نقاط على الحروف اليمنيّة

ثمّة حاجة بين حين وآخر الى وضع نقاط على الحروف في ما يخصّ الموضوع اليمني. نقاط على الحروف اليمنيّة ذات الطابع الخاص بها. لعلّ النقطة الأولى التي تحتاج الى توضيح مستمرّ، تلك المتعلّقة بالهامش الذي يمتلكه الحوثيون بالنسبة الى درجة ارتباطهم بـ”الجمهوريّة الاسلاميّة” الايرانيّة.

لا وجود لهامش من أيّ نوع كان لدى الحوثيين. هناك قرار إيراني ينفّذه الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله” من دون أيّ سؤال أو جواب أو تحفّظ. الدليل على ذلك أنّه عندما أطلقت المملكة العربيّة السعوديّة، قبل أحد عشر شهراً، مبادرة من أجل وقف القتال في اليمن والتوصّل الى تسوية ذات طابع سياسي وإنساني، جاء الردّ على المبادرة السعوديّة من إيران. جاء الجواب من “الحرس الثوري” تحديداً.

لا يمكن تفسير التصعيد الذي لجأ اليه الحوثيون في الفترة القصيرة الماضية، سوى بالنكسة التي تعرّض لها المشروع الإيراني في اليمن.

فيما كان أحد القياديين الحوثيين الموجودين في مسقط على استعداد لمناقشة بنود المبادرة السعوديّة، صدرت تغريدة للسفير الإيراني لدى الحوثيين الموجود في صنعاء. لم يكن السفير الإيراني سوى ضابط في “الحرس الثوري” اسمه حسن إيرلو، سبق له أن خدم في لبنان. توفّي إيرلو قبل بضعة أسابيع نتيجة إصابته بكوفيد – 19. لم يحلّ أحد مكانه بعد، لكنّ الخطوط العريضة للسياسة الايرانيّة التي عبّر عنها في تغريدته ما زالت المعمول بها حوثيّاً. جاء في تلك التغريدة الآتي: “مشروع السعوديّة في اليمن، مشروع حرب دائم (يقصد دائمة بلغة عربيّة صحيحة) واستمرار الاحتلال وجرائم حرب وليست إنهاء للحرب. المبادرة الحقيقة يعني: وقف الحرب بشكل كامل، رفع الحصار بشكل كامل، إنهاء الاحتلال السعودي وسحب قواته العسكريّة وعدم دعم المرتزقة والتكفيريين بالمال والأسلحة وحوار سياسي بين اليمنيين دون أيّ تدخّلات خارجيّة”.

هذا هو نصّ التغريدة الإيرانيّة التي تعكس، قبل أيّ شيء، واقعاً أليماً يتمثّل في أنّ القرار الحوثي هو قرار “الحرس الثوري” الإيراني ولا شيء آخر. عندما تكون هذه النقطة بهذا الوضوح، لا يعود مجال لتساؤلات من أيّ نوع. لا تعود مستغربةً الاعتداءات الحوثية المتتالية على دولة مثل الامارات العربيّة المتحدة سعت في كلّ وقت الى مساعدة اليمن في لملمة أوضاعه الداخليّة وتفادي السقوط في الفخّ الإيراني… ومساعدة شعبه على البقاء في أرضه. لا حاجة في طبيعة الحال إلى التذكير للمرّة العاشرة بأنّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أعاد بناء سدّ مأرب في اليمن. افتتح بنفسه السدّ الجديد في العام 1986 في مكان قريب من المكان الذي كان فيه السدّ القديم الذي أدّى انهياره، قبل ظهور الإسلام، الى تشتّت القبائل العربيّة التي كانت في اليمن وانتشارها في كلّ أنحاء الجزيرة العربيّة وصولاً إلى المشرق العربي.

تُكافأ دولة الإمارات حالياً على كلّ ما قام به مؤسّسها وأبناؤه من أجل اليمن ومن أجل تمكين أهلها من البقاء في أرضهم.

