ما الذي تغيّر كي يقبل ميشال عون بتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي؟ هل يعتبر انتصاره، مع جبران باسيل، على سعد الحريري سبباً كافياً كي يسهّل تشكيل حكومة قد تساعد في وقف حال الانهيار الذي لم يعُد من قعر له لبلدٍ كان إلى الماضي القريب مزدهراً؟
الأكيد أنّ ميشال عون لم يتغيّر. لم يشفِ غليله من رفيق الحريري بعد. إنّه تعبير عن حقد على كلّ ناجح وكلّ نجاح. لا يغيّر في ميشال عون ما يحلّ بلبنان، أبقي المسيحيون فيه أم استمرّت هجرتهم منه، أبقي نظام مصرفي ومرفأ بيروت وجامعات ومستشفيات وفنادق وكهرباء ودواء، أم لم يبقَ شيء من لبنان!
لم يتغيّر شيء في ميشال عون منذ دخل إلى قصر بعبدا للمرّة الأولى في 1988، وخرج منه في 13 تشرين الأول 1990، عندما سمحت الولايات المتحدة لحافظ الأسد باستخدام سلاح الجوّ السوري لقصف القصر الرئاسي
ما تغيّر، في النقلة من سعد الحريري إلى نجيب ميقاتي، هي حسابات “حزب الله” الذي امتنع عن تسمية سعد الحريري في الاستشارات النيابية قبل تسعة أشهر، لكنّ نوابه سمّوا نجيب ميقاتي قبل أيّام. الحسابات في النهاية هي حسابات الحزب المرتبطة كلّيّاً بالحسابات الإيرانية من منطلق أنّ لبنان ورقة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” لا أكثر. هل يقف هذا التغيير وراء كلام نجيب ميقاتي عن “ضمانات دولية” يمتلكها؟
قضت حسابات “حزب الله” في مرحلة معيّنة بتوفير أكثريّة تفرض تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة. استخدَم وقتذاك هذا التكليف كي لا يشكّل سعد الحريري حكومة. استخدَم عمليّاً ميشال عون وجبران باسيل في سبيل تحقيق هذا الهدف الذي يعبّر عن رغبة في المماطلة. هل بات مسموحاً لنجيب ميقاتي بتشكيل حكومته شاء ميشال عون وجبران باسيل ذلك أم لا؟
لم يتغيّر شيء في ميشال عون منذ دخل إلى قصر بعبدا للمرّة الأولى في 1988، وخرج منه في 13 تشرين الأول 1990، عندما سمحت الولايات المتحدة لحافظ الأسد باستخدام سلاح الجوّ السوري لقصف القصر الرئاسي. كافأت الإدارة الأميركية وقتذاك حافظ الأسد على مشاركته في حرب تحرير الكويت إلى جانب القوات الأميركية التي تجمّعت في حفر الباطن.
هرب ميشال عون حينذاك إلى منزل السفير الفرنسي رينيه آلا القريب من قصر الرئاسة. بقي في منزل السفير بضعة أشهر بعدما أصرّ الرئيس فرنسوا ميتران على السماح له باللجوء إلى فرنسا من منطلق أنّ “شرف فرنسا” يمنعها من التخلّي عن سياسي لبناني لجأ إلى حمايتها.
لم يخرج ميشال عون من قصر بعبدا إلّا بالقوّة. ظلّ يعتقد، إلى اللحظة الأخيرة، أنّ هناك مَن سيأتي ويقول له إنّ في استطاعته أن يكون رئيساً للجمهوريّة. كان مبعوثٌ له في طريقه إلى عنجر صباح 13 تشرين الأوّل للقاء غازي كنعان، المفوّض السامي السوري في لبنان، وقتذاك. لم يدرِ المبعوث أنّ قاذفات “سوخوي” السوريّة سبقته إلى قصر بعبدا.
