لماذا ما يزال نتنياهو المفضَّل في إسرائيل وأميركا؟

مدة القراءة 5 د

لا مغالاة في وصف بنيامين نتنياهو بأنّه ظاهرةٌ في إسرائيل وعلى مستوى العالم أيضاً. لم يحدث أنّ قائداً في أيّ زمانٍ ومكان ظلّ في سدّة الحكم لعدّة دورات فيما توجَّه له كلّ يوم تهمة جديدة، أقلّ واحدةٍ منها كفيلةٌ بإيداعه السجن، وفي حالاتٍ مخفّفةٍ إرساله إلى البيت أو إلى مقاعد الأقليّة المعارضة في البرلمان.

 

يقضي نتنياهو جلّ وقته في قفص الاتّهام، حتّى إنّه استقبل رئيس برلمان الباراغوي في قاعة المحكمة، وأجرى محادثاتٍ معه فيها، وهذا لم يحدث مثله في التاريخ. وتخصّص محاموه ومستشاروه المقرّبون منه في إيجاد ذرائع لخفض مدّة وجوده في قفص الاتّهام، والسماح له بمغادرته، والذريعة الدائمة التي لا يملك القضاة إلّا القبول بها هي أنّه سيذهب إلى مهمّة تتعلّق بأمن الدولة وإجراء اتّصالاتٍ مع زعماء عالميّين، وذرائع أخرى أظهرته لفرط تكرارها وسذاجتها كما لو أنّه تلميذٌ يصطنع مناسباتٍ للغياب عن المدرسة.

في سياق محاكمته ومن أجل الإفلات منها، أعدّ وشريكه وزير العدل ياريف ليفين انقلاباً جذريّاً على القضاء ورجاله وقوانينه، وأدخل إسرائيل في متاهةٍ لم يعد فيها القضاء المرجع الأعلى للدولة، كما في كلّ العهود التي سبقته حين كان رقيباً على أداء مهامّها، بل جسم مختلَف عليه يريده نتنياهو هامشيّاً ومشلول القدرة على إنفاذ قراراته، وهو ما أدّى إلى عدم بتّ قضايا أساسيّة تتّصل بعمل وصلاحيّات مؤسّسات الدولة.

لمّا لم ينجح في الإفلات من المساءلة أمام المحكمة، تقدّم نتنياهو بطلب عفوٍ من رئيس الدولة مع علمه بأنّ للعفو قانوناً لا يملك رئيس الدولة إلّا التقيّد به، وبمقتضاه يتعيّن على نتنياهو الإقرار بالتهم الموجّهة إليه أو ببعضها، مع مغادرته الحياة السياسيّة مؤقّتاً أو نهائيّاً. وهذا ما لا يريده ولا يقبل به، فإمّا عفو غير مشروطٍ وفوق القانون، وإمّا مواصلة العمل ضدّ مؤسّسة القضاء ومواصلة التهديد بتعميق انقسام المجتمع.

الجديد في هذه الأيّام ما اعترف به مستشار نتنياهو الإعلاميّ من أنّ رئيس الحكومة كلّفه بالعمل لحجب أيّ إشارةٍ إلى مسؤوليّته عن التقصير

الحاضنة الأولى والأخيرة لإسرائيل دائماً هي أميركا، التي ألقى رئيسها دونالد ترامب بكلّ ثقله للحصول على عفوٍ لنتنياهو من رئيس الدولة، وهو ما أثار عاصفةً من ردود فعلٍ منتقدةٍ تصرُّف ترامب، فنحا إلى تنويم الحكاية والتوقّف عن الضغط على رئيس الدولة في هذا الأمر الشائك.

فضيحة جديدة

قبل لقائه المقرّر مع ترامب في فلوريدا بعد أيّام، تفجّرت في وجهه فضيحةٌ من داخل مكتبه، جزءٌ منها يتّصل بفضيحة “قطر غيت” التي انشغل بها الرأي العامّ الإسرائيليّ طويلاً وتتضمّن قضيّة تكسّبٍ لقاء تقديم خدماتٍ “لدولةٍ معادية”، وجزءٌ آخر يتّصل بفضيحة التسريبات للصحيفة الألمانيّة “دي فيلت”، التي أنكر نتنياهو صلته بها وقام مستشاره الإعلاميّ السابق بإثارتها من جديد بالإعلان أنّ التسريب تمّ بإيعازٍ مباشرٍ من نتنياهو.

