، وصوّب مباشرة على الثنائي الشيعي قائلاً: “إذا كان من حقّ بعض الناس أن تثور في الشارع وتغضب، فليس مسموحا لكلّ من شارك ويشارك في السلطة بكل مكوّناتها، أن يتنصل اليوم من المسؤولية ويرمي بها على من ارتضى حمل كرة النار لإنقاذ الوطن”.

للمرّة الأولى منذ بدء الأزمة الحكومية استعاد ميقاتي شيئاً من الواقعية السياسية بعدما روّج بانتظام لـ”حلولٍ آتية وتطمينات وانفراجات حتميّة” وصل صداها إلى باريس والعراق والفاتيكان… وذلك “خلافاً لطبيعة” المشكل الصدامي المتعدّد الأوجه، والذي يصعب أن تتجاوزه القوى المعنيّة به بناءً على تمنّيات على طريقة “أبو ملحم” أو المناورات الكلامية.

بات من المسلّم به أنّ الثنائي الشيعي يتعاطى مع “حالة البيطار” باعتبارها مصدر خطر عليه على خلفيّة أدائه وارتكاباته القانونية والدستورية وتماهيه مع توجّه خارجي في تسييس الملف، وهي أسباب تعزّز، برأيه، مشروعيّة المطالبة بتنحيته بالكامل عن ملفّ تحقيقات المرفأ

هنا يَفرز مصدر بارز المشهد العام وفق فئات ثلاث:

– فئة “التائهين”، كما يسمّيهم الوزير السابق شربل نحاس، أمثال نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وغيرهم ممّن يعملون في السياسة على طريقة “كل يوم بيومه” للبقاء أحياء سياسياً.

– وفئة تنتمي إلى مشروع عون – باسيل، الذي يدفع الأمور إلى مزيد من التأزيم وصولاً إلى المأزق الكامل في استعادةٍ لمشهد الـ 90، ويمارس ابتزازاً لإرساء صفقة مع الخارج على قاعدة “جبران أو الانهيار الشامل”.

– وفئة ثالثة تضمّ مشروع حزب الله، بأولويّاته وارتباطاته الخارجة عن كل الحسابات الداخلية.

في “تفاصيل” هذا المشهد العقيم إعلان سقوط “لقاء الليموزين” الذي جَمَع الرؤساء الثلاثة في السيارة الرئاسية من اليرزة إلى بعبدا في عيد الاستقلال، ومعه سقطت محاولات إعادة “الروح” إلى جلسات مجلس الوزراء. فيما يبقى الرهان قائماً على جولة الرئيس الفرنسي الخليجية التي لا يتوقّع كثر أن تُنتج “معجزة” يحتاج إليها الداخل لالتقاط أنفاسه.

عون يتراجع عن وعده

هكذا وبعد وعدٍ من ميشال عون للرئيسين برّي وميقاتي بتمهيد الطريق أمام مشاركة تكتّل لبنان القوي في جلسة التوقيع على عريضة الاتّهام النيابية وتأليف لجنة تحقيق برلمانية تسحب ملفّ ملاحقة رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين من يد المحقّق العدلي طارق البيطار، أعادَ باسيل حساباته، محاذراً اتّخاذ أيّ خطوة يمكن أن تنقلب عليه مسيحيّاً عبر الحدّ من صلاحيّة المحقّق العدلي. فسلّف الثنائي الشيعي ورقة الحضور من دون التصويت لمصلحة الإحالة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وهو الأمر الذي رفضه برّي بشكل قاطع لسببين أساسيّين: أوّلهما اتّخاذ قضية البيطار وتحقيقات المرفأ منحى طائفياً لا يستطيع مجلس النواب تحمّل تداعياته، ولذلك تتطلّب القضية غطاءً مسيحياً شاملاً، وثانيهما أنّ الإحالة أصلاً تحتاج إلى ثلثيْ عدد مجلس النواب.

 أمّا الأمر الأهمّ فهي المعلومات الموثوقة التي وصلت إلى برّي والحزب بأنّ البيطار لن يزيح عن صلاحيّته بملاحقة مَن ادّعى أو سيدّعي عليهم من السياسيين، وبأنّ قراره الظنّيّ سيتضمّن المسار الكامل للاتّهامات والادّعاءات و”تهرّب” المدّعى عليهم من المثول أمامه.

عمليّاً، يستمرّ “إنعاش” الحكومة في المقام الأوّل عبر اجتماعات مكّوكيّة في السراي لا “تُقرّش” في أجندة المجتمع الدولي

وبات من المسلّم به أنّ الثنائي الشيعي يتعاطى مع “حالة البيطار” باعتبارها مصدر خطر عليه على خلفيّة أدائه وارتكاباته القانونية والدستورية وتماهيه مع توجّه خارجي في تسييس الملف، وهي أسباب تعزّز، برأيه، مشروعيّة المطالبة بتنحيته بالكامل عن ملفّ تحقيقات المرفأ.

أمّا المقايضة بين إحالة ملاحقة السياسيين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وقبول المجلس الدستوري الطعن المقدّم من تكتّل لبنان القوي في شأن اقتراع المغتربين لنواب الاغتراب الستّة، فقد وجد باسيل نفسه يقدّم فيها من كيسه لأنّ قبول الطعن وحرمان المغتربين حقّ الاقتراع لـ128 نائباً هما مصلحة مشتركة للتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل.

