باسيل “ينافس” على المركز الثاني في انتخابات سوريا؟

مدة القراءة 4 د

سيفوز بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية السورية، بلا ريب، في آخر هذا الشهر. حسم جبران باسيل المسألة وثبّته بتغريدة حاسمة، كما يفعل حكَم مصارعة “حرّة” محترف. واحد، اثنان، ثلاثة: ويعلنه بطلاً، رافعاً قبضته عالياً، هازماً شعبه المكوّم على الأرض. جبران باسيل لا يحبّ الانتخابات الديموقراطية. جرّبها أكثر من مرّة وخسر مرّتين. لهذا يجد أنّ التجربة البعثيّة في الانتخابات أضمن، لأنّها توفّر له الفوز الأبدي. جبران يحلم بأن يصير رئيساً للبنان على غرار التجربة السورية، التي أرساها آل الأسد. يريد أن يرث الرئاسة من عمّه، كما ورث بشار الرئاسة عن أبيه. وطبعاً، بالانتخابات. هو حريص على الديموقراطية. الديموقراطية التي يُحدَّد فيها الفائز قبل إجراء الانتخابات، ومن دون جدال.

ستكون الانتخابات الرئاسية السورية أقرب إلى حفل تتويج، بعيدة كلّ البعد عن المنافسة. سيتربّع الأسد على المنصّة المخصّصة للمركز الأوّل. وستكون المنافسة “حامية الوطيس” بين عبدالله سلوم عبدالله ومحمود مرعي على المركز الثاني. شيء أشبه بمباريات المونديال التي تحدّد المركزين الثالث والرابع. وهذه المباريات تُخاض قبل المباراة النهائية. ويبقى لها بعض المتابعين، على الرغم من أنّ المشجّعين المتعصّبين لا يعترفون إلا بالمركز الأول. فيما يبدو المونديال كرنفالاً بالنسبة إلى كثير من المنتخبات، وبعضها يكفيه أن يتأهّل إلى التصفيات ويلعب في كأس العالم، ينافس آخرون  من أجل حمل الكأس. ولا يقبلون بأقلّ منه. وهذه حلاوة المونديال، إذ إنّه يشهد منافسة حامية بين فرق تطلب المركز الأول وتسعى إليه بكامل إمكاناتها. أمّا الفِرَق المتواضعة، فتبدو أحلامها أقلّ طموحاً، وترتضي بالمشاركة أحياناً، وبـ”اللعب الحلو”. كلّ هذه “الروح” غير موجودة في انتخابات الرئاسة السورية. تخيّل، مثلاً، أن يشارك المنتخبان الألماني والبرازيلي في المونديال، وهما يعلمان سلفاً أنّ الكأس محسومة وثابتة للمنتخب الإيطالي. 

بشار الأسد سيفوز في الانتخابات الرئاسية السورية، بلا ريب، في آخر هذا الشهر. جبران باسيل حسم المسألة وثبّته بتغريدة حاسمة، كما يفعل حكَم مصارعة “حرّة” محترف

لكنّ دولة مغمورة على مستوى كرة القدم العالمية، كسوريا مثلاً، سيسعدها أن تشارك في البطولة حتّى لو خرجت من المنافسة في المراحل الأولى، وحتّى لو علمت مسبقاً أنّ المنتخب الإيطالي، مثلاً، سيستحوذ على الكأس، وثابتٌ على تزعّم البطولة إلى الأبد. هكذا يبدو عبدالله سلوم عبدالله ومحمود مرعي مشاركين في الحدث الرئاسي السوري مع علمهما أنّ بشار الأسد ثابتٌ لا يتزحزح. ويتنافسان، ليس معه، بل في ما بينهما، على المركزين الثاني والثالث. هذا إذا سلّمنا، وصدّقنا، أنّ عبد الله ومرعي ترشّحا بكامل إرادتيْهما، بقصد “المنافسة” التي نفترضها. فهما يعلمان تماماً أنّ الانتخابات مسرحية. ويعلمان أنّ الرئاسة ثابتة ومحسومة لبشّار الأسد. ويعلمان أيضاً أنّهما “كومبارس” يريده المُخرِج في المشهديّة لكي لا يبدو الأمر كأنّه مبايعة. لكنّ مُخرِج الانتخابات الرئاسية السورية يبدو من مدرسة مخرج خطابات الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي يعمل على توليف الخطاب لمحاولة إقناع الناس أنّ الرئيس متمكّن وقادر على مخاطبة اللبنانيين في فيديو متماسك لأكثر من أربع دقائق. ومُخرج الانتخابات الرئاسية السورية، على هذا النهج، يحاول إقناع الناس بأنّ ديموقراطيةً ما تمنح شخصين “شرف” منافسة الأسد، الذي، كما في “مصارعة حرّة” (المعروف أنّ مباريات المصارعة كلّها تمثيل، ونتائجها معدّة سلفاً من المنظّمين)، سيقوم، بكامل حريتهما، بهزيمتهما شرّ هزيمة على الحلبة، ثمّ يأتي الحَكَم، ويكون غالباً على طراز جبران باسيل، ويعلن انتهاء المباراة بفوز الأسد.

إقرأ أيضاً: “تيس البوكمال” وتمارُض بشّار

في خاتمة كتابهم “في رأس بشار الأسد”، الصادر بالفرنسية، يتخيّل فاروق مردم بيك وزياد ماجد وصبحي حديدي بشّار الأسد وهو يتحدّث مع أبيه حافظ، فيقول له: “الشعب الحقيقي يحبّني، بل يمكنني القول إنّه يعبدني. لقد سمعت أخيراً مجموعةً من الشبّان وهم يهتفون شعاراً مقفّى أعجبني: “لقد حان الوقت، يا الله، ليأخذ مكانَك بشّار”. آسف يا أبي، لكنّهم قالوا بشار، ولم يقولوا حافظ”.

هذا التخيّل يأتي في عمق “الديموقراطية” السورية المزعومة: الشعب لا ينتخب ليمارس حقّه الديموقراطي في التغيير، بل ينتخب ليثبت علاقتَه العبوديّةَ بالزعيم المؤلّه. وهذا المنطق ليس بعيداً عن جبران باسيل وتيّاره الوطني “الحرّ”، على غرار المصارعة “الحرّة”، والانتخابات الرئاسية السوريّة… “الحرّة”!

 

مواضيع ذات صلة

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….

رعب أوروبا من تقاطع ترامب وبوتين فوق سمائها

قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، لا تخفي عواصم في أوروبا قلقها من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يقوم ذلك القلق على شكّ…

“الميدان” الذي ننتظر “كلمته” يتمدّد من الخيام إلى إيران

“الكلمة للميدان” هي اللازمة التي تردّدها قيادة الحزب في تعليقها على جهود وقف النار في لبنان وشروط إسرائيل. بين ما يرمي إليه استخدام هذه العبارة…