أين الأجهزة الأمنية من جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم؟ سؤال مشروع، بعد مرور أسبوع على الجريمة النكراء، التي أردت سليم شهيداً في بلدة العدّوسية – قضاء النبطية.
أسبوع، وما تزال الروايات متضاربة، بين “مصادر”، و”معلومات”… فيما لم يخرج علينا أيّ جهاز أمني، بأيّ معلومة عن التحقيق، وإطاره.
إلى ذلك كان لافتاً ما كشفه الدكتور حارث سليمان، عبر حسابه على “فيسبوك”، ومضمونه أنّ التحقيق في جريمة اغتيال سليم يتم في مخفر “جويا”.
هذه المعلومة طرحت علامات استفهام حول جدّية التحقيق. فبلدة جويا الجنوبية خاضعة لنفوذ الثنائي الشيعي، وحزب الله هو على رأس قائمة المتّهمين باغتيال سليم، فضلاً عن أنّ عملية الاغتيال حصلت في منطقة يسيطر عليها الحزب.
فهل سلمّت الدولة التحقيق إلى الدويلة؟ سؤال آخر مشروع.
الدكتور حارث سليمان، الأستاذ الجامعي، واحد من قدامى المعارضين لقوى الأمر الواقع في الجنوب والبقاع، والمعارض لحزب الله، وله باع طويل من النضال مع حركة “فتح” في القرن الماضي.
كان لافتاً ما كشفه الدكتور حارث سليمان، عبر حسابه على “فيسبوك”، ومضمونه أنّ التحقيق في جريمة اغتيال سليم يتم في مخفر “جويا”
يؤكّد سليمان بداية أنّه ما من تحقيق يجري في جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم إلاّ في مخفر “جويا”، ويوضح لـ”أساس” أنّ المخفر قد استدعى سكرتيرة سليم في مكتب “أمم”، فذهبت الأخيرة إلى جويا حيث أدلت بإفادتها.
جغرافياً، يمكن تبرير استلام المخفر التحقيق، لكن للأمر بعدٌ آخر وفق سليمان، الذي يعلّق بشيء من السخرية: “هذا يظهر مدى اهتمام الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتحقيق، بأن تسلّمه إلى المخفر. من دون أن تلاحقه النيابة العامة وأن تكلّف مثلاً شعبة المعلومات أو المباحث الجنائية أو مخابرات الجيش بمتابعته”.
هل هناك تخاذل وعرقلة في التحقيق؟
يجيب سليمان: “أنا أقول حقائق، وعلى كل طرف أن يستنتج ما يريده”، مضيفاً: “هناك نقطة ثانية وهي الأسوأ. هاتف لقمان عثرت عليه عائلته تبعاً لتطبيق في الهاتف كونه من نوع آيفون، وهو اليوم موجود لدى العائلة وهناك من يدعّي أنّهم يرفضون تسليمه. أما الحقيقة فهي أنّ أحداً من الأجهزة الأمنية لم يطالب به، كما لم تتلقّ العائلة أيّ اتصال حتّى اللحظة من أيّ مسؤول أمني”.
وفيما يترك الدكتور سليمان الحكم للرأي العام، وفق هذه الحقائق المثبتة، يتهم في المقابل الأجهزة الأمنية بالتواطؤ والخوف: “لكي نتأكّد ممن قتل لقمان، يجب أن نأخذ إفادة قادة الأجهزة الأمنية، ونسألهم: من يخيفكم؟”.
سليمان الذي التقى عائلة لقمان سليم، زوجته وشقيقه ووالدته، أوضح لـ”أساس”، أنّه لم يتلمس لدى العائلة حتّى الآن التوّجه للمطالبة بتحقيق دولي، وأنّه ما من شيء ملموس على هذا الصعيد. وكشف في السياق نفسه عن ضغوطات قامت بها السفارة الألمانية لتأمين منزل العائلة، وعن طلبات دولية ومن الرأي العام لإجراء تحقيق جدّي.