ليس ما يشير إلى أنّ في استطاعة الحوثيين الخروج من تحت عباءة إيران. ففي 2016  وفيما كانت الكويت ترعى مؤتمراً يمنياً، ذهب وفد حوثي الى الرياض وتوصّل الى اتفاق في شأن تسوية سياسيّة. لم يجد الاتفاق من ينفّذه من الجانب الحوثي ولم يؤدِّ مؤتمر الكويت الذي استمرّ أسابيع عدّة الى أيّ نتيجة. كان القرار، ولا يزال، لـ”الجمهوريّة الاسلاميّة” ومشروعها اليمني الذي هو جزء لا يتجزّأ من مشروعها التوسّعي في المنطقة.

كان الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أوّل من اكتشف أنّ الحوثيين صاروا في الحضن الإيراني. لعب علي عبدالله صالح دوراً كبيراً في الصعود الحوثي عن طريق قيام تنظيم “الشباب المؤمن” أوّلاً. أدخلهم مجلس النواب اليمني ودعمهم مالياً قبل أن ينقلبوا عليه. فوجئ الرئيس اليمني الراحل، الذي كان هدفه الأصلي من وراء دعم الحوثيين وقف تمدّد الإخوان المسلمين والسلفيين في المناطق الزيدية في الشمال اليمني، بانقلابهم عليه. قال الدكتور عبد الكريم الأرياني، السياسي اليمني البارز الذي توفّي قبل سنوات قليلة، إنّ علي عبدالله صالح توقّف في صعدة في طريقه برّاً الى المملكة العربيّة السعوديّة. كان ذلك في العام 2004. فوجئ الرئيس الراحل، فيما كان يلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد صعدة، بشابّ بين المصلّين يطلق الصيحة الحوثيّة (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) في تحدٍّ واضح له. أضاف الأرياني أنّ علي عبدالله صالح غضب غضباً شديداً وأدرك أنّ الحوثيين انقلبوا عليه. رأى الأرياني أنّ ما حدث يومذاك في صعدة مهّد لستّ حروب بين الجيش اليمني والحوثيين بين 2004  و2009.

لا حاجة إلى إعادة سرد الأحداث في مرحلة ما بعد الانقلاب الإخواني على علي عبدالله صالح ابتداء من العام 2011، لكنّ ما لا بدّ من التوقّف عنده أنّ الحوثيين كانوا المستفيد الأوّل من خروج الرئيس الراحل من موقع الرئاسة في شباط 2012  وحلول عبد ربّه منصور هادي مكانه رئيساً مؤقّتاً.

ناور الحوثيون بدهاء ليس بعده دهاء وصولاً الى وضع يدهم على صنعاء في 21 أيلول 2014، ثمّ اغتيال علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأوّل 2017.

كان كلّ ما فعله الحوثيون بموجب تعليمات إيرانيّة. كلّ رهان على خروجهم من عباءة “الجمهوريّة الاسلاميّة” و”الحرس الثوري” تحديداً ليس في محلّه. ثمّة من يقول، بين اليمنيين، إنّ اغتيال علي عبدالله صالح كان بتوقيت إيراني.

إقرأ أيضاً: تحدّيات المرحلة اليمنيّة المقبلة

في سياق وضع النقاط على الحروف أيضاً، لا يمكن تفسير التصعيد الذي لجأ إليه الحوثيون في الفترة القصيرة الماضية، والذي شمل الاعتداء على دولة الامارات، إلا بالنكسة التي تعرّض لها المشروع الإيراني في اليمن. لا يمكن وصف الانتصارات التي حقّقتها قوات العمالقة في محافظة شبوة واختراقها لمحافظة مأرب إلا بنقطة تحوّل على الأرض. في ضوء هذا التحوّل، يمكن فهم ردّ الفعل الإيراني. ما يصعب فهمه غياب القدرة لدى الإدارة الأميركيّة على استيعاب أنّ الحوثي هو إيران وإيران هي الحوثي… وأنّ كلّ التنازلات التي قدّمتها واشنطن للحوثيين لم تخدم، أقلّه الى يومنا هذا، الوصول الى أيّ تسوية سياسية تخفّف من آلام اليمنيين…

 

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…