الإليزيه تفتتح السباق الرئاسيّ… وباسيل ممتعض

مدة القراءة 6 د

عَكَس اللقاء غير المتوقّع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقائد الجيش العماد جوزف عون رسائل سياسية، أكثر بكثير من “التقريش المادي”، في أسوأ مرحلة تمرّ بها المؤسسة العسكرية منذ انتهاء الحرب الأهليّة.

فلا جدال في الدعم الفرنسي، واستطراداً الأميركي، للجيش اللبناني. لا يقف الأمر عند التصريحات العلنيّة لمسؤولي الطرفين، بل يتخطّاه إلى استمرار التدفّق المنظّم، على جرعات، لهذا الدعم بما يوفِّر بقاء الجيش واقفاً على رجليْه حتى مع جيوب عسكريّيه الفارغة.

لكنّ المؤتمر الدولي، الذي وَعَد الفرنسيّون قائدَ الجيش به، لا يزال، وفق المعطيات، طرحاً فرنسيّاً من باب الدعم المعنوي أوّلاً، ويحتاج إلى ما يشبه استنهاض باريس لدول الاتحاد الأوروبي لتتبنّى بند “المساعدات العاجلة والفورية” للمؤسسات العسكرية والأمنيّة في لبنان.

ولن يكون الإعداد لمؤتمر أو منتدى مفصولاً عن “الأولويّة المطلقة” لدى الفرنسيين بتشكيل حكومة إصلاحات. رغم أنّ “السقوف” التي وضعها أفرقاء الداخل طيّرت احتمالات ولادتها في الأشهر المنصرمة. ما انعكس بموقف صريح من ماكرون حين قال إنّ “تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة في لبنان، يبقى الشرط لحصول البلاد على مساعدة دولية على مدى أطول”.

وحتّى تتبيّن معالم المؤتمر الدولي لدعم المؤسسة العسكرية، الذي تردّد عن احتمال عقده أواخر حزيران أو بداية تموز، سيبقى الداخل اللبناني منشغلاً بفكّ شيفرة استقبال الرئيس الفرنسي لقائد الجيش، الذي شكّل خرقاً لبروتوكول الإليزيه و”إضافةً” نوعيّة إلى الحفاوة الفرنسية بالزائر العسكري من خلال برنامج لقاءاته المعدّ سلفاً. وهي صورةٌ لا يمكن فصلها عن مشهدٍ آخر له دلالاته في السياسة.

المؤتمر الدولي، الذي وَعَد الفرنسيّون قائدَ الجيش به، لا يزال، وفق المعطيات، طرحاً فرنسيّاً من باب الدعم المعنوي أوّلاً، ويحتاج إلى ما يشبه استنهاض باريس لدول الاتحاد الأوروبي لتتبنّى بند “المساعدات العاجلة والفورية” للمؤسسات العسكرية والأمنيّة في لبنان

فقد تزامنت زيارة عون إلى باريس مع تخوّف عدد من السياسيين والمستشارين في لبنان من إدراجهم على لوائح منع السفر إلى باريس، ومع سلسلة لقاءات أجراها النائب سيمون أبي رميا مع مسؤولين فرنسيين، موفداً من النائب جبران باسيل وبغطاء رئاسي، من أجل حثّ باريس على عدم السير بخيار فرض عقوبات على شخصيات لبنانية من منطلق “تقويمها السياسي” للمسؤولين عن العرقلة الحكومية، بل استناداً إلى تورّط هؤلاء في ملفّات فساد أو تحويل أموال إلى الخارج.

يُصنّف النائب أبي رميا ضمن “الجَناح المعارض” في التيار الوطني الحر، وقد كُلّف بهذه المهمّة بحكم علاقاته القوية مع الفرنسيين، التي راكمها منذ مواكبته لمرحلة نفي العماد عون إلى باريس عام 1991. وهو بالتأكيد من الذين لديهم مآخذ جمّة على “الإدارة الباسيليّة” قبل 17 تشرين وبعده. وفي لقاءاته الباريسية اجتمع مع مسؤولين في الإليزيه والـ”كي دورسيه”، وأعضاء لجنة الصداقة البرلمانيّة الفرنسيّة في مجلسَيْ النواب والشيوخ، والهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد الفرنسيّة، ووضع هؤلاء في صورة القوانين التي أقرّها مجلس النواب في سياق مكافحة الفساد “بدفعٍ من الرئيس ميشال عون”.

مع ذلك، فإنّ وجوده في باريس تزامناً مع تشريع الإليزيه أبوابها لأحد المرشّحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، (وهو الواقع الذي تدركه جيداً الرئاسة الفرنسية)، ليس تفصيلاً عابراً. ولا سيّما أنّ الأزمة السياسية حضرت في لقاء نصف الساعة بين ماكرون والقائد عون من باب التوصيف المشترك لخطورة المرحلة وتأثيرها على الاستقرار والأمن.