ويردف سليمان مؤكداً أنّ “الحقيقة في جريمة اغتيال سليم معروفة، ولا يحتاج أحد للتفتيش عليها. أما الهدف من التحقيق الفعلي فهو تأكيد سردية ما للرواية، كشف المجموعة المنفذة، والتفاصيل وماذا استعملوا في عملية الاغتيال. أما الجهة التي تقف وراء الجريمة فلا تحتاج إلى بحث وتحرٍّ بل هي أعلنت عن نفسها بنفسها”. ويكمل: “أمس إحدى الجهات السياسية أصدرت بيان تعزية، والبيان نفسه يقول إنّها التي قتلته”.
فيما يترك الدكتور سليمان الحكم للرأي العام، وفق هذه الحقائق المثبتة، يتهم في المقابل الأجهزة الأمنية بالتواطؤ والخوف: “لكي نتأكّد ممن قتل لقمان، يجب أن نأخذ إفادة قادة الأجهزة الأمنية، ونسألهم: من يخيفكم؟”
وفي قراءة لعملية الاغتيال، والمرحلة التي ستليها، يرى سليمان أنّه في “كل مرّة يتم عقد تسوية مع الجهة التي ترعى الاغتيالات، وهذ التسوية تشكّل نوعاً من الجائزة السياسية للقاتل. فالجريمة في لبنان لا تتضمن فقط الإفلات من العقاب، بل إنّ الاغتيال السياسي الذي يرتكب تتم مكافأته من قبل أطراف لبنانية، ومن خلال تسويات وتنازلات تقدّمها هذه الاطراف. وأيضاً هناك جهات عربية ودولية تدخل في هذه التسويات وتكافئ القاتل هي أيضاً”.
ويسرد سليمان في هذا السياق تسويات عدّة كانت بمثابة المكافأة: “بعد اغتيال رينيه معوض، ألم يتم تسليم ملف لبنان إلى سوريا، أي إلى القاتل؟ وكذلك بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، تمّ إجراء اتفاق (س – س)، وبعد اغتيال محمد شطح تمّ التوصل إلى ربط النزاع. هذه التسويات هي بطاقة مرور تسمح للقاتل بتثمين جريمته، واليوم قد يكون هناك تسوية ما بعد اغتيال لقمان سليم، خصوصاً أنّ القوى السياسية التقليدية في لبنان غائبة عن السمع وهذا ما لحظناه في ردود فعلها على الجريمة”.
إقرأ أيضاً: عندما لا يعود هناك مفرّ من المواجهة
سليمان الذي ينتمي إلى مجموعة معارضين تروّج لهم صورة على أنّهم “شيعة السفارة”، ضمن حملة تخوين مستمرّة منذ أكثر من 10 سنوات، في وسال إعلام حزب الله وعلى أيدي جيشه الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، يؤكد أنّه ليس خائفاً: “لو كنّا نخاف لما كنّا نتحدث منذ سنوات حتّى اليوم”، مضيفاً: “الأجهزة الأمنية أخبرتنا منذ شهرين أنّ هناك اغتيالات، وتمّ تداول هذه المعلومات في خبر عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، كما ورد في مقال نشر عبر موقعكم في “أساس ميديا”. وتحدّثت المعلومات جميعها عن اغتيالات تطال المعارضة الشيعية. السؤال هنا: ماذا فعلت الأجهزة الأمنية؟ هم أخبرونا أنّنا معرّضون للاغتيال وأنّ الاغتيالات ستطال المعارضة الشيعية. فما الإجراءات التي اتّخذوها لمنع ذلك؟ هل ظنّوا أنّهم ينقلون رسالة القاتل؟ أم كانوا يحذّروننا ويقولون لنا إنّهم يتنبّهون لذلك؟”.
ويختم سليم متوجّهاً إلى “قادة الأجهزة الأمنية، من مخابرات الجيش إلى شعبة المعلومات، وإلى الأمن العام وأمن الدولة، أنتم قلتم لنا إنّنا في مرحلة اغتيالات وأنّها ستطال المعارضين للحزب من الشخصيات الشيعية. فماذا فعلتم؟ هل تواصلتم مع أحد من هؤلاء وطلبتم منه الانتباه؟ بعد اغتيال لقمان سليم، هل اتصلتم بعائلته؟ هل وضعتم حماية حول المنزل كي تستطيع الناس القيام بواجب العزاء؟ أم أنّكم فقط متواطئين بنشر الخوف والترهيب حتّى في كنف زمن العزاء ومكانه؟”.