في أميركا “اللامركزيّة” (2): النجدة… في 7 دقائق

مدة القراءة 6 د

على الرغم من أولوية الصين وأوكرانيا، ما زال للولايات المتحدة الأميركية نفوذ في الشرق الأوسط. “العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة مميّزة بتاريخها ومحطّاتها”. هذه هي العبارة التي تسمعها من أساتذة متخصّصين محاضرين في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط. غير أنّ ما تسمعه من المسؤولين الرسميين مختلف نوعاً ما، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين: “الإصلاحات ثمّ الإصلاحات. وقلنا لنجيب ميقاتي إنّه لا ينفّذ الإصلاحات كما يجب”. بوضوح تامّ يقول المسؤولون المولجون بمتابعة قضايا لبنان وسوريا وفلسطين: “لا نهوض للبنان من دون إصلاح، ومن دون انتخاب رئيس للجمهورية يعكس هذه الإصلاحات”. ويضيفون: “الولايات المتحدة لا تتدخّل في تحديد هويّة الرئيس ولن تدخل بالتسميات. ولكن على اللبنانيين حسن الاختيار لأنّ هويّة الرئيس السياسية الإصلاحية لها تداعيات”.

في الخارجية الأميركية، مكتب الإعلام هو المعنيّ بإعلان المواقف الرسمية. يبدأ التصريح عن المواقف من المتحدّثين صعوداً إلى الوزير وليس العكس. في المكتب مجموعات متخصّصة، من بينها ما يهتمّ بالشرق الأوسط والشرق الأدنى وغيرهما من المناطق. ولكلّ بقعة على هذه الأرض مجموعة متخصّصة متحدّثة في شأنها. تقترح المجموعة المصغّرة موقفاً من قضية ما، فتطّلع عليه الدوائر العليا، فتوافق أو تعدّل، ثمّ يصل الملف إلى الوزير، فيصدر الموقف الرسمي. ليس هذا الأمر تفصيلاً، بل إنّ الشكل الهرمي للسلطات ينعكس في كلّ تفصيل في الإدارة، ولا يخرج إلى الإعلام في واشنطن خبر عن عبث.

في الخارجية الأميركية، مكتب الإعلام هو المعنيّ بإعلان المواقف الرسمية. يبدأ التصريح عن المواقف من المتحدّثين صعوداً إلى الوزير وليس العكس

العقوبات.. كرسالة

قبل إعلان العقوبات الأميركية على داني خوري تمّ تسريب الخبر عبر “نيويورك تايمز”. وقبل أسابيع قليلة، خرج مراسل تلفزيون “الحدث” من واشنطن بخبر احتمال فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لم يكن تسريب الخبر عن عبث أيضاً. كان رسالة ذات احتمالين:

– احتمال وضع سلامة فعلاً على لائحة العقوبات.

– احتمال أن يكون الخبر رسالة جدّية إلى اللبنانيين بعدم التمديد لسلامة، مرفقة برسائل لسلامة نفسه، ولا سيّما بعد وضع حسن مقلّد على لائحة العقوبات.

لعلّ واحدة من الثوابت التي على المسؤولين اللبنانيين أن يدركوها عاجلاً أو آجلاً: العالم لا يدور من حولهم ولا من أجلهم. لبنان ينهار ومسؤولوه يعتقدون أنّ العالم سيركض لنجدتهم. والواقع أنّ العالم مشغول بأمور أكثر أهمية.

حتى حزب الله لم يعد يجذب اهتمام العالم تجاه لبنان. لا في المقاربة الداخلية ولا الخارجية. مقاربته بسيطة: فريق لبناني مسلّح، وارتباطه وانتشاره إقليميان، والتعامل معه يأتي نتيجة تطوّر المفاوضات مع القوى الأقوى في المنطقة. في نقاش حول مفاوضات السلام في المنطقة، نسأل عن لبنان. يأتي الجواب مخيّباً لآمال من يعتقد أنّ لبنان مهمّ لأنّه يقع على تماس مع إسرائيل: “الدول المعنيّة بنجاح أو فشل مفاوضات السلام هي، إضافة إلى فلسطين وإسرائيل، مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. وليس لبنان إلا نتيجة لقرار هذه الدول”.

