عن إيران الساعية إلى دور شرطي المنطقة

مدة القراءة 6 د

ليس سرّاً أنّ إيران تحاول ملء أيّ فراغ ناجم عن تورّط روسيا في الحرب الأوكرانية. هل تنجح في ذلك أم يتبيّن أنّ هناك وعياً لخطورة الدور الذي تسعى إيران إلى لعبه لإثبات أنّ في استطاعتها أن تكون قوّة إقليمية مهيمنة في المنطقة كما تمتلك القدرات على تكريس ذلك؟

لا يقتصر الجهد الإيراني على محاولة الاستفادة من أزمة النقص في الطاقة التي يعاني منها العالم في وقت تسعى الدول الأوروبيّة، في مقدّمها ألمانيا، إلى وقف اعتمادها على الغاز الروسي. تعرف “الجمهوريّة الإسلاميّة”، قبل غيرها، أنّ ثمّة فرصة متاحة أمامها لرفع العقوبات الأميركية من دون شروط. لذلك نراها تضغط في اتجاه مزيد من التنازلات الأميركيّة بغية التوصّل إلى اتفاق جديد في شأن برنامجها النووي يسمح لها بمتابعة مشروعها التوسّعي في المنطقة وتمويله.

ما يحدث الآن في سوريا هو عمليّة تسلّم وتسليم بين روسيا وإيران. عندما فشلت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إنقاذ نظام بشّار الأسد الأقلّويّ في خريف العام 2015، استعانت بروسيا

هناك مجالات أخرى تسعى فيها إيران إلى الاستفادة من الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا والعزلة التي تسبّب بها فلاديمير بوتين لبلده. فقد أكّد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أنّ الوجود الروسي في الجنوب السوري كان يشكّل مصدراً للتهدئة في سوريا، مشيراً إلى أنّ هذا الفراغ سيملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم محذّراً من تصعيد محتمل على الحدود الأردنية – السوريّة .

واضح أنّ الأردن يتخوّف من أن يؤدّي تقليص الوجود العسكري الروسي في جنوب سوريا إلى عودة المعارك على حدوده، وهو ما قد يحمّله أعباء إضافية مع موجة جديدة من المهاجرين، فضلاً عن التداعيات الأمنيّة.

وقال عبدالله الثاني في مقابلة مع الجنرال الأميركي المتقاعد هربرت ماكماستر، ضمن البرنامج العسكري المتخصّص (Battlegrounds)، الذي ينتجه معهد هوفر في جامعة ستانفورد الأميركية، إنّ “الفراغ الذي تركه الروس في جنوب سوريا سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم”، في إشارة واضحة إلى الميليشيات التابعة لإيران مثل “حزب الله”. وأضاف: “للأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”. وأشار إلى جهود بعض الدول العربية في التواصل مع طهران قائلاً: “نحن بالطبع نريد أن يكون الجميع جزءاً من انطلاقة جديدة للشرق الأوسط والتقدّم إلى أمام، لكنّ لدينا تحديات أمنيّة”.

وكشف أنّه تمّ البحث مع قادة عرب في أهميّة إيجاد الحلول الذاتية للمشاكل التي يعاني منها الإقليم وتحمُّل عبئها الثقيل، بدل الذهاب إلى الولايات المتحدة لحلّ القضايا العالقة، لافتاً إلى أنّ اجتماعات عُقدت خلال الشهور الماضية للبحث في كيفيّة رسم رؤية جديدة للمنطقة. وقال: “لذلك سنرى الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق ومصر وبعض دول الخليج الأخرى تجتمع وتنسّق مع بعضها، للتواصل ورسم رؤية لشعوبها” تسبق طلب أيّ مساعدة.

