بين بوتين وبايدن: من هو القاتل؟

مدة القراءة 4 د

وصف الرئيس الأميركيّ جو بايدن الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بـ”القاتل”، فاضطربت العلاقات بين موسكو وواشنطن نتيجة ذلك. وهي مضطربة في الأساس حول الملفّ النوويّ بين الدولتين، روسيا والولايات المتّحدة، وحول العلاقة مع الصين منذ إطلاقها مشروعها الطموح: طريق الحرير الجديد. وتبادلت العاصمتان سَحْب السفراء. فهل بوتين قاتلٌ فعلاً؟

أثناء الحرب العالميّة الثانية اجتاحت القوّات الألمانيّة الاتحاد السوفياتي وحاصرت بالنار والتجويع مدينة سانت بطرسبورغ (ليننغراد سابقاً). أدّى ذلك إلى مقتل مئات الآلاف من سكّان المدينة وضواحيها. وقد كان الناس يأكلون لحوم الموتى من شدّة الجوع والبرد. مع ذلك لم تستسلم القوّات السوفياتيّة، فقد تصدّت للقوّات النازيّة المهاجمة بضراوة. آنئذٍ كان والد بوتين جندياً في الجيش السوفياتيّ. وبعد أسابيع من القتال في الجبهة، حصل على إذن لتفقّد عائلته في المدينة. عندما وصل الرجل إلى شارع قريب من بيته رأى سيّارة شحن عسكريّة محمّلة بجثث المدنيّين الذين قُتلوا تحت القصف. كانت الجثث مجموعةً من الشوارع على عجل، ومتراكمةً بعضها فوق بعضٍ من دون تنسيق. وقف الرجل أمام الشاحنة كغيره من المواطنين المذعورين. وفجأة لاحظ في قدم جثّة امرأة حذاءً شبيهاً بحذاء سبق أن اشتراه هو لزوجته قبل أن يتوجّه إلى الجبهة. تقدّم من الشاحنة ليتفحّص الجثّة فمنعه العسكريّون السوفيات، لكنّه أبرز بطاقته العسكريّة وأبلغ المسؤولين رغبته في التأكّد من هويّة جثّة المرأة خوفاً من أن تكون زوجته، فسُمح له، واكتشف أنّها بالفعل زوجته، أو كانت زوجته. وبناءً على طلبه وإلحاحه، واحتراماً “لعسكريّته”، نُقلت الجثّة من الشاحنة وسُلّمت إليه لدفنها في مقبرة العائلة. أمّا بقيّة الجثث فدُفِنت في مقبرة جماعيّة. في البيت اكتشف أن الجثّة لا تزال تنبض ببعضٍ من حياة، فسارع إلى نقلها إلى المستشفى لتخرج منها بعد أيّام على قدميها.

في العام التالي حملت الزوجة، وأنجبت ولداً اسمه فلاديمير. وهذا هو الرجل الذي يحكم الكرملين الآن، وهو الذي وصفه الرئيس الأميركيّ بأنّه “قاتل”.

وصف الرئيس الأميركيّ جو بايدن الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بـ”القاتل”، فاضطربت العلاقات بين موسكو وواشنطن نتيجة ذلك. وهي مضطربة في الأساس حول الملفّ النوويّ بين الدولتين

أمّا الرئيس جو بايدن فله قصّة أخرى. هو من عائلة هاجرت من إيرلندة أثناء المجاعة التي ضربتها بسبب الحصار البريطانيّ عليها. امتهن والده بيع السيّارات المستعمَلة في مدينة ديلاوير. وكان ابنه “جو” يساعده في العمل حتّى خلال فترة دراسته في جامعة المدينة، ثم في جامعة “سيراكوز” التي تخرّج فيها جو من كلّيّة الحقوق. ولكنّه تخرّج بصعوبة بالغة. كان الأخير في لائحة الناجحين، وهو لم يُقبل في كلّيّة الحقوق في جامعة “سيراكوز” إلا بشقّ الأنفس.

لم يسبقه إلى البيت الأبيض سوى رئيس واحد كان بهذه المواصفات العلميّة المحدودة والمتواضعة، وهو رونالد ريغان. كان بايدن نائباً للرئيس باراك أوباما الذي تخرّج بتفوّق من جامعة هارفرد في الحقوق. وبسبب عمق ثقافته كان أوباما يفكّر كثيراً قبل أن يتكلّم. ومعروف عنه أنّه كان يتوقّف حتى أثناء الكلام للتمعّن في ما سيقوله، بخلاف بايدن الذي اختصر المسافة بين عقله ولسانه. وقد واجه بسبب ذلك مشاكل محرجة لم يخرج منها إلا بعد أن اضطُرّ إلى دفع ثمن معنويّ مرتفع. أمّا الآن وفي مستهلّ عهده، فإنّه ليس مستعدّاً لدفع مثل هذا الثمن حرصاً منه على معنويّات الرئاسة في زمن التحدّيات الكبرى. وبعد عمليّة أوكرانيا واستعادة موسكو لشبه جزيرة القرم، فإن تهمة الرئيس الأميركيّ للرئيس الروسيّ لا تنطلق من عدم.

إقرأ أيضاً: روسيا: من هو دوغين؟ وكيف سيعيد الإمبراطورية؟

عندما انتُخِب أوباما رئيساً للولايات المتّحدة، ردّد عبارة لا تزال تُنقل عن لسانه حتى اليوم. قال: “سوف يذكر العالم أنّها اللحظة التي سيتوقّف فيها ارتفاع مستوى البحار والمحيطات، وتبدأ الكرة الأرضيّة تتعافى”. فكان مؤتمر باريس فيما بعد حول المناخ. أمّا جو بايدن، بعد انتخابه رئيساً، فقد أصدر الحكم على بوتين بأنّه قاتل. فهل هي زلّة لسان أم حكمٌ سياسيٌّ وأخلاقيٌّ مبنيٌّ على الاتهامات التي سبق أن وُجِّهت إلى روسيا بالتدخّل في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة لمصلحة دونالد ترامب ضدّ هيلاري كلنتون أوّلاً، ثم ضدّ بايدن نفسه؟ وإذا كان بوتين قاتلاً، فمن هو المقتول؟ ثمّ ماذا يعني توجيه اتّهام بالقتل لرئيس خرج هو نفسه من رحم الموت في وقت كانت الإحصاءات تتركّز على عدد الأموات لا على عدد المواليد؟

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…