رسائل” ميقاتي

وقد تزامن إعلان ميقاتي بأنّ “مجلس الوزراء مش ماشي” مع تسريب الموقع الإلكتروني المحسوب على رئيس الحكومة خبراً، نقلاً عن “مصدر قضائي بارز”، ورد فيه أنّه “مع الانطلاقة الجديدة للمحقّق العدلي بعد سقوط كلّ دعاوى الارتياب ومخاصمة الدولة، يستعدّ البيطار للقيام بخطوات جديدة في مسار الاستدعاءات والتحقيقات”.

وفيما يُتوقّع استئناف دياب والوزراء يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق “معركتهم” القضائية مع البيطار بعدما حدّدت الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، الغرفة الأولى في محكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي عيد، باعتبارها المرجع الصالح لتقديم دعاوى الردّ ضدّ المحقّق العدلي، برز ما أوردته قناة “المنار” من أن “لا جلسات إلى الآن تبشّر بحلحلة للأزمات المتفاقمة”.

وفي ردّ مباشر على الرئيسين عون وميقاتي، قالت قناة المنار إنّه “لا مَن يقتنع أنّ فصل السلطات لا يعني منح الدكتاتورية لأيٍّ منها، وتخطّيها لكلّ الحدود والصلاحيّات المعطاة لها، وعليه فإنّ الحلول المرجوّة غير ممكنة إلى الآن”.

وعَلِم “أساس” أنّ الرئيس نبيه برّي سيدعو إلى جلسة الأسبوع المقبل لإقرار بعض اقتراحات القوانين، ولن يُدرج على جدول أعمالها البند المتعلّق بالتصويت على عريضة الاتّهام النيابية أو أيّ بند يمهّد لإحالة ملفّ ملاحقة السياسيين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وقد استبق ذلك بدعوة هيئة مكتب المجلس إلى جلسة يوم غدٍ لإعداد جدول أعمال الجلسة، وعلى رأسه قانون “الكابيتال كونترول” وتعديل قرض البنك الدولي للأكثر فقراً (البطاقة التمويلية) وزيادة اعتمادات أوجيرو.

الأمر الأهمّ فهي المعلومات الموثوقة التي وصلت إلى برّي والحزب بأنّ البيطار لن يزيح عن صلاحيّته بملاحقة مَن ادّعى أو سيدّعي عليهم من السياسيين، وبأنّ قراره الظنّيّ سيتضمّن المسار الكامل للاتّهامات والادّعاءات و”تهرّب” المدّعى عليهم من المثول أمامه

إنعاش” الحكومة

عمليّاً، يستمرّ “إنعاش” الحكومة في المقام الأوّل عبر اجتماعات مكّوكيّة في السراي لا “تُقرّش” في أجندة المجتمع الدولي الذي أرسل رسائل واضحة للبنان مفادها أنّ “عمليات الترقيع” لا تنفع في استجرار الكهرباء والغاز، ولا في “فتح” الصناديق ومدّ الحكومة بالقروض، ولا حتى في التوصّل إلى تفاهم نهائي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو إقرار خطة التعافي المالي وموازنة 2022، ما لم تمارس الحكومة صلاحيّاتها “بمسؤوليّة وإنتاجية “إصلاحية” عالية”.

ثانياً، تستمدّ الحكومة استمراريّتها من الموافقات الاستثنائية التي كرّست واقعاً شاذّاً وغير دستوري عبر توقيع عشرات المراسيم في ظلّ حكومة أصيلة، لا حكومة تصريف أعمال، وهو ما حدث سابقاً أيام حكومة حسان دياب، وأيام حكومة ميقاتي المستقيلة خلال ولاية الرئيس ميشال سليمان.

ومن كبرى المفارقات أنّ المنظّر الحالي للموافقات الاستثنائية سليم جريصاتي هو نفسه مَن أفتى عام 2013، حين كان يرأس “الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون”، بأنّ “الموافقات الاستثنائية بدعة دستورية تختزل سلطة مجلس الوزراء والوزير المعنيّ معاً، شكلاً ومضموناً، وتُشرك رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية، في حين أنّه يتولّى رئاسة الدولة، وكلّ ذلك وفقاً لإفادة موقّعة من المدير العامّ لرئاسة مجلس الوزراء منفرداً.

إقرأ أيضاً: هل من تسوية في الأفق.. الوزراء إلى المجلس الأعلى

حدث ذلك يوم كان ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وحكومة نجيب ميقاتي مستقيلة تصرّف الأعمال، وتمام سلام مكلّفاً تشكيل حكومة، فيما الحكومة اليوم أصيلة، وهذا ما يجعل من الموافقات الاستثنائية خرقاً دستورياً أكبر وأفظع.

وقد أحال وزير المال يوسف خليل أمس على الأمانة العامّة لمجلس الوزراء مشروع مرسوم يرمي إلى نقل اعتماد من احتياط الموازنة لعام 2021 إلى وزارة الداخلية بقيمة 5 مليارات ليرة للإعداد للانتخابات النيابية المقبلة. لذا يُتوقّع أن يصدر المرسوم أيضاً بصيغة الموافقة الاستثنائية وذلك قبل صدور قرار المجلس الدستوري بشأن الطعن المقدّم من التيار الوطني الحر…

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…