لا يقتصر الجهد الإيراني على محاولة الاستفادة من أزمة النقص في الطاقة التي يعاني منها العالم في وقت تسعى الدول الأوروبيّة، في مقدّمها ألمانيا، إلى وقف اعتمادها على الغاز الروسي

يعكس كلام عبدالله الثاني قلقاً أردنياً واضحاً في وقت ليس معروفاً هل يقع الأميركيون والأوروبيون في الفخّ الإيراني قبل أن يكتشفوا لاحقاً الثمن الذي سيدفعه العالم والشرق الأوسط والخليج في حال تدفّق مليارات الدولارات على “الجمهوريّة الإسلاميّة” كما حصل في العام 2015. وقتذاك، كانت للمشروع التوسّعي الإيراني انطلاقة جديدة بعد انطلاقة العام 2003، أي بعد الاحتلال الأميركي للعراق وتسليمه على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

في العام 2015، اعتبر الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيّته جون كيري، الذي لا يعرف الكثير عن إيران والمنطقة، أنّ الملفّ النووي الإيراني يختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط والخليج. لم يعرف أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ستستغلّ الاتفاق المتعلّق ببرنامجها النووي كي تحصل على ما يكفي من أموال من أجل تطوير صواريخها الباليستية وكي يزداد تدخّلها عبر ميليشياتها المذهبيّة، وهي صنيعة “الحرس الثوري” في العراق وسوريا ولبنان… واليمن، وذلك بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء!

قبل توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومجموعة الـ5+1 (البلدان الخمسة ذات العضويّة الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا)، بدأت طهران تتحدّث عن سيطرتها على أربع عواصم عربيّة هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. كانت تعرف أنّ ما تحتاج إليه هو المال، وأنّ المال سيحوِّل إيران إلى شرطي المنطقة وليس شرطيّ الخليج وحده… وهذا ما سعى إليه الشاه الراحل.

ما يحدث الآن في سوريا هو عمليّة تسلّم وتسليم بين روسيا وإيران. عندما فشلت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إنقاذ نظام بشّار الأسد الأقلّويّ في خريف العام 2015، استعانت بروسيا. أرسل فلاديمير بوتين جيشه وقاذفاته إلى الساحل السوري كي يشارك في الحرب التي يشنّها النظام بدعم إيراني على الشعب السوري. هل يفهم الغرب، قبل الإقدام على أيّ خطوة تؤدّي إلى رفع العقوبات عن إيران، أنّ العلاقة بين موسكو وطهران عميقة، وأنّها ليست وليدة البارحة، بل هي قديمة جدّاً، وأنّ الاتحاد السوفياتي استثمر النظام الإيراني ودعمه واستفاد منه منذ سقوط الشاه في العام 1979؟

ليس كلام عبدالله الثاني سوى كلام تحذيريّ جديد إلى كلّ مَن يعنيه الأمر. سيكون الجنوب السوري مقبلاً على تطوّرات خطيرة في حال تمكّنت إيران، مباشرة وعبر ميليشياتها، من ملء الفراغ في الجنوب السوري. يشبه تحذيره الجديد، في أثناء وجوده في واشنطن، ذلك الذي أطلقه في تشرين الأول 2004. تحدّث وقتذاك، في واشنطن أيضاً، إلى صحيفة “واشنطن بوست” عن “الهلال الشيعي” الذي تحاول إيران خلقه، وهو هلال فارسي، في الحقيقة، يمتدّ من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.

إقرأ أيضاً: إيران ستعاقب لبنان!

قد لا يكون الغرب بهذه السذاجة في سنة 2022 بعدما اكتشف مَن هو فلاديمير بوتين والنتائج التي ترتّبت على تسهيل تدخّله في سوريا بطلب من إيران والتنسيق معها. تظلّ أوكرانيا شاهداً حيّاً على خطورة تجاهل الفظائع التي ارتكبتها روسيا في سوريا.

هل الثقة بالغرب الأوروبي والأميركي في محلّها أم من حقّ دول المنطقة ممارسة الحذر في تعاطيها مع الغرب في ضوء مراعاته لـ”الجمهورية الإسلاميّة” الراغبة في أن تكون شرطي المنطقة، وليس شرطي الخليج فقط، في أيّامنا هذه؟

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…