حين نتحدّث عن عقوبات أوروبية وفرنسية، ربطاً بالعرقلة الحكومية، يكون باسيل، المرشّح المُفترض لرئاسة الجمهورية، أوّل من “يَلمع” اسمه، ومعه سلّة محتملة من الأسماء التي تدور في فلكه وفلك رئيس الجمهورية وصولاً إلى بيت الوسط.

و”كيفما بَرَمت”، وضع محيط باسيل لقاء ماكرون – عون في إطار الإشارات الجدّيّة غير المُطمئِنة التي تتقاطع مع أسوأ عزلة دولية يشهدها العهد منذ 2016، وعلى بعد نحو عام من نهاية الولاية الرئاسية. حتى في ظل إقرار كثر بأنّ الدور الفرنسي أُصيب بنكسة كبيرة بعد سقوط المبادرة الفرنسية وانصراف الرئيس الشابّ إلى أصعب معركة رئاسية في مواجهة زعيمة اليمين المتطرّف ماري لوبن.

في قاموس الواقعية السياسية، يصعب جدّاً حجب البُعد السياسي للقاء الإليزيه في ضوء آخر update  للمرشّحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وفي ظل واقع أنّ العماد عون ينفي حتى الآن أنّه يحمل أيّ طموحات رئاسية. ويقدّم أولويّات وحاجات المؤسسة العسكرية على أيّ أمر آخر.

رياض سلامة، الأشهر على لائحة “المُسترئسين”، الذي تُوّج مراراً من أفضل حكّام المصارف المركزية في العالم، سُمعَته المالية والنقدية اليوم مثار شبهات، وكمّ من الدعاوى ضده بجرائم اختلاس وتبييض أموال في سويسرا وبريطانيا وفرنسا، إضافةً إلى تحقيقات مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في دعوى القضاء السويسري، وطلبه من سلطات الدول الثلاث الحجز على ممتلكات سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، كما ذكرت صحيفة “الأخبار”. وهو أمرٌ نفته النيابة العامة التمييزية، لكن بشكل مبهم.

حين نتحدّث عن عقوبات أوروبية وفرنسية، ربطاً بالعرقلة الحكومية، يكون باسيل، المرشّح المُفترض لرئاسة الجمهورية، أوّل من “يَلمع” اسمه، ومعه سلّة محتملة من الأسماء التي تدور في فلكه وفلك رئيس الجمهورية وصولاً إلى بيت الوسط

أمّا بالنسبة إلى باسيل، فقد نقل عن لسان النائب إيلي الفرزلي الذي كان من الدائرة الضيّقة لرئيس الجمهورية، أنّ “ميشال عون وافق منذ نحو سنة على اقتراحه الاستقالة قبل أشهر من نهاية عهده تمهيداً ليخلفه جبران باسيل”.

ليست طموحات باسيل الرئاسية، المشروعة بطبيعة الحال، بخافيةٍ على أحد، لكنّ نائب البترون بات يحتاج إلى معجزة حقيقية، ليس فقط لإدراج اسمه من ضمن المرشّحين الجدّيّين لرئاسة الجمهورية، بل لبقائه رئيس أكبر كتلة نيابية، ولصوغ تحالفات سياسية تبقيه صاحب تأثير ضمن القرار السياسي.

إقرأ أيضاً: سباق أميركيّ – فرنسيّ لدعم الجيش: رئاسة أو أمن؟

وقد يحتاج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى أن يخسر بشار الأسد ولايته الرئاسية الرابعة، بعد 21 عاماً في السلطة، ثمّ إلى أن يسلّم حزب الله سلاحه، وأن ينبعث دونالد ترامب مجدّداً، كي يصبح مشروعاً محتملاً لرئاسة الجمهورية.

ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا يزال يراهن على أن كرسيّ الرئاسة الأولى ستؤول إليه حتماً بعد ميشال عون. لكن منذ العام 2016، حصلت تغييرات إقليمية ودولية ومحليّة تقارب الانقلاب الذي بات معه اسم سليمان فرنجية غير مؤاتٍ لمتطلّبات مرحلة، أقلّه في الداخل، يُفترض أن تخلع رداء “المنظومة” السابقة المتحكّمة باللعبة السياسية منذ التسعينيات.

وفي الفضاء الرئاسي تتطاير أسماء تشبه جوزف عون بمنحاها الخارج عن “السائد”، والمتداول في سوق الترشيحات، مع التسليم بأنّ الأخير يحصد قبولاً واحتراماً وثقة العديد من المرجعيّات الدولية. والتبصير في “فنجان” هؤلاء المرشّحين لا يستوي مع مرحلة غموض كامل يسيطر في الإقليم. لكن للمرّة الأولى لن يكون “المرشّحون التقليديّون” وحدهم أسياد الملعب الرئاسي… والسباق بدأ لتوّه.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…