سيكون يوم الرابع من آب يوماً حاسماً. إذا تمكّن نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة قبل ذلك التاريخ، سيكون ذلك دليلاً على أنّ لدى الحزب وسائل “الإقناع” الكافية التي تجعل ميشال عون يعيد النظر في حساباته
لم يستوعب ميشال عون يوماً معنى وجود غطاء عربي ودولي لاتفاق الطائف الذي سمح بأن ينتخب مجلس النوّاب رينيه معوّض رئيساً للجمهوريّة. منع ميشال عون رينيه معوّض من الوصول إلى قصر بعبدا، وجعل منه هدفاً سهلاً للنظام السوري الذي لم يكن راضياً عنه. اُنتُخب الياس الهراوي رئيساً للجمهوريّة. لم يقتنع به ميشال عون إلّا بعدما صار الجيش السوري في قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة التي صودرت منها كلّ ملفّات الجيش اللبناني.
لم يتغيّر شيء في ميشال عون في تموز 2021. آخر ما يهمّه هو لبنان. عفواً تغيّر شيء واحد. بات مطلوباً أن يوجد مَن يقول له إنّ عليه القبول بحكومة برئاسة نجيب ميقاتي. في المحصِّلة، حقّق “حزب الله” إنجازين. أرضى جبران باسيل وميشال عون، وجعلهما يصدّقان أنّ انتصاراً تحقّق على سعد الحريري، وهو في الواقع انتصار لا معنى له بمقدار ما هو انتصار على لبنان واللبنانيين، على شاكلة الانتصارات التي يحقّقها الحزب. أمّا الإنجاز الآخر فيتمثّل في إظهار الحزب لكلّ مَن يعنيه الأمر أنّ لبنان ليس سوى ورقة إيرانية، وأنّ تشكيل حكومة فيه أو عدم تشكيلها رهن رغبة “الجمهوريّة الإسلاميّة”.
سيعمل نجيب ميقاتي على تشكيل حكومة سريعاً، أي قبل الرابع من آب المقبل، موعد الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، الذي هو كارثة وطنيّة لم يستطع الثنائي عون – باسيل استيعاب معناها وأبعادها وتأثيرها على مستقبل بيروت ولبنان ودورهما في المنطقة.
تدلّ تجارب الماضي القريب أنّ ما يحلّ بلبنان واللبنانيين ليس في بال ميشال عون. لا يمكن تغيير ميشال عون الذي لا يتحرّك إلّا تحت الضغط. ما يهمّه حالياً هو ضمان وصول جبران باسيل إلى موقع رئيس الجمهوريّة، ولا شيء آخر غير ذلك. هذا واضح. ما هو واضح أكثر أنّه لا يستطيع، في المقابل، رفض ما يطلبه منه “حزب الله”. الدليل على ذلك استبعاده الكامل للتحقيق الدولي منذ اللحظة الأولى لتفجير مرفأ بيروت.
ما ليس معروفاً إلى هذه اللحظة هو هل لدى “حزب الله” ما يكفي من وسائل “الإقناع” كي يفهم ميشال عون أنّ تشكيل الحكومة اللبنانية هو ورقة إيرانية، وليس ورقة في خدمة المستقبل السياسي لجبران باسيل الذي فُرِضت عليه عقوبات أميركية يصعب التخلّص منها يوماً…
إقرأ أيضاً: أنا ميشال عون: الجنرال العتيق… والمهزوم
سيكون يوم الرابع من آب يوماً حاسماً. إذا تمكّن نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة قبل ذلك التاريخ، سيكون ذلك دليلاً على أنّ لدى الحزب وسائل “الإقناع” الكافية التي تجعل ميشال عون يعيد النظر في حساباته. هذه الحسابات التي لم تأخذ في الاعتبار يوماً النتائج المترتّبة على توقيع وثيقة مار مخايل قبل عشر سنوات، وثمن ذلك مسيحياً على وجه التحديد، ولبنانياً بشكل عام…