العراق: انتخابات الصراعات الأفقية والعمودية..(1/2)

مدة القراءة 6 د

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانيّة في العراق، المقرّرة في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني المقبل، ترتفع وتيرة الصراعات والانقسامات على خلفيّات سياسيّة ومصلحيّة. تكرّس حقيقة أنّ القوى السياسيّة ما تزال غير قادرة على بلورة مشروع وطنيّ جامع يؤسّس لنقل العراق إلى مرحلة جديدة تخرجه من حالة الانقسامات الحادّة على أسس مذهبيّة وقوميّة ودينيّة.

 

باستثناء التجربة التي حاول زعيم “التيّار الشيعي الوطني” مقتدى الصدر فرضها في الانتخابات السابقة عام 2021، وسعى من خلالها إلى تشكيل تحالف وطنيّ يجمع المكوّنات الثلاثة الأساسيّة، أي الشيعة والسنّة والأكراد، لا يبدو أنّ باستطاعة القوى العراقيّة تجاوز مصالحها الخاصّة من أجل مشروع وطنيّ سياديّ.

لم تخلُ تجربة الصدر في التحالف الثلاثيّ من كيديّة سياسيّة واضحة مارسها الصدر ضدّ منافسيه في المكوّن الشيعيّ، ومارسها محمد الحلبوسي في مواجهة خصومه داخل المكوّن السنّي، في حين حاول زعيم “الحزب الديمقراطي” الكردستاني مسعود بارزاني إقصاء منافسه “حزب الاتّحاد الوطني” بقيادة بافل طالباني عن المشهد ومعادلة الشراكة في السلطة والدولة. لكن لم تلبث أن عادت هذه القوى إلى اصطفافاتها الطائفيّة والقوميّة والدينيّة وتكريس سياسة المحاصصة والتقاسم.

ثلاثيّة المكوّنات المتصارعة

تتحكّم حاليّاً بالمشهد الانتخابيّ في العراق معادلةٌ قائمة على “ثلاثيّة المكوّنات” المتصارعة، ليس فيما بينها فحسب، بل داخلها أيضاً. يُعتبر الصراع الثاني، أي داخل كلّ مكوّن، الأكثر تعقيداً والأخطر لِما له من تأثير على حجم كلّ طرف في العمليّة السياسيّة ومستقبل دوره في الدولة والحكومة، في حين يتحوّل الصراع الأوسع بين هذه المكوّنات إلى استعراض للقوّة وورقة تفاوضيّة لتحسين شروط المشاركة في السلطة.

تتحكّم حاليّاً بالمشهد الانتخابيّ في العراق معادلةٌ قائمة على “ثلاثيّة المكوّنات” المتصارعة

كما في كلّ انتخابات، تستعيد هذه المكوّنات الحديث عن حقوق جماعاتها ومناطق نفوذها وانتشارها، حصّتها في السلطة والدولة، حجم تمثيلها في الإدارات  والمشاريع الإنمائية وعمليات الإعمار. لا تجد حرجاً في العودة إلى استخدام الخطاب الطائفيّ أو القوميّ أو المذهبيّ أو المناطقيّ بهدف التحشيد الشعبيّ وجمع الأصوات باعتبارها المُدافع والمُطالِب بحقوق هذا المكوّن وأبنائه.

أسهم قرار مقتدى الصدر، زعيم “التيّار الصدريّ”، أو “التيّار الشيعيّ الوطنيّ”، باستمرار مقاطعته للانتخابات ترشّحاً وانتخاباً، في رفع مستوى المنافسة على المقاعد البرلمانية بين المكوّنين الشيعي والسنّي في دائرة العاصمة بغداد. ذلك لأنّ “الإطار” الشيعيّ لا يخشى المواجهات الانتخابيّة في مناطق الوسط والجنوب، لأنّ المرشّحين، سواء المنتمون لهذه الأحزاب أو المعارضون لها، لن يخرجوا من دائرة المكوّن الشيعي.

العراق

تكمن خشية “الإطار” الشيعيّ في العاصمة من هيمنة المكوّن السنّيّ في ظلّ عزوف مناصري الصدر عن المشاركة، حتّى إنّهم عمدوا إلى تمزيق اللوحات والمنشورات الدعائيّة للمرشّحين الشيعة في غالبيّة مناطق نفوذهم، إضافة إلى القلق من تراجع نسبة المشاركة، الأمر الذي يسمح لمرشحّي أحزاب المكوّن السنّيّ من الفوز على حساب المكوّن الشيعيّ.

إذا ما كان صراع “ثلاثيّة المكوّنات” في الانتخابات محكوماً في نهايته بالتحالف بعد النتائج، والجلوس إلى طاولة تقاسم المغانم، فإنّ الصراع داخل هذه المكوّنات يكاد يكون وجوديّاً وقديماً لأنّه صراع على حصريّة التمثيل.

