فلسطين خارج الطاولات وفي قلب الحدث

مدة القراءة 3 د

كان أسبوعاً عاصفاً تميّز بسلسلة لقاءات بعضها حمل مدلولات رمزية، وأعني به لقاء النقب، الذي تمّ لإظهار أنّ محمود عباس ما زال على الرغم من كلّ شيء في البال، وشارك فيه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، الذي تلا على عباس القصيدة الأميركية المفضّلة عن رفاهية الشعب الفلسطيني، من خلال منح التسهيلات الاقتصادية التي يدعو إسرائيل إلى تقديمها مقابل تأجيل كلّ ما يمتّ للسياسة بصلة حتى إشعار آخر، وأبلغه أنّ حلّ الدولتين الذي تفضّله أميركا يمكن أن ينتظر من دون تحديد فترة الانتظار.

ولأنّ العاهل الأردني استنكف عن إرسال وزير خارجيّته للمشاركة في لقاء النقب، وفضّل لقاء من هو في وحدة حال معه في مجال الموقف السياسي، فقد بادرت إسرائيل الى التعويض بزيارة قام بها وزير الدفاع بيني غانتس، ثمّ رئيس الدولة العبرية إسحاق هيرتسوغ.

وقبل ذلك جرت لقاءات في شرم الشيخ والعقبة. غير أنّ المشهد المزدحم بلقاءات الرؤساء والوزراء، توارى خلف مشهد دموي وصفته إسرائيل بـ”غير المسبوق”. إذ وقعت عمليّاته في مدى زمني ضيّق ووراء الخطّ الأخضر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، إلى الوسط حيث القدس وتل أبيب، وأخيراً في لحظة كتابة هذه المقالة … في جنين.

عودة فلسطين الدموية

تطاير إيقاع اجتماع النقب حتّى من الذاكرة، كما تتطاير رمال الصحراء مع هبّة ريح، وقامت إسرائيل، التي كانت الحاضر الدائم في كلّ اللقاءات، باحتلال نفسها من خلال انتشار أمنيّ وعسكري، وحتى شعبيّ مسلّح، وهو ما أظهر أنّ الحكاية ليست حكاية رمضان أو فصح، بقدر ما هو إفراز لاعتناق إسرائيل وهْم السيطرة المطلقة على الفلسطينيين وإلغاء حقوقهم الأساسية وإلى الأبد.

تطاير إيقاع اجتماع النقب حتّى من الذاكرة، كما تتطاير رمال الصحراء مع هبّة ريح، وقامت إسرائيل، التي كانت الحاضر الدائم في كلّ اللقاءات، باحتلال نفسها من خلال انتشار أمنيّ وعسكري

المشهد الدامي بشقّيه الفلسطيني والإسرائيلي نافس المشهد الأوكراني باقتطاع بعض من الاهتمام الإعلامي. في الواقع أكّد هذا المشهد تلك المقولة التي تمّ تجاهلها طويلاً في زمن الربيع والتطبيع، وهي أنّ القضية الفلسطينية تمتلك في ذاتها قوّة حضورها، وتمتلك من خلال من يؤمنون بعدالتها ما يجعلها عصيّة على الإلغاء. قد تهمّشها أحداث لبعض الوقت، إلا أنّها تظلّ حيّة طوال الوقت.

 ما يعمّق المعضلة الإسرائيلية ويجعلها كالمعضلة الفلسطينية عصيّة على الحلّ، أنّ الدولة المتباهية بقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، تواجه تحدّيات أمنيّة تكاد تكون يوميّة لا تصنعها السلطة ولا الفصائل ولا أيّة جهة ذات مرجعية محدّدة ومعروفة، بل تساهم هي ذاتها في إنتاجها من خلال استثمارها في كلّ شيء ومع كلّ جهة إلا في السلام الحقيقي مع الفلسطينيين، السلام الذي يضمن حقوقهم الوطنية والمُقرّة من قبل كلّ مكوّنات المجتمع الدولي، وقبل ذلك من قِبل ما يزيد على نصف المجتمع الإسرائيلي.

إقرأ أيضاً: ألمانيا الجديدة… ودوافع التغيير

لقد تكاثرت واتّسعت الجنازات، في فلسطين وإسرائيل، وإذا كانت حكومة نفتالي بينيت كحكومة بنيامين نتانياهو لا تدرك الصلة بين السياسة والعنف، وبين الإحباط والدم، فلا نتيجة لذلك سوى تواصل النكبات والجنازات واستحالة الأمن والأمان.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…