حبل الكذب “أورانج” وصاحب الحاجة أرعن

مدة القراءة 3 د

آخر مرة قال لي أحدهم “أنت كذّاب”، أكل منّي 6 طقات في وجهه. كان ذلك في المقهى. يومها اتهمني بأنني نصبت عليه مبلغاً من المال بسبب “تعليمة سبق”، وكان اتهامه لي زوراً بالطبع. فأنا أبغض الكذب والكاذبين منذ صغري.

هكذا علّمني جدّي، رحمه الله، الذي كان دوماً يتلو على مسامعي جملتين: “يا جدّي يلي بيكذب بيعمل كل شي. بيسرق وبيكذب، بيقتل وبيكذب، بياكل حقّ الناس وبيكذب… بعمرك لا تكذّب!”. رسخت هذه الكلمات في ذهني وكبرت وترعرعت على هذا المبدأ: لا للكذب (وربّ الكعبة).

لكن حتّى أكون صريحاً معكم “حبتين”، فالكذب لا مفرّ منه في بعض المواقف. ولهذا يقال “الكذب ملح الرجال”. الكذب هنا ليس ذاك المؤذي للآخرين، وإنّما الكذب من الصنف “الأبيض”، صافي النية ونبيل الهدف وبريء.

أذكر جيداً قبل أشهر، إبان الـlockdown الثاني كنت “مزروباً” في البيت، وجهي بوجه أم زهير وأربعة جُدُر. شعرت بحَجَر ثقيل جاثم على صدري، وبقرب إصابتي بفالج (لا تعالج) من المكوث طويلاً في البيت. قلتُ في نفسي لا سبيل لإزاحة هذا الضغط إلاّ من خلال الخروج قليلاً.

هكذا علّمني جدّي، رحمه الله، الذي كان دوماً يتلو على مسامعي جملتين: “يا جدّي يلي بيكذب بيعمل كل شي. بيسرق وبيكذب، بيقتل وبيكذب، بياكل حقّ الناس وبيكذب… بعمرك لا تكذّب!”. رسخت هذه الكلمات في ذهني وكبرت وترعرعت على هذا المبدأ: لا للكذب (وربّ الكعبة)

قرّرت ملاقاة الأصدقاء الذين تداعوا إلى عزيمة “سمك بزري” ومتبلات وطواجن مع “بطحة عرق” بلدي (الويسكي ما عاد إلنا قدرتو) عند أحد الأصدقاء بعد أن دعوني “واتسابياً” للحضور،  فكذبت على أم زهير وقلت لها: ” يا أم زهير استدعوني بالشغل. قال في شي طارىء ولازم روح… يمكن اتأخر شوي”.

غبتُ حتى منتصف الليل، وعدتُ مثل الوطاويط “مزهزه” أسند حيطان الدرج صعوداً إلى البيت (المصعد معطل الله لا يوفّقهم هالجيران)، وصلت أخيراً إلى الطابق الخامس، وفتحت الباب ودخلت فوجدت أم زهير على الكنبة في انتظاري. رمقتني تلك الرمقة بعينيها وزجرت بي: “وين كنت وليه؟”

قلت لها: “بالشغل”، ردت : “كذاااااااب”.

حبست نفساً عميقاً في صدري وقلت لها: “إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لِأَقُولَ لَكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا ?لْآنَ. وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ ?لْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ ?لْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ” (يوحنَّا 16:12-13).

ردّت: “بس وليه سكران… قول وين كنت وما تكذّب؟”

فصرخت في وجهها: “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ” (الزمر 60)

إقرأ أيضاً: شحّدوا أهل بيروت الخُبِز!

ظنّت أم زهير أنني فاقدٌ للوعي بسبب “العرق المضروب”، إلاّ أنني فعلت ذلك من باب “كسر الشر”، فأنا بحاجة لتوقيعها، لأنها المولجة بالتوقيع على “دفتر التوفير” المصرفي حتى أتمكن من سحب راتبي التقاعدي نهاية كل شهر (الله يلعن الساعة يلي عملت معها هالتسوية وفتحت الحساب باسمها). علمت لاحقاً أنني لم أكن في العمل وأنّ “حبل الكذب قصير” (وغالباً لونه أورانج)، لكن أم زهير “ظالمة” وأنا “صاحب حاجة”، ودوماً صاحب الحاجة أرعن… بس أرعن من هيك ما بقا يصير.

أللهمّ العفو والعافية والمغفرة.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب 

مواضيع ذات صلة

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…

كيف استفاد نتنياهو من تعظيم قدرات الحزب للانقضاض؟

كلّما زار آموس هوكستين بيروت في الأشهر الماضية، كان المسؤولون اللبنانيون وبعض المتّصلين به من السياسيين يسرّبون بأنّها “الفرصة الأخيرة”. لكنّه ما يلبث أن يعود،…

نتنياهو هزم الجنرالات…

ما حكاية الخلاف الشديد بين بنيامين نتنياهو وجنرالات الجيش والأمن في إسرائيل؟ لماذا يبدو أبطال الحرب أقرب إلى التسويات السياسية مع الفلسطينيين، بل مع حلّ…