لكنّ هذا لا يعني أنّ البلد الصغير ليس تحت العين الأميركية بشكل مباشر. والمؤشّر الأكبر إلى ذلك هو تعيين السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان ليزا جونسون. من يقرأ سيرة هذه المرأة جيّداً، يدرك مباشرة أنّ لبنان هو حتماً في دائرة الاهتمام الأميركي. فجونسون متخصّصة في شؤون الفساد والإصلاح. ربطاً بهذه الخطوة، لنراقب قليلاً المشهد الداخلي وحجم التوقيفات في قضايا الفساد التي يقوم بها فرع المعلومات المدعوم من الأميركيين. ولنحاول أن نقرأ قليلاً في ما هو مقبل على لبنان من أميركا.

حتى حزب الله لم يعد يجذب اهتمام العالم تجاه لبنان. لا في المقاربة الداخلية ولا الخارجية. مقاربته بسيطة: فريق لبناني مسلّح، وارتباطه وانتشاره إقليميان، والتعامل معه يأتي نتيجة تطوّر المفاوضات مع القوى الأقوى في المنطقة

الإعلام والحرّيّة

حجم الحريّات في الولايات المتحدة كبير جدّاً. وسعه وسع البلاد الكبيرة. وهذا لا يعني أن لا نقاش هناك بين أهل الصحافة في مدى قدرتهم على لعب دورهم. هناك أيضاً وسائل إعلام مملوكة من القطاع الخاص وتخضع لتأثيرات كبرى من مجموعات الضغط. في بلادنا، نولي أهمية لمجموعة الضغط التي تعمل لمصلحة إسرائيل. لكن هذه المجموعة هي في الواقع جزء من مجموعات كثيرة لقضايا مختلفة. يقول أساتذة الإعلام هناك إنّ الإعلام يخضع في النظرية والتطبيق لما يريده الجمهور. وإذا كان اهتمام اليهود في نيويورك بالشأن الإسرائيلي ينعكس مباشرة في مقالات صحيفة “نيويورك تايمز”، فالحال يختلف في كلّ ولاية حسب اختلاف اهتمامات الرأي العامّ فيها.

لا قانون يقاضي الصحافي هناك. ولا يمكن لأيّ سياسي أن يلاحق الصحافي إذا ما عبّر عن موقف أو رأي أو كتب مقالاً. الحرّية مصونة، لكنّها تخضع أيضاً لضغط الاغتيالات المعنوية التي درجت عليها مواقع التواصل الاجتماعي. نسأل عن قضيّة جوليان أسانج وكيف ينطبق منطق الحرّية على قضيّته، فيرتبك الأستاذ المحاضر معترفاً بأنّها قضيّة شائكة وخضعت لنقاش جدّي في صوابيّة الملاحقة الأميركية لأسانج بتهمة التجسّس، ولا سيما أنّه ليس أميركياً. لا شكّ أنّها لا تزال قضية رأي عامّ. ولكن مع اعتبارها نقطة سوداء في سجلّ الحرّيات في الولايات المتحدة، لا يلغي هذا الأمر المساحة المخصّصة للنقاش المفتوح وحرّية الرأي هناك.

بعيداً عن أيّ تملّق: التعرّف على هذا الكمّ من المعلومات والتفاصيل في “السيستم” الأميركي، يجعلك تبتسم في كلّ مرّة تسمع من يقول إنّه يريد أن يحاربهم ويضرب في عمقهم. هذه الدولة – القارّة دُعيت بالعظيمة ليس عن عبث.

فلنكتفِ بمثل صغير: عندما يتّصل أيّ مواطن برقم الطوارئ، تصل طواقم رجال الإطفاء والإسعاف والشرطة معاً في أقلّ من 7 دقائق. الرقم 7 هو الحدّ الزمني الأقصى من الدقائق لوصول هذه الطواقم للنجدة، وإلّا فالإدارة المحلّية تبني مركزاً جديداً لتلبية حاجة سكّان هذه الأماكن.

إقرأ أيضاً: في أميركا “اللامركزيّة” (1): عودة “الاستبلشمنت”

في لبنان يعاني اللبنانيون من الموت المجّاني تحت رحمة طواقم سياسية لم تصل يوماً إلى الحدّ الأدنى من تحقيق ما يشبه حقوق المواطن… والسياسيون يتّصلون بكلّ أرقام “الطوارىء” في المنطقة والعالم، وقد مرّت 4 سنوات ولا أحد يردّ. ربما تصير 7 سنوات.

ينتبه الزائر إلى أنّه يأتي من بلاد “الـ7 دقائق” لإزالة إسرائيل، وقد حطّ في كوكب “الـ7 دقائق لوصول النجدة”…

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…