ترامب و”الدّولة العميقة”… ومصير الحروب بينهما

مدة القراءة 7 د

ينتظر العالم تحوّلات كبرى، وربّما مفاجآت، في ضوء تحدّيات قديمة ومستجدّة.

تستقبل الولايات المتّحدة العام الجديد برئيس منتخب، وتودّع رئيساً شهدت ولايته حرب أوكرانيا وعملية “7 أكتوبر”، وما تلاها من حربَي غزة ولبنان وتصعيد إسرائيلي – إيراني وحرب السودان وغيرها… وصولاً إلى الزلزال المدوّي في سوريا الذي أسقط حكم آل الأسد وساهم في تغيير وجهة الشرق الأوسط.

يرث الرئيس دونالد ترامب نزاعات كثيرة وتبدّلات جيوسياسية عديدة ستضع وعده الانتخابي بـ”وقف الحروب” موضع اختبار، لا سيما مع تعمّده سياسة “الغموض والكتمان” حول ما سيُستخدم من أساليب للوصول إلى تحقيق هذا الشعار.

“محور الممانعة” خارج الشّرق الأوسط الجديد؟

بدا الشرق الأوسط مع سقوط نظام الأسد في سوريا وكأنّه يتكوّن من جديد.

أسقط هذا السقوط ما سمّته إيران بـ”محور الممانعة”، الذي شهد من غزة مروراً بلبنان واليمن والعراق، تضعضعاً مهلكاً وضع إيران بنظامها السياسي الحاكم وبجغرافيّة إقليمها، برّاً وجوّاً وبحراً، في مواجهة مباشرة مع العصف الإسرائيلي والدولي.

ينتظر العالم تحوّلات كبرى، وربّما مفاجآت، في ضوء تحدّيات قديمة ومستجدّة

تواصل طهران دعمها للحوثي في تهديده الملاحة والتجارة الدولية، على الرغم ممّا لحق بالحديدة وصنعاء وتعز وصعدة من خسائر طالت منشآت تحتوي على ورش تصنيع صواريخ وطائرات مسيّرة يديرها خبراء إيرانيون ومن “الحزب” وحوثيون. إلا أنّ “هذه المغامرة” وضعت إيران بمواجهة مع النظام العالمي لتهديدها التجارة الدولية وتسبّبها برفع الكلفة على المستهلكين في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذا ما يرجّح تصاعد التوتّرات بين إيران وأميركا لتكون أحد أهمّ التحدّيات الكبرى التي ستواجهها إدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية.

في الأثناء، تزداد الإشارات المتضاربة من الرئيس ترامب ومن مستشاريه. فمن ناحية، يُقال إنّه يرغب في تجديد حملة “الضغوطات القصوى” بوجه إيران (على الرغم من فشلها في ولايته الأولى وفي عهد بايدن). ومن ناحية أخرى، تفيد إشارات بأنّ الرئيس العتيد يتطلّع إلى احتمالية التوصّل إلى اتفاق مع طهران، مضمونه وقف المشروع النووي ومنع استهداف إسرائيل مقابل إبقاء النظام الحاكم ورفع العقوبات.

ليست لدى “الرجل” رؤية معلنة وشفّافة حول إيران، خصوصاً بعد فقدانها أذرعها ومحورها وقوّتها في الشرق الأوسط. وهذا “الرجل” من الشخصيات التي لا يمكن توقّع تصرّفاتها. غير أنّ الرئيس الذي سيتولّى الحكم في البيت الأبيض سيعمل ويؤسّس لبناء إرث له وتقديم ذاته صانعاً للسلام، من أوكرانيا مروراً بغزة ووصولاً إلى السودان. لكنّ ذلك لا يعني أنّه سينجح في تسوية الصراع مع إيران الخائفة على مصير نظامها السياسي أكثر من أيّ وقت مضى، والتي تعتبر أنّ حصولها على سلاح نووي قد يقي نظامها من السقوط.

بدا الشرق الأوسط مع سقوط نظام الأسد في سوريا وكأنّه يتكوّن من جديد

في إدارة ترامب الجديدة مَن يدعو إلى تغيير النظام في إيران. هؤلاء يرون أنّه تجب الاستفادة من تطوّرات الشرق الأوسط على وقع الضربات التي تكبّدتها الميليشيات الإيرانية مع شلّ أذرع طهران في المنطقة. وفق أولئك، فإنّ ضرب الأهداف الإيرانية الحيوية سيعبّد الطريق أمام سياسة أميركية جديدة تطيح بالكامل بمحور الممانعة.

يرى أصحاب تلك التوجّهات أنّ الحكم الديمقراطي السابق في البيت الأبيض فشل في كبح جماح إيران، وإذا أراد العهد الجديد رؤية الأمور تسير في الاتّجاه الصحيح، فعليه أن يحدّد سياسة أميركية ذات أهداف واضحة تضع حدّاً نهائياً لنفوذ إيران في المنطقة وزعزعتها للاستقرار.

سوريا… أمل من بعد ألم؟

لطالما كانت سوريا ساحة من ساحات إيران، وممرّاً لسلاح طهران إلى “الحزب” وحماس والجهاد في المخيّمات. الآن وبعدما تحرّرت البلاد من سيطرة روسيا ومن تدخّل قاعدتَي حميميم الجوّية وطرطوس البحرية، ومن سيطرة إيران وميليشياتها، فمن الطبيعي أن تنتقل إدارة ترامب من مرحلة اللامبالاة واعتبار “سوريا لا تعنينا، وهي معركة غيرنا وليست معركتنا”، ومن مرحلة التساؤلات البليدة، إلى وثبة جديدة إيجابية نحو سوريا تأخذ بالاعتبار كلّ المتغيّرات وفهم انتقال سوريا إلى “دولة” بعدما كانت “ممرّاً إيرانيّاً”.