الجديد في هذه الأيّام ما اعترف به مستشار نتنياهو الإعلاميّ من أنّ رئيس الحكومة كلّفه بالعمل لحجب أيّ إشارةٍ إلى مسؤوليّته عن التقصير في منع عمليّة السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، وهو ما وضع في يد منافسيه ورقةً مهمّةً في معركتهم الحادّة معه بشأن تشكيل لجنة تحقيقٍ رسميّةٍ يرفضها نتنياهو الذي قرّر تشكيل لجنةٍ غير رسميّة سمّاها بالوطنيّة على أن يكون هو من يحدّد صلاحيّاتها وتعيين أعضائها. لا أحد يعرف في إسرائيل متى تثور فضيحةٌ جديدة، وعلى أيّ مستوىً ستكون، لكن بالتأكيد ستكون على صلةٍ بنتنياهو ومكتبه.

تُثار أسئلةٌ كثيرةٌ تحت مطر الفضائح المتوالدة، أهمّها سؤالان:

1- ما الذي جعل نتنياهو صامداً على الرغم من ذلك كلّه؟

2- ما هو سرّ تمسّك ترامب به على الرغم من كلّ ما يحيط به من فضائح وما يختلف معه فيه من قضايا تتّصل بإعاقة مشروعه في المنطقة؟

ما جعل نتنياهو صامداً هو متانة ائتلافه في الكنيست، الذي بيده القرار الحاسم بشأن إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة

ما جعل نتنياهو صامداً هو متانة ائتلافه في الكنيست، الذي بيده القرار الحاسم بشأن إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة، التي ما يزال نتنياهو يعمل بكلّ إمكاناته على تفاديها. إلى جانب ذلك، ما يزال الرأي العامّ الإسرائيليّ يرى بنسبةٍ عاليةٍ منه أنّ نتنياهو هو الأفضل بين رؤساء وزراء إسرائيل، وهذا ما أشارت إليه بوضوح استطلاعات الرأي. يخدم نتنياهو في ذلك ضعف منافسيه وقلّة مواهبهم القياديّة.

ترامب يتمسّك به… لهذه الأسباب

أمّا لماذا يتمسّك ترامب بنتنياهو ويفضّل التعامل معه على الرغم من جميع المعيقات التي يصطنعها حيال مبادرته، وخصوصاً في الملفّين الغزّيّ والسوريّ، فلأنّ ترامب لا يريد إدخال مبادرته في متاهات الوضع الداخليّ الإسرائيليّ، ذلك أنّ التعامل مع نتنياهو المشاكس وترويضه أفضل كثيراً من الدخول في مواجهةٍ معه قد تفضي إلى انتخاباتٍ مبكرةٍ لا يعرف ترامب مسبقاً من سيغادر ومن سيأتي، علاوة على إضاعة وقتٍ ثمينٍ بفعل تعطيل مؤسّسة القرار في إسرائيل بفعل الانتخابات المبكرة.

إقرأ أيضاً: نتنياهو… إيران أولاً ودائماً… لماذا؟

يفضّل ترامب إقناع نتنياهو بما يريد أو ببعضه على أن ينتظر بديله الغامض للعمل معه ربّما من نقطة الصفر. يعرف نتنياهو جيّداً مصادر قوّته ويعرف كيف يستخدمها، وأهمّها حاجة ترامب إليه وحاجة اليمين الإسرائيليّ إلى قدراته القياديّة، وشعار اليمين في هذا الأمر “زعيمٌ فاسدٌ ومقتدرٌ من معسكرنا، أفضل بكثيرٍ من زعيم أقلّ فساداً من المعسكر الآخر”.

هذه هي معادلة نتنياهو الذي ما يزال في إسرائيل أشبه بكاسحة ألغامٍ للقضايا والفضائح والخصوم.

مواضيع ذات صلة

الفاتيكان تلقّى تجاوباً أميركيّاً يُعفي لبنان من الحرب؟

هل يستند الرئيس اللبنانيّ العماد جوزف عون إلى معطيات صلبة دفعته إلى القول إنّ “شبح الحرب ابتعد”؟ على طريقته فسّر الخشية من تجدّد الحرب بقوله…

مأزق إيران: “فيل الغرفة” الذي لا يراه ظريف

قلّما يتّفق المحلّلون على توصيف الواقع السياسيّ والاجتماعيّ الإيرانيّ، غير أنّ إجماعاً آخذاً في التشكّل بات يجمع طيفاً واسعاً ومتناقضاً من أصحاب الرأي على حقيقة…

المفاوضات: آخر “مقامرات” لبنان لتفادي الحرب الشاملة..

في الثالث من كانون الأوّل 2025، أعادت الناقورة مشهداً غاب منذ عقود: مسؤولون مدنيّون لبنانيّون وإسرائيليّون يجلسون وجهاً لوجه برعاية أميركيّة مباشرة. يقدِّم الخطاب الدبلوماسيّ…

من النّزاع العربي – الإسرائيلي إلى النّزاع الإيراني – الإسرائيلي

بعد حرب 1967 انخرط لبنان عسكريّاً في النزاع العربيّ – الإسرائيليّ من الباب الخلفيّ، أي من خارج إطار الدولة. مع اتّفاق القاهرة في 1969 انطلق…