صرت أكره مفردة النصر

مدة القراءة 3 د

أبدأ مقالتي بكلمات لشاعر مجهول وكانت نُسبت لمحمود درويش قيلت قبل سنوات وكأنها تصف ما يحدث في يومنا هذا.

تنتهي الحرب ويتصافح القادة..

 وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد..

وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب..

وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل..

لا أعلم من باع الوطن ولكنني رأيت من دفع الثمن

فرحت لفرح الذين سعدوا بفرصة للحياة بعد أن كان الموت هو مصيرهم، فرحت لفرح الأمهات اللواتي وضعن مواليدهن بالأمس وأتيحت لهن فرصة أن لا يبكونهم في اليوم التالي.

فرحت للجوعى الذين تزاحموا على لقمة خبز وللعطشى الذين شربوا ماءً ممزوجاً بالملح والرمل، لعلهم يشربون ماءً صافياً كغيرهم من باقي خلق الله.

فرحت للجرحى الذين ستتاح لهم فرصة العلاج بعد أن كان بعيد المنال بفعل تدمير المستشفيات إلا من بعض قليل منها بما لا يكفي لعلاج العشرات في زمن الموت اليومي بالمئات.

فرحت لفرح الأبرياء الذين فقدوا فلذات أكبادهم وأبناء جيرانهم لعل من تبقى من أفراد العائلة يبقى على قيد الحياة.

فرحت للذين دُفن أحبابهم تحت الأنقاض ولم يحظو بضريح ولا بصلاة جنازة ولا يتمتعون بالقول كرامة الميت بدفنه.

فرحت لعودة المهجرين من جنوب غزة إلى شمالها ليقفوا على أطلال بيوتهم المدمرة التي يأنسون بأنقاضها أكثر بكثير مما تقيهم خيمة القماش رياح الشتاء الباردة.

غير أنني كأي إنسان من لحم ودم وروح، حزنت كثيراً عندما سمعت كلمة نصر تغطي كل ما حدث كما تغطي ذرات من سكر أو قطرات من عسل مأساة متكاملة الأوصاف قوامها مئات آلاف القتلى والجرحى والمعاقين، وملايين البشر بلا مأوى، وأخالني على حق حين تحفظت على مفردة نصر لأجد نفسي هذه الأيام أكرهها أشد الكره، ذلك أن الآباء والأجداد علمونا ما معنى النصر الذي يُحتفى به، إنه درسٌ بسيطٌ وبليغ…

النصر أن نرى راياتنا تخفق في سماء القدس فوق المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، وعلى أحجار سورها التاريخي العريق.

النصر أن لا يبقى داخل السجون الإسرائيلية فلسطيني وفلسطينية منهم من قضى عقوداً ومنهم من أنجب أطفالاً في ظلمته ورطوبته القاتلة.

النصر أن لا يبقى شبر من أرض الضفة وغزة تحت احتلال أو حصار، ولا يبقى بيت مهدد بالنسف بمجرد قرار إسرائيلي.

النصر يوم تعود فلسطين كياناً واحدا وشعباً واحداً وهدفاً واحداً لا اختلاف عليه ولا انقساماً فيه.

ولأن كل الذي تقدم لم يتحقق مع أنه أمل كل الفلسطينيين فلم أعد أكتفي بالتحفظ على مفردة النصر بل وأزيد بكراهيتها حد الحزن والتحسر حين سماعها.

وليعذرني من اعتبر جزءً من صفقةٍ كما لو أنه انتصار عظيم، عندما أقول له بصريح العبارة ما هكذا هو النصر ولا ما حدث يستحق الاحتفال به.

أخيراً أقول.. عاش صمود غزة وشعبها الذي هو فوق طاقة البشر، وإلى أن تتحرر غزة والضفة والقدس ساعتها نعيد لكلمة النصر اعتبارها بعد كل هذا التنكيل الذي حل بها.

 

*نقلاً عن موقع “مسار”

مواضيع ذات صلة

عون – سلام: نهاية 50 عاماً من الوصاية

انتصرت سوريا فتغيّر لبنان. تساعد هذه العبارة التي تتألّف من أربع كلمات في فهم ما يجري في لبنان. بدءاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة هو العماد جوزف…

إلى محمد رعد: نخلعُ جُرحَنا ونمسحُ القهرَ

في عيون النائب محمد رعد ما لا تشرحه كلّ لغات الأرض. أطلّ من قصر بعبدا وفي خاصرته ما يشبه الرمح أو الخنجر. حاله في ذلك…

هل تنجح أنقرة في إقصاء ورقة داعش السّوريّة؟

يريد البعض أن يضع “هيئة تحرير الشام” و”قسد” و”حزب العمّال الكردستاني” و”داعش” في سلّة تفاوض ومساومة سياسية واحدة، وعقد صفقة تعطيه ما يريد في “حكاية…

ترامب يُجبر نتنياهو.. على وقف حرب غزّة

حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر، في تقديرات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفعليّ من صفقة التبادل. إذ…