يستحقّ الشعب السوري، الذي تحمّل بطش نظام الأسد طوال 53 عاماً، أن تخطّ الإدارة في واشنطن سياسة جديدة نحوه، خاصّة بعدما تلقّت روسيا وإيران، وهما عدوّان تقليديان لواشنطن، ضربات مؤلمة بإسقاط نظام الأسد. ويشكّل الوضع الجديد في سوريا تحدّياً جدّياً للبراغماتية الأميركية، بعدما أظهر سقوط الأسد ضعف روسيا وتحوّلها من دولة عظمى إلى دولة إقليمية، وتمكّن الشعب السوري من إنهاء تدخّل إيران الذي استمرّ لعشرين عاماً في المنطقة تحت نظر السياسة “الأوباميّة”. ومن المتوقّع أن تجعل “الترامبيّة” الأوباميّة تأفل إلى غير رجعة.

في إدارة ترامب الجديدة مَن يدعو إلى تغيير النظام في إيران. هؤلاء يرون أنّه تجب الاستفادة من تطوّرات الشرق الأوسط

هل انتهت “الأوباميّة”؟

يرث ترامب الجمهوري نجاح جو بايدن في السنتين الأخيرتين من ولايته في إنهاء حقبة باراك أوباما الديمقراطي، السيّئة الذكر، في الشرق الأوسط، ونجاحه في تغيير ميزان القوى في المنطقة، من خلال مزجه بين دعمه لشركاء أميركا وبين العقوبات والدبلوماسية والقوّة العسكرية عند الضرورة.

فإيران، المسبّبة الأساسية للنزاعات في المنطقة، قد استفادت من “تسامح” أوباما ومحاباته لها، إذ اتّسمت السياسة الأميركية طويلاً بالازدواجية والتناقض حتى الضعف، كي لا نقول “الخبث”.

الحرب الرّوسيّة على أوكرانيا

سيواجه الرئيس ترامب الحرب الروسية على أوكرانيا، وهي أحد أكثر الصراعات تعقيداً، وستضعه هذه الحرب أمام خيارين:

  • السماح لروسيا بتحقيق نصر سياسي على أوروبا وعلى الناتو، وهو ما لم يستطع بوتين تحقيقه في الميدان.
  • أن تستمرّ واشنطن في تحمّل العبء الأساسي للدفاع عن الحلفاء والتنكّر لمبدأ “أميركا أوّلاً”، وعدم القدرة على خفض التكاليف المرهقة للعجز في الموازنات الأميركية وديون الدولة المركزية التي بلغت أكثر من 36 تريليون دولار.

يستحقّ الشعب السوري، الذي تحمّل بطش نظام الأسد طوال 53 عاماً، أن تخطّ الإدارة في واشنطن سياسة جديدة نحوه

تحدّيات الصّين

تشكّل الصين تحدّياً بارزاً للريادة الأميركية في العالم. فبعدما وعد الرئيس ترامب برفع التعرفة الجمركية على المنتجات الصينية، وفرض المزيد من العقوبات والإجراءات التجارية على الصين، ستلجأ بكين بدورها إلى المعاملة بالمثل التي ستؤدّي إلى منافسة تجارية محتدمة، بخلاف ما يعتقده كلّ من ترامب وإيلون ماسك اللذين يريان أنّ الظروف مؤاتية لفرض العقوبات على أيّ طرف لا يمنح ترامب ما يريده. لكن بالحقيقة من الصعب جدّاً تغيير السياسة العالمية والعلاقات بين الدول وفقاً لأهواء أشخاص.

يتوقّف محكّ ريادة أميركا وقيادة العالم على نتائج الحرب التجارية مع الصين، وتدخّلها في شكل حماية تايوان بوجه أطماع بكين الطامحة إلى ضمّها إلى البرّ الصيني. ومن الصعب جدّاً خلال السنوات الأربعة المقبلة تحقيق نتائج حاسمة على مستوى المهمّتين معاً.

إقرأ أيضاً: ترامب يكتشف سوريا

إنّ غداً لناظره قريب. فهل تلتقي هالة الرئيس ترامب الواضحة مع الهالة المؤثّرة للدولة العميقة في أميركا؟ وإذا حصل ذلك فقد ينجح عندها ترامب بوقف الحروب كما وعد.

لمتابعة الكاتب على X:

@BadihYounes

مواضيع ذات صلة

“التّكليف” الذي يفوق طاقة الشّيعية السياسية..

كمن يتناول جرعة دواء ثقيلة وينتظر العوارض، تختبر الحياة السياسيّة تبعات انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة خلافاً لرغبة الحزب المطبق بسلاحه على الحياة السياسية…

المستقبل مسؤولية الجميع وأوّلهم السنّة..

كان الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية صعباً بعد عامين وأشهر من الفراغ. والأصعب منه انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية. لذلك شاركت في الضغوط جهات دولية وعربية…

مدوَّنة سلوك قائد صار رئيساً

الشائع في انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، أنّ ترشيحه يحدث أن يكون داخلياً، بيد أنّ قرار الاختيار دائماً خارجي. منذ المرّة الأولى اقترن بإرادة ذلك…

تسونامي نواف سلام أعاد للعبة الداخلية وزنها

يصعب النظر إلى الاستشارات النيابية التي جرت لتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، بمعزل عن جملة عوامل واكبتها وتفرض نفسها على المرحلة المقبلة. شكلت نتيجة…