صراع المكوّنات

دخل “الإطار” التنسيقيّ الذي يضمّ غالبيّة الأحزاب والقوى والفصائل الشيعيّة في معركة واضحة حول الأوزان التمثيليّة التي تحدّد الجهة أو الائتلاف الذي سيكون قادراً على فرض نفسه لاعباً في تحديد هويّة رئيس الوزراء المقبل. اتّفقت هذه الأحزاب على الذهاب إلى تشكيل لوائحها الانتخابيّة منفردة أو ضمن تحالفاتها الخاصّة لصعوبة الاتّفاق على تشكيل لائحة واحدة. تمثّل “الإطار” بجميع أطرافه على أن يعود الفائزون إلى تشكيل كتلة كبرى بعد إعلان النتائج.

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانيّة في العراق، المقرّرة في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني المقبل، ترتفع وتيرة الصراعات والانقسامات

إلّا أنّ صراعاً من نوع آخر برز داخل هذا المكوّن بين قطبين أساسيَّين هما رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي ورئيس الوزراء الحاليّ ورئيس حزب “الفراتيّين” وزعيم ائتلاف “الإعمار والتنمية” محمّد شياع السوداني. استطاع كلّ منهما أن يحشد أفرقاء من “الإطار” خلفه ويضمّهم إلى التحالف معه.

يبدو هذا الانقسام نهائيّاً. يقوم في جانب منه على منع السوداني من الحصول على ولاية ثانية في رئاسة الوزراء. من هنا كان قرار المالكي دخول السباق الانتخابيّ على رأس لائحة ائتلاف “دولة القانون”، مقابل اللائحة التي يرأسها السوداني في بغداد.

يدخل السوادني السباق الانتخابيّ متسلّحاً بالإنجاز الاقتصاديّ والإعماريّ والخدماتيّ الذي حقّقه خلال السنوات الثلاث من رئاسته، وبتحالف مع جهات أساسيّة وفاعلة في “الإطار التنسيقيّ” كزعيم “تيّار الحكمة” عمّار الحكيم، وقائد منظّمة بدر هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفيّاض.

في المقابل يقف مع المالكي زعيم “عصائب أهل الحقّ” قيس الخزعلي وحركة “النجباء”. الهدف هو الحصول على أكبر عدد من المقاعد الشيعية التي تسمح لهم بقطع الطريق على عودة السوداني، بالاعتماد على قدرتهم على تقديم مرشّحين آخرين من داخل “الإطار”، في مقدَّمهم المالكي وأسماء أخرى تراوح بين رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ورئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري وصولاً إلى مستشار الأمن القوميّ قاسم الأعرجي.

إقرأ أيضاً: الانتخابات العراقيّة: متى يعود الصّدر ويقلب الطّاولة؟

يتخوّف المعارضون لعودة السوداني من إمكان أن يعمد مناصرو “التيّار الصدري” إلى عرقلة الاقتراع عن طريق منع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع، فتتدنّى نسبة المشاركة وتتراجع حظوظ مرشّحيهم، بالتزامن مع نسج تحالف خفيّ أو من تحت الطاولة بين السوداني و”التيّار الصدري” يسمح لمناصري الأخير من الاقتراع لمرشّحي السوداني في جميع المحافظات، فترتفع حظوظه في الحصول على 50 مقعداً بالحدّ الأدنى، وهو ما يجعل منه رقماً صعباً يفتح له طريق عودته إلى رئاسة الحكومة.

 

غداً الحلقة الثانية: الانتخابات العراقيّة: “الحشد” في البرلمان لا الحكومة.

مواضيع ذات صلة

الآليّة عقدة الطّربوش في التّفاوض مع إسرائيل

ما خلا “الحزب”، لا أحد من الأفرقاء اللبنانيّين يمانع التفاوض مع إسرائيل، انسجاماً مع المبرّر الذي ساقه رئيس الجمهوريّة جوزف عون من أن لا خيار…

من وطن الرّسالة إلى الدّولة الفاشلة: كيف انهار النموذج اللّبنانيّ؟

كيف سقط لبنان من قمّة النموذج إلى قاع الفشل؟ هل كان محكوماً حتماً بهذا المصير؟ كيف انقلب وطن الرسالة إلى دولة التخبّط والعجز؟   واصل…

لبنان مُعضلة الشّرق: هل تهبّ عاصفة ترامب؟

يجد لبنان نفسه بعد اتّفاق غزّة أمام تحدّيات جمّة تتمثّل بشكل رئيس في السباق بين الجهود الدبلوماسيّة والتصعيد العسكريّ على نطاق أوسع، وسط مؤشّرات متزايدة…

خديعة الحكم الشّيعيّ في العراق

عند كلّ انتخابات تشريعيّة جديدة في العراق، ترتفع أصوات مرشّحي الأحزاب الشيعيّة بخطاب طائفيّ تتوزّع مفرداته بين التخويف من عودة البعثيّين إلى الحكم، وبين التحذير…