المعركة في اليمن ومصر هي الهدف

مدة القراءة 5 د

من المؤكّد أنّ الحوثيين لا يفكّرون في إلحاق الهزيمة بالأساطيل الأميركية التي تتجمّع قريباً منهم وتقصفهم وتقتلهم. لكنّهم على يقين من أنّ تلك الأساطيل لن تنتصر عليهم. لا لشيء إلا لأنّهم على ثقة بأنّهم لا يخسرون شيئاً. حين أوعزت إيران للحوثيين بالقيام بذلك الدور فإنّها كانت على بيّنة من حقيقة خوائهم. ذلك لأنّهم مجرّد انقلابيين، سمحت الظروف لهم بأن يحتالوا على التاريخ ليكونوا جزءاً من مرحلة قلقة، لم تعُد الشرعية فيها مقياساً. ما من ميزان للعدالة الدولية في إمكانه أن يعيد الأمور في اليمن إلى سويّتها. سيُقال إنّ اليمنيّين محوا الخرائط بأنفسهم. لقد هزمت الشرعية نفسها بنفسها. بل إنّها تآمرت على نفسها في الكثير من الحالات. غير أنّ ذلك لا ينفي حقيقة أنّ الحوثيين مجرّد انقلابيين. أمّا حين لجأوا إلى إيران بمزاعم طائفية فقد ارتكبوا جريمة في حقّ شعبهم. لقد مزّقوه بعدما أحبطه فشل الشرعيّة في الدفاع عنه.

غبار معركة لن تحدث

من جهتها لا تفكّر الولايات المتحدة. على الرغم من ردود أفعالها الاستعراضية على الاعتداءات الحوثية. في الدخول في حرب حقيقية في اليمن. لا بسبب خوفها من اتّساع دائرة تلك الحرب بسبب ما يجري في غزة. بل لأنّها تدرك أنّها حرب غير مجدية. بعدما كانت عبر السنوات الماضية رافضة لاتّخاذ موقف صارم وجادّ على مستوى الدفاع عن الشرعية في اليمن. مثلما اعتادت أن تفعل في حالات شبيهة في العالم. كما لو أنّها كانت تسعى إلى استرضاء الحوثيين انطلاقاً من قناعة مضلّلة بأنّ ما جرى في اليمن هو شأن داخلي. وهو ليس كذلك بكلّ تأكيد. وإذا ما كان الحوثي قد أكّد بلسانه حقيقة ارتباطه بالمشروع الإيراني التوسّعي في المنطقة.

في سياق تلك المعطيات السياسية لن تدخل الولايات المتحدة حرباً خاسرة في اليمن. أوّلاً لأنّها لا تريد أن تخسر حرباً ضدّ إيران

كما أنّ الوقائع قد أكّدت أنّ إيران مستمرّة بتمويله بالسلاح. فإنّ الولايات المتحدة أظهرت الكثير من الخفّة وهي تتعامل مع تلك الحقيقة. ذلك موقف لم يغِب عن العقل السياسي الإيراني وهو يضع المبادرة في أيدي الحليف الحوثي. مطمئنّاً إلى أنّ ردود الأفعال الأميركية لن تكون سوى غبار مؤقّت لمعركة لن تحدث.

إيران بعيدة عن اليمن

ليس مهمّاً هنا هل أثبتت الوقائع أنّ الإيرانيين قد قرأوا الواقع السياسي الدولي خطأً أو ألقوا بذراع من أذرعهم إلى النار. لن يصيبهم شيء إذا ما قرّرت الولايات المتحدة، كما تفعل الآن، أن توجّه ضربات مدروسة ومحدودة الأثر إلى الحوثيين. الذين هم أصلاً يعيشون حالة حرب ضدّ الشعب اليمني. فاليمن بعيد عن إيران. كما أنّ الولايات المتحدة لن تفكّر في احتلاله مثلما فعلت في وقت سابق مع العراق الذي تمّ تدميره من غير أن يضرّ بالمصالح الأميركية. صحيح أنّ المصالح الأميركية صارت مهدّدة بسبب القصف الذي يقوم به الحوثيون للسفن المارّة بمضيق باب المندب. غير أنّ الصحيح أيضاً أنّ ذلك القصف سيضرّ بمصر. وهي مالكة قناة السويس التي انخفضت إيراداتها بسبب تغيير طرق الملاحة الدولية.

اليمن

جريمة في حقّ عروبة اليمن

في الظاهر ينفّذ الحوثيون أجندة إيرانية للإضرار بالمصالح الأميركية. أمّا في الباطن فإنهم ينفّذون الأجندة ذاتها لكن على مستوى ترويع مصر من خلال ضرب اقتصادها. هل يدخل ذلك في نطاق نظرية المؤامرة؟ ولكن مَن يتآمر على مَن؟ أظنّ أنّ الطرف الأميركي يهمّه أن يكون شاهداً على ما يحدث في المنطقة العربية من خراب مادّي ومعنوي في الوقت نفسه. فالحوثيون وإن وضعوا أنفسهم في خدمة مشروع بائس معادٍ للأمّة العربية يظلّون صوريّاً عرباً. وحين يلحقون الضرر بمصلحة دولة عربية فإنّ ذلك يعني أنّ عرباً خانوا عرباً وخذلوهم. وهو ما يضرب سمعة اليمنيّين في المستقبل.

في الظاهر ينفّذ الحوثيون أجندة إيرانية للإضرار بالمصالح الأميركية. أمّا في الباطن فإنهم ينفّذون الأجندة ذاتها لكن على مستوى ترويع مصر

المشكلة أنّ عقائدية الحوثيين الزائفة أعمت أبصارهم عن رؤية الحقيقة. حقيقة أنّ وجودهم في الحكم لا يمكن تطبيعه في المنطقة. وحتى لو صاروا جزءاً من العملية السياسية في اليمن بعد انتهاء الحرب فإنّ الجرائم التي ارتكبوها في حقّ عروبة اليمن لا يمكن نسيانها. فاليمن يظلّ جزءاً من الجزيرة العربية ولا يمكن فصله. الجغرافيا والتاريخ يقولان ما هو مختصر ومفيد.

إقرأ أيضاً: التواطؤ الملتبس لمنع فتح ملفّ اليمن

الحرب على مصر

في سياق تلك المعطيات السياسية لن تدخل الولايات المتحدة حرباً خاسرة في اليمن. أوّلاً لأنّها لا تريد أن تخسر حرباً ضدّ إيران، وثانياً لأنّ الإضرار بمصر هو هدف خفيّ بعيد الأثر. هل هو هدف إسرائيلي أم أميركي أم هدف مزدوج؟ لقد طردت مصر جماعة الإخوان وأنهت حكمهم. وهو ما أجهض مخطّطاً للانقضاض على المنطقة العربية. الحرب على مصر تفضح أكذوبة حرب أميركية خاسرة. غير أنّها تتّسق أيضاً مع المشروع التوسّعي الذي يتجاوز حدود الدول العربية الفاشلة التي سقطت بطرق مختلفة تحت الهيمنة الإيرانية. وإذا ما كانت إيران عاجزة عن المسّ بالأمن القومي المصريّ. فإنّ فشل الأميركيين في منع الحوثيين من التحكّم جزئياً بخطوط الملاحة الدولية يخدم هدفاً إيرانياً هو إلحاق الضرر بمصر.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…